إنصافا للأسرتين / محمد الأمين ولد الفاضل

لقد تأخرتُ كثيرا في الكتابة عن هذا الملف الجنائي الشائك، وذلك بسبب جملة من الأخطاء التي وقع فيها بعض أولئك الذين اهتموا ـ ومنذ وقت مبكر ـ بهذا الملف الجنائي البالغ التعقيد، والبالغ الحساسية أيضا.

ولأني لا أريد أن أكرر نفس الأخطاء، فأود هنا، ومن قبل الخوض في هذا الملف الجنائي البالغ التعقيد أن أتقدم بجملة من الإيضاحات:

أولها: يعتقد البعض ـ وهذا اعتقاد خاطئ ـ  بأن المطالبة بتوفير العدالة في هذا الملف قد تبيح لصاحبها المساس بعرض الأسرة التي كان منزلها مسرحا لجريمة قتل أو انتحار الشاب زيني. إن المطالبة بتوفير العدالة لزيني لا تبيح لنا ـ بأي حال من الأحوال ـ  المساس بعرض أي فرد من أفراد تلك الأسرة التي كان منزلها مسرحا للجريمة.
ثانيها: يعتقد البعض الآخر ـ وهذا أيضا اعتقاد خاطئ ـ  بأن الدفاع عن شرف وبراءة الأسرة التي قُتل أو انتحر الضحية في منزلها يستوجب القبول بنتائج التحقيق وبالحكم الذي تم إصداره من طرف النيابة العامة. إن الدفاع عن عرض تلك الأسرة وعن براءتها لا يعني ـ بالضرورة ـ بأنه علينا أن نبرر الأخطاء التي وقعت فيها النيابة العامة، وعلى المدافعين عن براءة هذه الأسرة أن يعلموا بأن وقوفهم مع النيابة في حكمها الجائر قد يضر بموقفهم ذلك. كما أنه على المتعاطفين مع أسرة الضحية أن يعلموا بأن مساسهم بعرض العائلة التي كان منزلها مسرحا للجريمة، بأن ذلك قد يؤثر سلبا على وجاهة مطلبهم المشروع بضرورة توفير العدالة لزيني.
ثالثها : إنه على المدافعين عن براءة الأسرة التي كانت مسرحا للجريمة أن يطالبوا بإعادة التحقيق، فالتحقيق الشفاف هو وحده الذي سيكون بإمكانه أن يوقف  القيل والقال وأن يتصدى لموجة الشائعات التي انتشرت في الصالونات وفي مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يحاول أصحابها أن يوجهوا أصابع الاتهام للأسرة التي كان منزلها مسرحا للجريمة. وإذا كان هذا الحكم المتسرع المعتمد على تحقيق هش، وعلى تقرير طبي ضعيف قد أعطى لهذه الأسرة براءة قانونية، إلا أنه لم يعطها ـ نظرا لعدم مصداقيته ـ  براءة في نظر المجتمع، ولذلك فإن هذه الأسرة هي أيضا بحاجة لتحقيق جدي من أجل استكمال براءتها.
رابعها : إن الموقف السليم الذي علينا أن نتخذه في مثل هذه الظرفية الحساسة من عمر هذا الملف البالغ التعقيد هو أن نقف مع الأسرتين، والوقوف مع الأسرتين يقتضي بأن نطالب بفتح تحقيق شفاف ومقنع، فإن ثبت بعد ذلك بأن زيني قد انتحر كان ذلك بمثابة شهادة براءة مستوفية الأركان للأسرة التي كان منزلها مسرحا للجريمة، وإن ثبت بأنه قد قتل توجب في هذه الحالة البحث عن القاتل، وإنزال أقصى عقوبة به، وإن في ذلك لمواساة لأم فقدت وحيدها. بالمناسبة إن فرضية وجود طرف ثالث علينا أن لا نستبعدها، خاصة وأن المتاح حتى الآن من الأدلة يستبعد فرضية الانتحار، كما يستبعد أيضا أن تكون الفتاة هي من ارتكب تلك الجريمة البشعة.
خامسها:إنه علينا أن لا نترك هذه القضية تتحول إلى نزاع وصراع بين أسرتين، لكل واحدة منهما قبيلة أو مجموعة قبائل تقف من ورائها، فعلى الجميع أن يعلم بأن هناك أسرة فقدت ابنها، وهذه الأسرة  من حقها أن تطالب بتحقيق مقنع وجدي، ومن واجب الجميع أن يقف مع هذه الأسرة المكلومة إلى أن تنال ذلك الحق . إن وقوفنا مع هذه الأسرة لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ  بأننا نقف ضد أسرة أخرى، وإنما نقف ضد النيابة العامة، وضد قطاع حكومي، يحق لنا كمواطنين أن نقف ضده، وأن نضغط عليه بكل الوسائل المتاحة، وذلك من أجل إجباره على  تصحيح الأخطاء التي وقع فيها عندما سارع إلى حفظ ملف معتمدا في ذلك على تحقيق وعلى محاضر في غاية الضعف والهشاشة. ما أريد أن أقوله هنا هو أن هناك أما فقدت فلذة كبدها، وأنه علينا جميعا أن نقف معها حتى تنال حقها من العدالة، وأن خصمنا في هذه القضية ليس أسرة أخرى، وإنما هو قطاع عام من قطاعات الدولة. 
سادسها: إنه على المجتمع المدني، وخاصة المنظمات الحقوقية، وعلى المدونين والكتاب والنشطاء الشباب، وكل القوى الحية في هذه البلاد أن يقفوا جميعا مع أسرة الضحية، وأن يضغطوا من أجل إعادة التحقيق ومن أجل تحقيق العدالة في هذا الملف. إن عدم وقوف المهتمين بالشأن العام مع هذه الأسرة المفجوعة في ابنها الوحيد سيجعل هذه الأسرة تضطر ـ وقد ظهرت للأسف بوادر ذلك ـ  إلى الاستعانة بالقبيلة من أجل الحصول على حقها، أو اللجوء إلى وسائل أخرى غير قانونية وغير مشروعة للحصول على ذلك الحق.
تلكم كانت جملة من الإيضاحات التي كان لابد من تقديمها من قبل البدء في تبيان الأخطاء التي صاحبت هذا الملف، والتي لابد من الضغط على الجهات المعنية، وبكل الوسائل المشروعة، إلى أن يتم تصحيح تلك الأخطاء.
1 ـ إن الحكم على فتاة بجريمة قتل هو مسألة في غاية الخطورة، وإن الحكم على شاب بالانتحار هو أيضا مسألة في غاية الخطورة، وسيزيد ذلك الحكم من معاناة أسرة فجعت في ابنها الوحيد. وبما أن احتمال الوصول لواحدة من هاتين النتيجتين سيبقى واردا، فإنه كان على الأجهزة الأمنية والقضائية أن تكون جادة في تحقيقاتها وفي محاضرها وفي أحكامها، وهو الشيء الذي لم يحدث للأسف.
2 ـ لم تكن هناك ضرورة مقنعة في المسارعة في حفظ هذا الملف والذي تقول كل تفاصيله بأنه ملف شائك وفي غاية التعقيد. فلماذا سارعت النيابة العامة في حفظ هذا الملف؟
3 ـ منذ مدة غير بعيدة، و بالاعتماد على تقرير الطب الشرعي، تم حفظ قضية أخرى مشابهة، وذلك باعتبار أن الضحية قد انتحر، ولكن، ومن بعد ذلك، فقد فتح التحقيق من جديد، ليتم إلقاء القبض على مشتبه به، ليسجن وليحال من بعد ذلك إلى المحاكمة في يوم الاثنين الموافق 13 يونيو 2016. فلماذا لا يعاد التحقيق في قضية زيني، خصوصا وأن ذوي الضحية قد أعلنوا عن استعدادهم لتحمل كل تكاليف إعادة التحقيق؟ 
4 ـ كما بينتُ في النقطة الأولى فإن الحكم على فتاة بجريمة قتل هو مسألة في غاية الخطورة، وإن الحكم على شاب بالانتحار هو أيضا مسألة في غاية الخطورة، ولذلك فإن أجهزة القضاء والأمن مطالبة بالكثير من الجدية والشفافية من قبل إصدار مثل تلك الأحكام، وهو الشيء الذي لم يتحقق لا في محاضر الشرطة، ولا في تقرير الطبيب الشرعي. إن ذهاب الضحية إلى أسرة الفتاة، ودخوله في غرفة المطبخ، وغلقه لباب هذه الغرفة من الداخل، واستخدام لثام من قماش عادي في عملية الانتحار، وأن تتم  تلك العملية في ضحى النهار، ودون أي تدخل من الجيران، وأن لا تظهر على الضحية علامات الموت بالانتحار شنقا،  وأن يُعبث من بعد ذلك بمسرح الجريمة، وأن يكون المتهم بالانتحار لم يعرف في ماضيه ولا في حاضره بما يعزز فرضية الانتحار. إن كل ذلك ليجعل من القبول بانتحار الضحية أمرا غير مستساغ من قبل أن يتم تقديم أدلة في منتهى القوة، وهو الشيء الذي لم يحصل حتى الآن.
5 ـ إن صمت النيابة العامة قد زاد من تعقيد هذا الملف، وعلى النيابة العامة أن تعلم بأن هذه القضية قد أصبحت قضية رأي عام، وبأنه لم يعد بالإمكان التعامل معها بالمزيد من الصمت المريب. وعلى النيابة العامة أن تعلم ـ  إذا ما قررت مستقبلا أن تعيد فتح التحقيق، وأن تصدر حكما جديدا ـ  بأن ذلك لن يكون لوحده كافيا، وأنه قد أصبح من الضروري أن يصاحب ذلك الحكم مؤتمر صحفي يزيل اللبس عن الحكم الذي سيتم اتخاذه، وسواء كان ذلك الحكم ضد أسرة الضحية ، أي أنه يؤكد الانتحار، أو كان لصالحها أي أنه يقول بوجود مشتبه أو مشتبهين وراء جريمة قتل زيني.
ختاما
إن أسرة الضحية لها الحق ـ كل الحق ـ في المطالبة بإعادة فتح التحقيق في هذه القضية الشائكة، وإن من واجب كل الخيرين في هذه البلاد أن يقفوا مع هذه الأسرة إلى أن تأخذ العدالة مسارها الطبيعي في هذا الملف، وإنه على السلطة أن تعلم بأن هناك مخاطر جمة قد تترتب على التمادي في تجاهل أصوات المطالبين بإعادة فتح التحقيق في هذا الملف الحساس والبالغ التعقيد.
رحم الله الشاب زيني، وكامل التضامن مع أسرة الفقيد إلى أن تنال هذه الأسرة حقها من العدالة، كاملا غير منقوص.

15. يونيو 2016 - 1:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا