في موروث حكاياتنا الشعبية هناك حيوان بري، ضعيف البنية، يسعى للاستحواذ على حصيلة الحيوانات الأخرى من الفرائس، دون أن تكون لديه الحيلة أو القوة التي تخوله تجسيد هذا الطموح، الذي يغذيه الطمع، وتعوزه الوسيلة..!
تستدعي الذاكرة هذه الحكاية وهي تراقب الهجمة الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها موريتانيا من قبل "الصحافة"
المغربية هذه الأيام، لا لشيئ سوى أن القائمين على الشأن الإعلامي والسياسي في جارتنا الشمالية فوجئوا بأن موريتانيا أخذت مسارا جديدا غير مألوف لدى جيرانها الأقربين، الذين ألفوها تابعا، غير متبوع، مفعولا به، غير فاعل، على مدى نصف قرن كامل، كان خلاله وزير الخارجية الموريتاني يتقفى آثار زملائه في المغرب والجزائر وتونس والسينغال..إلخ يجلس في مؤخرة الصف، ويكتفي بالاستماع ورفع اليد كلما أومأ إليه أحدهم بذالك..
حاولت الصحافة المغربية المقربة من الدوائر الأمنية أن تجعل من تعزية الشعب الموريتاني للصحراويين في وفاة رئيسهم سببا للنيل من تاريخ وحاضر البلد، واختلقت من قضية "موريتل" قميص ابن يعقوب وجاءت عليه بدم كذب، ذارفة دموع النفاق والغدر في ضحى من نهار..
لن ندخل في تبريرات قرار "مرتنة"الوظائف لا في موريتل أو تازيازت فكلا الشركتين وقعت عقدا مكتوبا ينص على أحقية الموريتانيين في الوظائف باستثناء منصبي المدير العام والمدير المالي بالنسبة للأولى، والوظائف الفنية التي لا يمكن للموريتانيين تقلدها بالنسبة للثانية.. إذن ليس في الأمر ما يوجب كل هذه الحملة المسعورة.
وليس من المصادفة أن تتعاظم هذه الحملة أياما قليلة قبل افتتاح مطار نواكشوط الدولي، واقتراب انعقاد القمة العربية الأولى في موريتانيا، وبعد سنوات قليلة من قيادة نواكشوط للاتحاد الإفريقي، وحضورها المتعاظم في المشهدين الإقليمي والدولي، وذالك، طبعا مما لايروق لحكام الرباط..
يأخذ الإعلام المغربي على موريتانيا أنها أصبحت شيئا مذكورا، وبات لها صوتها ووزنها في المنطقة، وذالك مما لا يروق للمغاربة الذين يعانون من عقدة قديمة اسمها موريتانيا، شعبا وأرضا وتاريخا وحاضرا، ويسعون – على طريقة الحيوان الآنف الذكر- لأن تقدَّم موريتانيا بحصيلة مكاسبها في جرد سنوي لإنجازات العرش "العلوي"..
ليست قضية الصحراء قضية ثنائية بين موريتانيا والمغرب، هي قضية دولية تخص المغرب والمجتمع الدولي، وسبق لانواكشوط ان اتخذت قرارا بالوقوف على مسافة واحدة من الطرفين، وهي كغيرها من دول العالم تدعم الرؤية الأممية التي عطلها المغرب أكثر من مرة، لكن ذالك أمر يخص المغاربة ومجلس الأمن وليس لموريتانيا فيه من دور.
صحيح أن نواكشوط تدافع عن مصالحها الخاصة، وليس من الإنصاف مطالبتها بتغليب مصالح سكان الرباط على أولويات سكان "الترحيل" و"عين بنتلي" فالوطن أولى من غيره، حتى وإن كان جارا جنبا تربطنا به أواصر الدين والدم والتاريخ المشترك.
أما نحن فسنظل نكن للشعب المغربي كل التقدير، فهو جزء منا ونحن جزء منه، فما قربه الله لا يمكن ان يبتعد، وما وصلته الطبيعة لا يمكن أن ينفصل، لكننا مع ذالك سنظل متلبسين بـ"جرم" الوطنية، والغيرة على هذه الأرض ومن عليها من شيوخ ركع، واطفال رضع، وبهائم رتع، لقناعتنا الراسخة أن تلك هي رسالتنا الطبيعية، وذالك هو دورنا الذي وجدنا من أجله، ولأجله انتخبنا الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي وكلناه أمرنا في يوم مشهود، دفاعا عن مبادئ عنها لا نحيد، وذودا على حياض وطن ما لنا غيره.. ومن لم يعجبه طرح كهذا فليشرب من ماء المتوسط أو يتسلق أسوار مدينتي سبتة وامليله المحتلتين..