الله تعالى هو أكرم الأكرمين ونعمه علينا وعلى خلقه كلهم لا تعد ولا تحصى: ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها))، ((وما بكم من نعمة فمن الله)). وأعظم نعم الله علينا نعمة الإسلام: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)).
ومن صميم الإسلام ومن أعظم أركانه صيام شهر رمضان المبارك:
((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم: (( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)).
والله تعالى وهو الحكيم الخبير فضل أياما على أيام وأزمنة على أزمنة ورمضان المعظم من أفضل الأزمنة التي تضاعف فيها الحسنات وتفتح فيها أبواب الخيرات: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين))، فعلينا أن نشمر عن ساعد الجد والعمل حتى نربح أرباحا عظيمة أرفعها العتق من النار في هذا الشهر المبارك: ((وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)).
ولكي نربح هذه الأجور العظيمة ومن أجل أن نظفر بفوائد الصيام الجليلة، علينا أن نصبغ حياتنا في رمضان بالصبغة التالية: ((صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)):
_ رمضان شهر الصيام: فأعظم منافع رمضان أنه شهر الصيام: ((وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون))، وفي الحديث الصحيح: (( الصيام جنة))، فما أكثر فوائد الصوم الروحية والصحية والاجتماعية، مع الأجر العظيم عند الله تعالى: ((الصيام لي وأنا أجزي به))، ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)).
_ رمضان شهر القرآن: وهذه هي أشرف صفة وأعظم خاصية لهذا الشهر: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان))، فالقرآن هو شريعتنا وهو دستورنا وهو شفاؤنا وهدايتنا مع صحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام: ((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)).
فيجب أن نكثر من تلاوة القرآن خاصة في رمضان لأنه شهر نزول القرآن ونبينا عليه الصلاة والسلام كان يتلو القرآن دائما وخصوصا في رمضان: ((ورتل القرآن ترتيلا))، وفي الحديث الصحيح: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)).
_رمضان شهر القيام: من خصائص رمضان أنه شهر القيام والتهجد وكثرة الركوع والسجود لله رب العالمين: (( تتجافى جنوبهم عن المضاجع))، (( يبيتون لربهم سجدا وقياما))، وفي الحديث الصحيح: ((.... وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))، وفي الحديث الصحيح أيضا: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))، وفي الحديث الصحيح: ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). ما أعظم هذا الربح في الحسنات وما أحوجنا إلى المغفرة والتوبة فنحن بنو آدم خطاؤون مذنبون مقصرون وخيرنا وأفضلنا من يكثر من التوبة والاستغفار والرجوع إلى الحق: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) جعلنا الله وإياكم منهم.
_رمضان شهر الصدقة والإحسان: كما أن الصيام باب من أبواب الجنة فإن الصدقة أيضا باب من أبواب الفردوس وهي ترفع البلاء وتشفي من الأمراض وتمحو الذنوب: ((والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))، ونبينا عليه الصلاة والسلام وهو قدوتنا كان أكرم الناس وأجودهم وأحسنهم أخلاقا وخصوصا في رمضان حيث يضاعف عليه الصلاة والسلام جوده وكرمه حتى يصبح أجود بالخير من الريح المرسلة، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
والصدقة والإحسان من أعظم أخلاق الإسلام التي تعزز وتوطد التكافل الاجتماعي وتشيع المودة والرحمة بين المسلمين: ((إنما المومنون إخوة))، وفي الحديث الصحيح: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وما أحوجنا الآن إلى تعزيز الوحدة الاجتماعية التي تحدق بها الأخطار ولا يصدها ولا يدفعها إلا التمسك بأخلاق الإسلام وأخلاق رمضان خاصة.
_ رمضان شهر الدعاء: والدعاء هو العبادة وهو سلاح المؤمنين الأساسي: ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم))، وفي ثنايا آيات الصيام قال سبحانه: (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون))، فمن أراد أن يستجيب الله دعاءه _ولا غنى لنا عن فضل الله_ عليه أن يستجيب هو لشريعة الله امتثالا واجتنابا وفق هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وما أحوجنا دائما للدعاء لأنفسنا ولأهلنا ولأمتنا كلها والتي تحاك ضدها المؤامرات وتحارب في دينها ووحدتها ليلا ونهارا: ((ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)).
إن هذه إلا قبسات من نفحات وبركات رمضان الذي هو شهر التزود بالتقوى والربح العظيم في الحسنات والفوز بالمغفرة والتوبة من أرحم الراحمين وخير الغافرين ربنا سبحانه وتعالى.
والخاسر حقا من فرط في رمضان وفاتته خيراته وبركاته.
أما عبادة الله تعالى والعمل بشريعته فهو واجب في كل شهر وفي كل وقت: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)). وفقنا الله وإياكم.