من المُتَقدمُ؟ ومن سَيَتقدَم؟ُ بعد الثقة المطلقة إذن / باب ولد سيد أحمد لعلي

لا زلتُ عند رأي الذي أنبه فيه إلى ضرورة التأمل في شخصية من يدير الشأن العام ومن يتحكم في كل شيء في هذا البلد الحبيب ، فمن مهمة الباحثين أن ينتبهوا إلى سلوك ـ أي سلوك ـ له تأثير قوي في الحياة الاجتماعية ويوجه آراء وتوجهات الأفراد في المجتمع ، وبالخروج عن ذلك الموضوع قليلا ، 

هناك شيء واضح مسكوت عنه رغم جفاءه ومرارة واقعه المظلم قبل أن أدخل في موضوع الموضوع ، ويمكن تجسيد ذلك الشيء المُحير لي في السؤال التالي ، لماذا يسيطر على الدولة منذ انقلاب 1978 وبعد سحب البساط من ولد السالك ومن بعده ولد بوسيف واغتياله أو موته في حادث غريب ، رجال شمال ؟ أعرف أن الحجة كانت تتجسد في كونهم هم أصحاب التوازن الاجتماعي في المجتمع ، وأعرف أنه منذ تلك الفترة نشأت حساسيات كبيرة بين الشعوب الشرقية للبلاد ومن يسكن في غربها ، ولا أستبعد أن يكون كل ذلك مصطنع في دول يركز أمنها على خلخلة الشعوب وإثارة الخلاق بينهم من أجل السيطرة عليهم وإحكام القبضة عليهم وسوقهم لكل شيء يساهم في تجسيد وتثبيت السلطة ...
ما أزلتُ كما أسلفت عند رأي السابق ، لم أرى تغيرا جذريا للدولة أو في الدولة بعد انقلاب 2005 ، ولا يعني ذلك أني أنكر كل ما تحقق بعيدا عن أي تحيز وعن أي تموقع سياسي ، فكيف نقول أو نؤمن بتغير أونتخيله في الوقت الذي يُحكم القبضة علينا رجال السابق وثقته ، لكن ما يستحق التأمل والوقوف عليه لحظة هو ارتباط الشخص الأول في الانقلاب الجنرال "محمد ولد عبد العزيز" وانسجامه مع رجاله وثقته ممن اختار أو ممن كسبوا ثقته بعد صعوده ورئاسته للدولة ...
لقد استطاع الرجل في الفترة الانتقالية التي قادها مدير الأمن السابق أعل ولد محمد فال من ترتيب أموره وبناء حزب أو جيش من الشخصيات المستقلة بصمت ورشحهم مستقلين في الوقت الذي دفع بآخرين إلى أحزاب المعارضة من أجل أن يضمن نجاح شيء كان حينها في نفسه ، قبل أن يتجسد واقعا بعد عزل سيد ولد الشيخ عبد الله ...
فرغم أن أعل هو من قُدم على أنه الرئيس بعد نجاح الانقلاب إلى أنه ظلت هناك شائعات تخفتُ وتعلو من حين لآخر تقول أنه مدفوع للرئاسة وليس فاعلا في الانقلاب ، وكان يحاول هو تفاديه بحكمة قائلا أن الانقلاب قام بجهود جماعية ، طبعا لقد قام بجهود لم تتعدى قائد كتيبة الأمن الرئاسي التي تحمل أقوى سلاح في الجيش ورفقه ولد الغزواني ، وانتهى عهد أعل واللعبة في الوراء محكمة ، وصرح ولد عبد العزيز وقال كلمة الفصل في سنة لاحقة من التجاذبات السياسية الكبيرة (حملة 2009)...
الملفت للانتباه كما أشرت هو الثقة التي تربط ولد عبد العزيز برجاله واستمرار العلاقة بينهم قوية سنوات مع ما في النفوذ والسلطة من طبائع شرسة تتمثل في الغل والخيانة والتخوين والتوجس والخيفة ...
فمن أبرز من استقطب في زمن حكم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية رئيس الحزب الحاكم الحالي والنائب السابق والمحامي البارز والحذِق سيد محمد ولد محم الذي سلم لائحة حجب الثقة من الرئيس سيدي أيام تفاقم الأزمة بينه وبين الجنرالات المتحكمين ، لقد عمل الرجل في تلك الفترة وظهر كمؤيد قوي للنظام الجديد ، في وقت كاد البلد أن يدخل فيه أزمة على كافة المستويات عندما عُزل الرئيس المنتخب ، في تلك الفترة عين الرئيس المنقلب والذي لم يجد غير نفسه هذه المرة ليقدمه للحكم ، الدكتور مولاي ولد محمد الأقظف ، وهو رجل لا يشكك أحد في ذكاءه ودهاءه بالإضافة إلى صديقه القديم والذي خطط معه وشاركه في كل تلك المحاور ، ولد الغزواني ، فعلى خلاف كل القادة الانقلابيين السابقون بدءا بولد السالك مرورا بولد بوسيف الذي لوى ذراع ولد السالك وتركه في بوتقة القيادة أو الرئاسة الشرفية دون تصرف وتحكم هو في الأمور كوزير أول، وبولد هيدالة الذي فعل نفس الفعلة مع ولد بوسيف وصولا لولد الطايع ، لم يكن لدى هؤلاء رجال يثقون فيهم كما يثق ولد عبد العزيز بأصحابه ، ففي الوقت الذي كلف فيه ولد هيدالة ولد بنيجارة برئاسة الوزراء حفر ولد الطايع وبالخصوص في قضية موقف موريتانيا من الصحراء ورجاحة موقف الحياد الذي أقنع به هو وبعض من رجال اللجنة العسكرية للخلاص الوطني الزعيم الليبي الذي زار موريتانيا بداية الثمانينيات من أجل السعي إلى ضم الصحراء إلى موريتانيا وهو خيار كان يدعمه الوزير الأول ولد بنيجاره ، وقد انتهى الأمر بتبني قرار الحياد الكامل من قضية الصحراء وإلقاء القبض على ولد بنيجارة والقيام بحملة عزل واعتقال واسعة لم تنتهي إلى بعد انقلاب الوزير الأول الثاني لولد هيدالة وقائد أركانه عليه ، بعد أربع سنوات من حكمه ،فلماذا لم تحدث أية إجراءات مماثلة في نظام ولد عبد العزيز؟ أم أن الأمر مختلف؟ الطبيعة كذلك مختلفة؟.
من يتابع الشأن العام يتفاجأ بخلاف حاد يصل إلى مرحلة الحقد في بعض الأحيان والحقد بين الفاعلين والنافذين لحكم ولد عبد العزيز ، لقد اختار ولد عبد العزيز يحيى ولد حدمين كرئيس للوزراء خلفا لرجاه الذكي الصامت الذي يُحظى بمكانة كبيرة ومحترمة في نفوس خصوم الرجل ومناوئيه السياسيين ، مع أن يحيى ليس بالمؤثر ولا تشير التوقعات بأهليته للاستمرار في منصب حساس كهذا أحرى أن يتصدر لما هو أكبر منه ، ولم يقدر الرجل فيما يبدو على إبعاد ولد محمد الأقظف فعينه قريبا جدا وإن لم يكن ذلك القرب بمستوى المكانة السابقة والتي باتت في يده غريمه ولد حدمين، واختار ولد محم لرئاسة حزبه الذي أحسس ولذي يعتبر أكبر مؤسسة حزبية في البلد حاليا ، وكان اختياره ثمرة نضال مشترك وولاء وثقة بين الرجلين تأسست بعد انقلاب 2005 ، في الوقت الذي لا يزال يحتفظ بصديقه القديم والأهم ولد "الغزواني"
طبعا نستثني من ذلك الخلاف الفريق ولد الغزواني الذي له مكانة خاصة ولا بد للإشارة إلا أن ولد الغزواني رغم محوريته في كل تلك المراحل ورغم وزنه الخارجي وما يحظى به من مكانة واحترام وعلاقات واسعة في الخارج لم يسعى فيما يبدو إلى خلق ولاءات سياسية خاصة به ولم ينزل إلى تجنيد فضاءه القبلي من أجل أن يضمن تبعيته له ، وهذا يشير على أن الرجل ليست لديه نية سيئة في صديقه، لكن إلى متى ستظل العلاقة بينهم على ما هي عليه ؟ تاريخيا لم يتعاون أفراد في صنع مجد إلى واختلفوا إلى حد القتل عندما يبلغ الأمر الذي اجتمعوا عليه غايته ...
خلافات الأخوة المدنين البارزين في حكم الرجل لا تتعدى صالح ولد عبد العزيز كلها منهما يريد أن يرضي ولد عبد العزيز بطريقته على حساب الآخر ، ليكون السؤال المطروح والذي يستحق من المحللين والباحثين التأويل والتفسير ، من هو الرجل الذي سيستلم الأمور بعد ولد عبد العزيز ؟ إذا ما قرر عدم الترشح ...
هل سيحال ولد الغزواني إلى التقاعد ويُرشح ويأخذ دور قد يكون راغبا فيه في السر لكن ولائه لخليله يمنعه من البوح به ؟ أم أن الذي قادة ثورة النواب على رئيس منتخب سيكون هو المُقدم الجديد للرئاسة عام 2019 ؟ أم أنه ستطبق علينا القاعدة الغربية ، والتي تفيد بخصوصية الديمقراطية في مجتمعاتنا لتخدم مصالح الغرب.

20. يونيو 2016 - 11:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا