الحوار المرتقب و القيم الحضارية / مامودو كَانْ

إن الساحة السياسية الوطنية و الفضاء الاجتماعي يعرفان فى الآونة الأخيرة رواج بضاعة ثمينة ليست بجديدة على الشعب الموريتاني ألا و هي كثرة تداول و تبادل الحديث عن الحوار المرتقب من جهة و استضافة قمة نواكشوط للجامعة العربية من جهة ثانية، و هو ما لم يخلو دون تصاعد لغة التهديد و الوعيد 

بين مختلف مكونات الفاعلين السياسيين على الساحة الوطنية من أغلبية و موالاتها و المعارضة و المنضوين تحت تحالفات أحزابها، كلّ يبحث أن يبرهن للآخر و للرأي العام الوطني بل و الدولي على صواب مواقفه و متانة تمسكه بمبادئه ناسين أهمية المرونة و تبادل الآراء و الاستماع إلى الآخر سبيلا لوضع خارطة طريق تأخذ عين الاعتبار ما هو ايجابي و متفق فيه بين طرفي الحوار المرتقب لوضعه للنقاش على مائدة الحوار، آخذين أساسا القاسم المشترك فيما بينهم على و هو الإسلام الذى هو الدين الرسمي للدولة و الشعب، لحماية البلاد و العباد لصالح العام بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة التى تسعى للحفاظ أكثر على المصالح الخاصة على حساب عامة العامة من الشعب و بالتالى لا تكرس سوى زيادة تفاقم الأزمات و اتساع الهوة بين الأطراف المتوقعة أن تتحاور فيما بينها و يبقى الوطن و المواطن من أكثر المتضررين بهذه السلوكيات اللا مدنية و الحضارية و المنافية حتى لروح ثقافة التعايش السلمي فى ظل الثوابت الوطنية و الشعار الوطني الذى أولى بالاحترام من غيره (شرف – إخاء – عدل).        هذا يدفعنا إلى الخوف من الوصول إلى ما سماه صامويل هنتنغتون بصدام الحضارات مع اختلاف فى السياق و المجال على أساس أن الصدام هنا أضيق مما هو عند صامويل هنتنغتون لأنه يتعلق بصراع بين شخصيات مختلفة الانتماء من حيث مناطق و جهات و أقاليم الوطن و إن كان يجمع بين بعضهم مصالح مشتركة دون بعضها الآخر من نفس المناطق لارتباط مصالحها بها أو بفعل الحفاظ على مكتسبات وصل إليها على حين غفلة، و لدى بعضها الآخر الطمع للحصول على نصيبه من الكعكة فى يوم من الأيام بعد استمرار فى التملق السياسي و لو على حساب الوطن و المواطنين، حيث يكون الوطن بلا مواطنين وطنيين يهمهم و يغروهم البناء و تخليد أسماءهم فى الذاكرة الشعبية من خلال ما يتركونه من معالم حيّة مادية أثرية و يكون للتاريخ نصيب فى حياتهم بعد مماتهم و للمؤرخين أسباب و أدوات كتابة التاريخ فيما بعدهم، و نصيب المواطنين فى حياتهم العيش فى عزة و أمان و طمأنينة لا يظلم أحد عنده و لا يُتعرض لأمواله حتى فى فاجئة الموت فى الشوارع، ليتخذ الرئيس و المرؤوس مثالا على الملك الهمام و المقتدر ملك الحبشة النجاشي مع المهاجرين عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، أو من السلطان منسي سليمان الذى فرض الأمن و الطمأنينة و حافظ على الأملاك العامة بما فيهم من يموتون فى أراضي مملكته من التجار الأجانب عربا كانوا أم بربرا أو غيرهم و ذلك بشهادة الرحالة المغربي ابن بطوطة الطنجى عند زيارته لمملكة مالي فى مطلع النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، حبذا استفدنا من دروس التاريخ الايجابية و رجالاتها العقلاء المتأنين.                                          هكذا نرجع و نقول إن كان مفهوم الحضارة لدى هنتنغتون غير واضح المعالم تماما، بحيث تكون تارة أكثر شمولية من الثقافة، و تارة أخرى جزء من الثقافة و غالبا ما تتطابق مع الثقافة، فإن بإمكاننا القول كذلك أن مفهوم و موضوع الحوار المرتقب ما زال غير واضح الرؤية و لا سليم المبادئ لانعدام الثقة بين الأطراف المتوقعة أن يتحاوروا و لعل وجود ما يمكن اعتباره المسكوت عنه أو المحظورات فى أجندة مائدة الحوار المرتقب لم يساعد فى تلطيف الجوّ العام للوصول إلى وضع جدول عملي يتم فيه جرد ايجابيات و سلبيات و جدية و وضوح النقاط المقترحة للنقاش لكل طرف من الأطراف المرتقبة تحاورها قبل الجلوس على مائدة الطاولة المستديرة للحوار حيث كلّ يشك فى كل بما يحمله من أفكار مسبقة فى نية الآخر و فى حساباته السياسية.                                                                     و إذا كانت الآراء بشكل عام تكاد تتفق حول اعتبار الثقافة ذلك "الجانب المعنوي" من الحضارة و الذى يشمل القيم السائدة لدى مجتمع ما و عاداته و تقاليده و لغته و معارفه و فنونه...الخ، بينما تشمل الحضارة إضافة إلى ذلك "الجانب المادي" المتمثل بدرجة التطور الاقتصادي و بمستوى التقدم العلمي و التكنولوجي و العمراني، و ذلك بفعل نجاح السياسة و الحكامة الرشيدة، فإن الحوار بدوره يعكس مستوى الوعي الحضاري و القيم الثقافية و درجة انفتاح المتحاورين فيما بينهم و إدراكهم معاناة شعبهم و مشاكل مجتمعهم و إظهارهم الرغبة فى صون عادات و تقاليد و لغات و معارف و فنون المجتمع، و لعل صعوبة التحاور بين الموريتانيين مرتبط بطغيان ظاهرة البداوة عليهم، التى يقول ابن خلدون بأنها أصل الحضارة. هذه البداوة التى لم تستطع أن تفارقنا لحظة واحدة فى حياتنا اليومية من سلوكيات و أخلاقيات و ممارسات و معاملات و هو ما انعكس سلبا و بشكل عام على الطبقة السياسية موالاة و معارضة و المنضوين تحت سقفهما.                                                                               و لعل المشهد السياسي الموريتاني و ما يشهده من انقسام و تفرقة و تعدد فى الأحزاب و اختلاف فى المواقف و الخطابات يجسد رأي القائلين بأنه ثمة فرق بين الحضارة و الثقافة، لأن الحضارة الواحدة يمكن أن تشمل ثقافات متعددة و هو واقعنا الحالي لأننا فى موريتانيا نمثل مناطق ثقافية متعددة، فالحضارات الإنسانية محدودة فى حين أن الثقافات لا حدّ لها حسب نفس الرؤية و أن ما يميز الحضارة مصطلح أساسي هو مصطلح "رؤية العالم"، و يرى السيد يسن وجود حضارة إسلامية فيها ثقافات إسلامية لا حدود لها. و هو فى الحقيقة واقع حضارتنا الموريتانية و فضاءنا الاجتماعي و مشهدنا السياسي بمناطقه الثقافية المتعددة. و إذا كان الهدف الحقيقي من الحوار هو إخراج البلاد و العباد من ما سماه البعض بالمأزق السياسي و التوتر الاجتماعي فإن على القيمين بالشأن العام الأخذ بالتعريف الأنتروبولوجي للحضارة بسبب شموليته و تكييفه على الواقع الموريتاني لأن التعريف الأنتروبولوجي يعتبر الحضارة النمط العام للحياة الذى يتمثل بعلاقات السلطة و التنظيم الاجتماعي بداية من العمل و الإنتاج و الملكية و المعرفة و السلوك العلمي و القيمي و الإبداع الفني و النتاج الثقافي عامة، و هي مواضيع تستحق أن تكون ضمن أخرى من بين مواضيع أجندة الحوار المرتقب.                                              إن مفهوم الحوار الذى يخدم البلاد و العباد بل و حياة الأحزاب و منظمات المجتمع المدني و الفاعلين الاجتماعيين و التربويين على الرغم من طابعه السياسي يجب التركيز فيه بامتياز على الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة بشكل يسمح تغطية الجزئيات التى تشكل جانبا من المسكوت عنه أو ما يسميه البعض بالمحظورات، و لعل ذلك يساعد فى تفاعل ثقافات موريتانيا على مستويات مختلفة و بطرق مختلفة، من صراع إلى حوار، و من انقطاع إلى تواصل بكل أشكاله، و من انغلاق إلى انفتاح بكل معاييره، ... الخ و لعل اللافت للانتباه أنه كلما كان الحديث عن الحوار و ما يدور حوله انجر الكثيرون خلف الاندفاع الذاتي أو طغيان الذات الذى كثيرا ما يؤدى إلى الانحراف و الانكماش و معه يبقى الحديث عن الصراعات السياسية يعنى مجرد حصره فى المكاسب السياسية دون غيرها أو التقليل من أهمية الجوانب الحضارية الأخرى من الحوار، كالتطرق لاتخاذ إجراءات لحماية الثقافات الوطنية مثل التشديد فى استخدام اللغات الوطنية، و إحياء التراث الثقافي الشعبي، و دعم الإنتاج الفكري المحلي باللغات الوطنية بشكل عام.                                                                                         أما على مستوى مقومات الحوار فيما بين الفرقاء السياسيين بمختلف أطيافها و أشكالها و مكوناتها، فعند العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة نجد أن الدول صغيرها و كبيرها تتمتع بحق المساواة و السيادة، فلماذا لا يتمتع كل الفاعلين السياسيين بنفس المساواة فى هذه الدول فى أداء مهامها و رسالتها فى خدمة البلاد و العباد بمستوى من المسؤولية، و إذا ما أردنا إسقاط هذا المبدأ على الحوار السياسي المرتقب فى بلادنا فيمكن أن نتحدث عن ضرورة المساواة بين كل الأطياف السياسية و الفاعلين فيها فى الكرامة و فى حقها فى التفاعل و الإغناء المتبادل مع الشعب، حيث تشكِّل التعددية السياسية مبدأ من مبادئ الحوار السياسي، فعلى كل حزب أو منظمة أن تعترف بالأحزاب الأخرى و بتمايزها و بدورها فى إغناء الإنسانية، و إلا لا يمكن أن يكون هناك حوار فى ظل ازدراء الأحزاب و المنظمات الأخرى أو فى ظل إرادة الهيمنة على هذه الأحزاب أو تغييبها أو إلغائها.                                                    و انطلاقا من هذه المسلمات من الضروري و المفترض فى الحوار السياسي معرفة الآخر و احترامه، و هذا يتطلب معرفته معرفة حقيقية، لأن من جهل شيئا عاداه، فمعرفة الآخر أصبحت يسيرة بفضل التطور المدهش فى وسائل الاتصال التى توفر كمًّا هائلا من المعلومات، احترام الآخر يعنى الاستماع له و العمل معه و احترام قراره، و غياب هذا الاحترام المتبادل يعنى أن الحزب أو الأحزاب القوية لا تحاور بل تهيمن و تسيطر و تفرض، و لا تتأثر بغيرها بل تنتج مؤثرات على الغير حتى و لو اكتسبت منجزات سياسية أخرى، و الحزب أو الأحزاب الراكدة أو فى موقف الضعف لا تحاور هي أيضا بل تستقبل كجهاز استقبال و تستهلك و لا تُنتج ليس إلا و المثال على ذلك أحزاب الموالاة.                                 و هل من الممكن الحكم بأن حزبا ما يتفوق على غيره من الأحزاب؟ و للإجابة على السؤال يجب تحديد معايير لتقييم هذه الأحزاب، إذن ما هي هذه المعايير و مَن يحددها؟ و هل يمكن إيجاد معايير موضوعية؟ و هل التطور التكنولوجي و كثرة وسائل النقل و الاتصال داخل الحزب هي قيم أو معايير لتقييم هذه الأحزاب؟ و لعل الصعوبة لا تكمن فى تحديد معايير المقارنة بقدر ما تكمن فى قابلية هذه المعايير للقياس، فهي غالبا ما تتعلق بشخص أو جهة أو منطقة أو قبيلة أو عواطف غير مبررة، و أحيانا إذا كانت المعايير التى يمكن استخدامها لمقارنة الأحزاب مطلقة، فإن القيمة التى يمكن إعطاؤها لهذه المعايير تبقى نسبية حيث تختلف ليس فقط من حزب لآخر بل أيضا من وقت إلى آخر و من شخص إلى آخر، أو قبيلة إلى أخرى، و من منطقة و جهة إلى أخرى.                                  من هنا تبرز أهمية احترام الذات فى الحوار السياسي بين الأحزاب، يجب أن يكون كل حزب فخور بما ينجزه و ما يقدمه إلى الإنسانية عامة و إلى الشعب خاصة، كما يجب أن يعترف كل حزب بالنقاط المظلمة فى تاريخه، و بالتالى على كل حزب إجراء تقييم موضوعي و نقد ذاتي لحركة تطوره و مدى مساهمته فى حياة الإنسان الموريتاني، حيث يجب أو يفترض احترام الذات و الشعور بالثقة تجاه القيم و المُثل لتأسيس حوار سياسي غني بالممارسة لا بالقول، بمعنى ترجمة الأقوال إلى الأفعال كي لا تبقى نثرا منثورا، خرجت الأقوال و هبت بها رياح الصحراء إلى عالم مجهول فلا نتيجة ينتظر منها، لا أتصور أن أحدا يمكنه أن يتنكر ذاته، إلا أن البعض عند احتكاكهم بالأحزاب و بحثا عن مصلحة خاصة يبدأ بالتنكر و نسيان ذاته فيفقد بذلك احترام الآخر له، و تذوب طموحاته فى غيابات الجب و عالم البحار و المحيطات لا هو حافظ على ذاته و شخصيته و لا نجح فى تحقيق مآربه الشخصية. و الله المعين.        فالحوار يعنى اكتشاف الآخر داخل الذات، و يعنى أيضا و بنفس المرتبة، اكتشاف الذات فى نظر الآخر، أي التعرف على الأنا الموضوعية التى يراها الآخرون، مقابل الأنا الذاتية التى نراها نحن، و ليس الحوار يعنى تخليا عن الذات و إنما هو توضيح للذات و عرضها على الآخر، هكذا يكون التفاؤل و الإغناء المتبادل، و الحزب السياسي الحقيقي فى نظرى هو الذى يعرف ما يجب أن يرفض و ما يجب أن يقبل، و كيف و متى و أين يتم ذلك، بشكل عام معرفة و قدرة تقييم و تقدير الظروف العامة الوطنية و الدولية، و حجم التوقعات و المكاسب تبعا لتلك الظروف.                                            أما على صعيد عناصر الحوار، فمن المعروف أن الحوار هو عملية اتصال، و بالتالى يجب أن تتضمن عملية الحوار عناصر عملية الاتصال الأربعة و التى تتمثل فى: المُرسِل، الرِسالة، وسيلة الاتصال، المُرسَل إليه. و يكون المُرسِلُ هنا إحدى الأحزاب المتحاورة (لا سيما الحزب الحاكم)، و الرسالة هنا تتضمن المعلومات أو الأفكار التى تريد هذا الحزب بدعم من الموالاة إيصالها إلى الأحزاب الأخرى (المعارضة و حلفاؤها من الأحزاب الأخرى). أما وسيلة الاتصال هنا فهي الأداة التى تستخدم من قبل الحزب الحاكم لنقل الرسالة، حيث يمكن أن يكون الاتصال مباشرا أو عن طريق وسائل الاتصال المعروفة المرئية أو المقروءة أو المسموعة، و يمثل المُرسَل إليه المعارضة أو أحزاب المعارضة المعنية بالحوار. و لكي تعتبر عملية الاتصال هذه كاملة و ناجحة يجب أن يتوفر فعل أو قول يعبر عن تلقى المُرسَل إليه الرسالة المُرسلة، حيث أنه فى كل عملية اتصال بين طرفين يمكن أن تكون هناك أربع وسائل مختلفة على النحو التالى: 1 _ الرسالة التى أراد المُرسِل إيصالها إلى المُرسَل إليه. 2 _ الرسالة التى أرسلت فعلا إلى المُرسَل إليه. 3 _ الرسالة التى تلقاها المُرسَل إليه. 4 _ الرسالة التى فهمها المُرسَل إليه و على أساسها تصرَّف. إن اختلاف هذه الرسائل يؤدى إلى فشل عملية الاتصال، و بالتالى عدم انعقاد جلسات الحوار و هو ما يتوقع من الحوار المرتقب حسب بعض التصريحات التى يدلى بها من هنا و هناك، و على هذا الأساس فإن نجاح عملية الاتصال يتطلب تحقق أمرين: الأول: تطابق الرسالة رقم4، مع الرسالة رقم1، كما هو مبين أعلاه. الثانى: تطابق ردة فعل المُرسَل إليه (أحزاب المعارضة) مع الغاية من عملية الاتصال (غاية الحزب الحاكم مصدر الاتصال).                         و يمكن أن ينتج اختلاف الرسالة المراد إيصالها (من الحزب الحاكم) عن الرسالة التى فهمها الطرف الآخر (أحزاب المعارضة) و على أساسها تصرف عن عدة أسباب منها: _ عدم مصداقية المُرسِل (الحزب الحاكم) فى نظر المُرسَل إليه (أحزاب المعارضة) _ عدم وضوح الرسالة، غالبا ما تكون لغة الرسالة واضحة بالنسبة للمُرسِل (الحزب الحاكم) و لكنها غير واضحة للمُرسَل إليه (حزب أو أحزاب المعارضة). _ عدم مصداقية وسيلة الاتصال فى حال الاتصال غير المباشر أو عدم قدرة وسيلة الاتصال هذه الوصول إلى المُرسَل إليه (التلفزة أو الصحافة المكتوبة و المرئية) و التى غالبا ما تكون تابعة للنظام القائم. _ عدم اهتمام المُرسَل إليه (أحزاب المعارضة) بالرسالة أو فهمها بشكل خاطئ، و فى كلتا الحالتين تكون ردّة فعله غير مناسبة مع الهدف من عملية الاتصال.                                و على مستوى الغاية من الحوار فإن الحوار ليس غاية فى حدّ ذاته و إنما وسيلة لتحقيق غاية أو مجموعة من الغايات، و تحقيق هذه الغايات لا يتم على التوازي و إنما على التسلسل، حيث الغاية المحققة وسيلة لتحقيق الغاية اللاحقة. فما هي إذن الغاية من الحوار فيما بين الفرقاء السياسيين يا ترى؟   و مهما كان مآل هذا الحوار المرتقب فيمكن أن يكون له واحدة أو أكثر من الغايات التالية: الغاية الأولى: مزيد من التعارف بين الأحزاب: حيث أن كل حزب من الأحزاب المتحاورة يتعرف أكثر على مبادئ و قيم و ثقافة و قضايا و اهتمامات الأحزاب الأخرى، و إذا ما تحققت هذه الغاية فيمكن أن تصبح وسيلة لتحقيق الغاية الثانية. الغاية الثانية: تعديل المواقف: حيث أن كل حزب  يكوّن صورة و يخلق موقف ايجابي من قضايا الأحزاب الأخرى. و إذا تحققت تصبح بدورها وسيلة لتحقيق الغاية الثالثة.      الغاية الثالثة: تعديل السلوكيات: أي كل حزب يتبنى سلوكا ايجابية تجاه مبادئ و قيم و ثقافة و قضايا الأحزاب الأخرى. فضلا عن تحويل (الآخر) إلى (الأنا)، و هو ما يريده بشكل عام فى نظرى الحزب الحاكم من حوارهم مع أحزاب المعارضة لتكريس تفوقها إن صح التعبير تمهيدا لحاجة فى نفس يعقوب. و الله اعلم.                                                                                           و لا يعتقد أن يكون حوار حزب مع حزب (الأغلبية و الموالاة مع أحزاب المعارضة) من أجل التعارف فقط فالتعارف يمكن أن يكون هدف مرحلي يجب أن يتحول إلى وسيلة تخدم خلق موقف ايجابي و من ثم سلوك ايجابي، و يعتبر الحوار فيما بين طرفين غير متكافئين كما هو الحال هنا حوار هامشي يكاد لا يؤثر فى القرار الكبير أو القرار المهم الذى يهيمن على ما عداه، و هو بالتالى حوار لا يكفى لأن أصحاب المعرفة ليسوا فاعلين على نحو مباشر و فوري فى توجيه العلاقة فيما بين الطرفين المتحاورين وجهة واحدة. إذن هل العلاقة فيما بين الأحزاب: صراع أم حوار؟ و هل يمكن اعتبار هذا الحوار نوع من حوار الطرشان؟ و هل الأحزاب فى صراع فيما بينها من أجل إثبات الوجود؟ أم أن هناك صراع مصالح فيما بين هذه الأحزاب؟ و هل الصراع أيضا شكل من أشكال الحوار فيما بين الأحزاب؟ لا شك أن الصراع فيما بين الأحزاب لا يظهر لخدمة البلاد و العباد و إنما تخدم رؤية إستراتيجية ضيقة لمصالح شخصية تسعى للمحافظة على تفوقها السياسي و إن عارضت مصالح القاعدة العريضة من الشعب، و من هنا يمكن التفكير بأنه كان الغاية وراء افتعال موضوع الحوار من جديد هو تتويج أفكار مسبقة لا سيما مضللة فى غياب الوعي الكافي لما تحتاج إليه موريتانيا فى العاجل و الآجل من الطبقة السياسية بشكل عام، و هل يعنى هذا ضرورة إعلان عام للأحزاب السياسية أن طبيعة المشاكل بين الأحزاب بشكل عام قد تبدلت و تغيرت من مشاكل سياسية محضة إلى مشاكل حضارية – ثقافية أكثر خطورة مما يمكن أن نتصوره خاصة بعد ما أعلنه مسعود ولد بلخير فى مهرجان حزبه الأخير تجاه بعض الشرائح من مكونات المجتمع الموريتاني. فالله خير حفظا و هو أرحم الراحمين.                                                                       

9. يونيو 2016 - 10:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا