للإصلاح كلمة : تتعلق بالإنفاق في سبيل الله (ح1 في شهر رمضان المبارك ) / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة تريد أن تذكر المسلمين (ولاسيما الموريتانيين)أن عليهم أن يتأملوا عند قراءتهم للقرآن في هذا الشهر الذي تـكثر فيه قراءته ما يمرون عليه أثناء تـلك القراءة من عبارات قرآنية صادرة من رب السماوات والأرض يحث فيها المسلمين الذين يجدون ما ينفقون أن ينفقوا على إخوانهم 

السائلين والمحرومين من ما آتاهم الله من ماله .
فمن تأمل عند قراءته للقرآن فسيدرك بجلاء تـلك الميزة الكبرى التي جعلها الله من الأجر على الإنفاق في سبيل الله .
فقد عبر المولى عز وجل في كثير من الآيات التي تحث على الإنفاق في سبيل الله بعبارات لم يأت التعبـير بها في أي فعل آخر للخير غير الإنفاق لوجه الله .
وإن أكبر وقع على قلب المسلم ( أو هكذا ينبغي أن يكون) أن يستمع الإنسان إلى ربه الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يطلب منه أن يقرضه قرضا حسنا ، ومن المعروف أن القرض معناه السلف ، ومعلوم كذلك أن السلف لا يلجأ إليه المرأ إلا عند الحاجة القصوى ، ومعلوم ثالثا أن رب العزة عنده خزائن السماوات والأرض ولكنه في هذه الآية نيابة عن الفقير واليتيم والمسكين المحتاجين يطلب من عباده الذين أعطاهم الله من خزائـنه أن يقرضوه من ذلك المال الذي أعطاهم الله فيعطوه لهؤلاء الفقراء والمساكين .
وفي نفس الوقت يخبر بأنه هو الذي سيقضي هذا السلف الذي أعطي من أجل طلبه هذا وأن هذا القضاء حدت نهايته بأن يرضى هذا المعطي عن عطاء الله له يقول تعالى((وسيجنبها الأشقى الذي يوتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتـغاء وجه ربـه الأعلى ولسوف يرضى )) بمعنى حتى يقول رضيت يا رب بما أعطيتـني على إنفاقي ذلك ، والمعروف أن الإنسان حبه للخير شديد ومع ذلك أعطاه ربه حتى رضي .
إن هذه العبارات التي تخص هذا النوع من أفعال الخير لم يذكرها الله في فعل أي طاعة أخرى حتى ولو كانت واجبة مثـل الصلاة والصوم والحج إلى آخره .
فقد ذكر المولى عز وجل تأنيـبه للكفار عند عذابه لهم أنهم كانوا لا يحضون على طعام المسكين يقول تعالى (( كلا بـل لا تـكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين ))  وفي آية أخرى (( أرايت الذي يـكذب بالدين فذلـك الذي لا يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين )) وفي آية أخرى (( ما سلـككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين )) الخ الآية .
فإذا كان الذي يكذب بـيوم الدين سيعـذب زيادة على ذلك على عدم حضه على طعام المسكين فعلى المصدق بـيوم الدين أن ترتعد فرائصه عـند سماع هذه الآيات وأمثالها ويـبادر ليس لإعطاء اليتيم والمسكين حقهم من ما في يده فقط بـل عليه أن يكتب ويقول ويصرخ أمام الملأ ليحث على طعام اليتيم والفـقـير والمسكين الخ .
ومع ذلك فأن هذا الفعل وهو إعطاء اليتيم والمسكين من مال الله هو أيقـظ وأقرب حارس للإنسان من كل مكروه في الدنيا وهو أرجى وأطمع في تكـفير الذنوب كلها في الآخرة، ولذلك فإن الشيطان دائما يحول بـينه وبـين الإنسان حتى ينسيه  التطرق إليه .
فترى الداعية المفوه والكاتب الموهوب والناطق باسم الحكومات والهيئات الجميع يأتي على ذكر كل شيء إلا الحث على إظهار ما في إطعام الطعام وإعطاء الفقير واليتيم والمسكين ما يسـد رمقهم مع أن فيه الأجر واليمن والبركة على الإنسان نفسه وعلى كل ما يتـعلق به من أقوال وأفكار واهتمامات .
فكل هؤلاء المتـكلمون يصول ويجول في الحث على موضوعه الذي يتـكلم قيه ولكن الشيطان يحول بينه وبين أن يقول كلمة واحدة في الترغيـب في الإنفاق في سبيل الله مع كثرة الآيات والأحاديث التي يحفظها أغلب الناس .
ولذا يقال أن ذكر أي فاحشة في القرآن تعني فاحشة الزنا إلا قوله تعالى (( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا )) فالفحشاء هنا هو عدم إعطاء الزكاة .
ويلاحظ هنا مقـابل أمر الشيطان بهذه الفاحشة وهي عدم الزكاة أو فعل أي خير للفقراء يقابـله من الله الوعد بالمغفرة والفضل عليها و( أل) هنا في المغفرة والفضل تعنى الاستغراق أي كل المغفرة وكل الفضل كما في آية أخرى (( إن ربك واسع المغفرة، والله ذو فضل عظيم )) ومن هنا علينا أن نعود إلى القرآن والسنة لنذكر المسلمين بـبعض العبارات الواردة في القرآن وفي السنة وتنوعها لنستـدل بها على أهمية هذا الصندوق الادخاري الأخروي الذي على المسلم إذا هداه الله عليه أن يحمده على ذلك ويشكره عليه كما قال تعالى (( وإن تشـكروا يرضه لكم )) .
وأول آية سبقت في قـلبي عباراتها وهي تعنى الادخار الأخروي  بالذات هي قوله تعالى ((وما آتيـتم من ربا لتربو في أموال الناس فلا يربوا عـند الله وما آتيـتـم من زكاة تريدون وجه الله فأولـئـك هم المضعفون )) .
فعلى المسلم أن يقف ولو دقيقة ليتأمل معنى هذه الآية، فالمعروف أن الربا معناه الزيادة وهي نفسها تعنى المضاعفة ، والايتاء معناه العطاء بمعنى أن الشخص إذا أعطى ماله لأي هيئة أو مؤسسة يريد منه الزيادة فهذه الزيادة لا تكون عند الله لأنه حرم ذلك أما إذا أعطى ماله لوجه الله فإن هذه الزيادة تضاعف عند الله وسيجدها أمامه أضعافا مضاعفة فالعطاء عطاآن وكلهما مضاعف إلا أن الأول محرم على الإنسان وفعله إذان بمعنى إعلان بحرب مع الله والآخر مضاعف أيضا أضعافا كثيرة تكون سبـبا للمغفرة والفضل من الله يقول تعالى في العطاء الأول (( يأيها الذين آمنوا لا تاكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتـقوا الله لعلكم تفلحون )) وفي آية أخرى (( فإن لم تـفعلوا فآذنوا بحرب من الله ورسوله )) الخ الآية ويقول في العطاء الآخر (( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون )) .
فإذا ضربنا مثـلا برجلين أعطي أحدهما مليونا ليربو في أموال الناس وأعطي الآخر مليونا يريد به وجه الله وبعد شهر ماتا ورجعا إلى الله فأيهما يتمنى أن يكون مكان الآخر .
ومن الآيات التي نمر عليها في الحث على الصدقة أيضا هو نداء الله للمؤمنين بأنهم إذا أرادوا الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم  فعليهم ألا يأتوه إلا  ومعهم صدقة .
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة وإن إتيانه بالصدقة ليعطيها هو للفقراء والمساكين ، فالله لم يطلب منهم هدية ولا هبـة عـند مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لعلمه كثرة إتيان الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ألزمهم  بأن يأتوا معهم بصدقة .
ونختم هذه الحلقة الأولى بالعبارات التي تحدد المالك الحقيقي للمال الذي بين أيدينا فالله يقول لأهل المال (( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ، وآتوهم من مال الله الذي آتيكم ))  (( وآتي ذا القربي حقه  والمسكين وابن سبيل ))        
 
          

15. يونيو 2016 - 0:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا