رمضان وجمعية المرأة مشروعية التلاوة وفقهيات العمل وشروط الدعوة ؟/ محمد المختار دية الشنقيطي

في موسمها الرمضاني هذا العام وفي محاضرتها في دار الشباب القديمة سمعت من بعض الطيبين الملتزمين بعض الاعتراضات الفقهية والتساؤلات العلمية وجه لي بعضها عن  مدى مشروعية ممارسة بعض تلك النشاطات على ذلك الشكل وبحضور جمع من الرجال، مع تذكيري بأنني في مقال سابق 

لي عن تواصل، قد أعطيت تزكية مطلقة للمرأة في سلك الدعوة وشرعنة لمثل تلك النشاطات، مع العلم أنني في مقالي ذاك استخدمت من للتبعيض ولم نقل صيغة من صيغ العموم، ولكني أجبتهم بداهة، وقطعاً للحوار والنقاش في ذلك الوقت: أن العمل للدين مطلوب من الجميع، وأن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وأمرنا رسوله بالا يغال فيه برفق.. وأوامره ونواهيه عامة لكل الناس لا خصوصية فيها لأحد، فالمشروع مأمور به كل الناس، والمحظور محظور على كل الناس؟ والله جل في علاه يقول:{ ولا تقولوا لما تصف ألسنكم الكذب هذا حلال وهذا حرم لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}..؟
والحق جل في علاه يقول وقوله الحق:{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وذلك الفوز العظيم}، ولقد اصطفى الله هذه الأمة بالدين الإسلامي الذي هو الدين المنتخب عند الله، يوم قدر أن يخلق، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، واصطفاها بالمنهج الوسط الذي هو التجسيد العملي لفهم الدين، وتطبيقه وتجسيده سلوكاً عملياً في ممارسات الناس العملية اليومية، والقرآن ينذر والرسول يحذر من الغلو والتطرف، والإفراط والتفريط، في القول والعمل، وفي الممارسة والتدين، باعتبار ذلك تشويهاً وتحريفا للدين، وتزويراً في الممارسة لحقائقه وأحكامه وإبراز قيمه.
والإسلام يفرض على دعاته وفقهائه وعلمائه أن يكونوا حراسا أمناء محامين عن حقائقه وعن أشكال فهمه وصور تطبيقه، وكما ورد في الأثر الذي يرويه البيهقي في سننه، أن النبي-صلى الله عليه وسلم قال:" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"، وهم بعملهم هذا وجهودهم تلك يحققون ويجسدون الأمر والهدي النبوي بتجديد الدين الوارد الأمر به في الحديث الصحيح عن النبي- صلى الله عليه وسلم-:" يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها".
وتجديد الدين هنا يعني فيما يعني نشر أصوله وأحكامه المنزلة في الوحيين(الكتاب والسنة) والسهر على صحة تطبيقهما وتنزيلهما في واقع الناس، ورعاية تجسيد حقائقهما وفقيهاتهما في سلوك الناس التعبدية والعملية، وهذا هو التجديد المقصود في الحديث الذي انتدب النبي المعصوم المعلم القائد والقدوة والأسوة الشفيع- صلى الله عليه وسلم- الربانيين من العلماء، والدعاة الهداة إلى المسارعة والتسابق والتنافس في تطبيقه، والاعتصام بمنهاج النبوة في تطبيقه والتشبث في جميع الأحوال والظروف بمعالمه، متمسكين علمًا وهداية وتحصينا، بالوحي، من هوى النفس وكيد الشيطان وقبليه وما يزينونه من الوقوع في مخططاتهم وحبا ئلهم وكيد الشيطان الضعيف، وخبث مغريات تخطيه،وتزويق وتضليل سلطان جما عات حزبه .
والقرآن شديد في التحذير من الوقوع في شراكه، والاستجابة لمخططات جنده وقبيله، أو سلوك وممارسات حزبه من إشاعة بريق الطمع أو ضغط الفزع في السلوك والممارسة، في طلب الرزق أو تزوير العلم، أو الوقوع في  الجهل والفسوق والظلم والجور ولو مع العدو والخصم، أو المحاباة في قبول الظلم والانحراف والبغي والمخالفات والفجور من الصديق والنصير.
ففي وحي السماء وميزان الإسلام: العدل هو أساس الدين، والإيمان في أقوال السلف الصالح ألحديثي عهد والقريبي صلة بزمان النبوة يقولون إنه: قول وعمل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وهو ألا يراك الله حيث نهاك وأن لا يفقدك حيث أمرك، وهو الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، والطهور شطر الإيمان.
والاستقامة في العلم والفهم والممارسة والسلوك هي مطلوب الله الأول من العبد في التعبيرعن السلوك والتدين في دروب الحياة كلها، قال تعالى:{ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا فيه}, وقال:{ وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءاً غدقاً}، وقال:{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
وقال:{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أ لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أو لياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم ومن أحسن قولاً من من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.
وهذا الاستمساك وتلك الاستقامة على أحكام الدين والانضباط بضوابط وقواعد وضوابط تطبيقه هي العمل المستوجب للفوز والفلاح والنجاح، والجالب لدفاع الله عن المؤمنين، في معاركهم مع خصوم الإسلام في هذه الدنيا، قال تعالى:{ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}، وقال:{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، فإذا جسدوا ذلك وتمثله سلوكاً وعملاً تأهلوا لنيل وعد الله:{ إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، وقال:{إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا}، وقال:{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحات سيجعل لهم الرحمن ودا فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا}..
والمقطوع به في وحي الله عز وجل أن التشدد في العمل للإسلام في الدين- ومع نهي الشارع الحكيم عنه- فإنه لا يأتي بخير، ولا يمكن لفقهه أن يخرج لنا الجيل المطلوب من الدعاة وخاصة من ذلك النوع  الرائع، الذي يمثل روافع للعمل للإسلامي وقواعد أساسية لتجسيده وتنزله في دنيا الناس، وأعني الفتيات المسلمات الحاملات للإسلام علماً وتطبيقاً وقناعة لا تقليدا، والقادرات على تقديمه وعرضه قولاً وسلوكاً وعملاً بحكمة وتوسط واعتدال، لا إفراط فيه ولا تفريط، وفتيات الحجاب في فرنسا في السنوات الماضية كن خير مثال، ولإن كان آخرون وأخريات من بعض الملتزمات المتدينات، قد يقعن وفي أثناء تأدية الشعائر التعبدية في  بعض مظاهر انحراف الغلو في العمل للإسلام في الشعائر والعبادات والذي نهى عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في حديث الثلاثة،
وعلى خطا فهم أولئك الثلاثة جاء من يقول في العمل بحديث النبي-صلى الله عليه وسلم- وبدافع التمسك بمظاهر التدين المغشوش من يقول:" لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين في الإحرام"، فلن: نتنقب وسنفتدي، وفي عملية غلو في التدين وتنطع في الالتزام وبؤس في الفقه، وهن في هذا المسلك من التدين يحسبن أنهن يحسن للدين صنعاً وللتدين خدمة وللدعوة سلوكاً، وما هو في الحقيقة إلا انحراف في التدين وسوء فهم في الالتزام، وكغيره من الأخطاء الكثيرة والتي منها كما قيل لتبرير عدم مشروعية ذلك النشاط كضعف الحياء ورفع الصوت ولين القول وملامسة الطيب، لا يقدح في شرعية ومشروعة وأحقية المرأة الملتزمة في العمل للإسلام في دروب الحياة جميعها وميادين الدعوة كلها؟!
وما من إنسان سوي يستطيع بعلمه وفقهه أن يفهم أن مثل تلك المسلك من الضعف والانكسار أو التشدد في التدين والتنطع في الفقه والخطل في سلوك ممارسة التدين يمكن أن يخرج للناس جيلاً من النساء العاملات الداعيات للائي بإمكانهن أن يقدمن للدعوة كل ما تتطلبه حياتهن الاجتماعية المشروعة، ويعدن إلينا سيرة القانتات الداعيات التائبات المعلمات المجاهدات من نماذج الرعيل الأول في العمل للإسلام، والذي يجسد عملهن في ميزان الفقه مشروعية لعمل المرأة في الدعوة في جميع الميادين ومختلف الأنشطة، في هذا الزمان،وفي غيره من الأزمنة من مثل ما قدمته رائدات العمل الإسلامي الأول من أمثال: أم شريك الأنصارية التي كانت تقري الضيفان، وامرأة أبي أسيد التي صنعت الطُعام للنبي- صلى الله عليه وسلم- ومن معه يوم دعاهم زوجها أبو أسيد يوم بنى بها، فكانت هي خادمهم وهي العروس، وأسماء بنت أبي بكر الصديق التي كانت تخدم الزبير زوجها: تعلف فرسه، وتكفيه مؤنته وتسوسه، وتنقل النوى على رأسها من أرض الزبير زوجها، وهي على مدى ثٌلٌثي فرسخ(أكثر من ثلاثة كيلو مترات) وتدقٌ النوى، والمرأة الأنصارية التي استقبلت النبي- صلى الله عليه وسلم-، وبسطت له  تحت النخل، ورشت الأرض حوله، وذبحت شاةُ، وصنعت له طعاماً، فأكل هو وأصحابه، وعائشة وأم سليم اللتان كانتا تحملان القرب وتسقيان القوم، والربيع بنت معوذ التي كانت تنفرٌ مع نساء من الأنصار، فيسقين القوم، ويخدمونهم، ويداويين الجرحى، ويحملن القتلى إلى المدينة، وفي حديث آخر: أنهن كن يعطين من الغنيمة، وأم عطية التي غزت معه- صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات، تخلفهم في رحالهم، تصنع لهم الطعام، وتداوي الجرحى، وتقوم على المرضى، وأم سليم أيضاً التي اتخذت يوم حنين خنجراً، فقال أبو طلحة: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر، فلما سألها- صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: اتٌخذته إذا دنا مني أحد من المشركين بقرتٌ بطنه ! فجعل- صلى الله عليه وسلم- يضحك!؟ .
وبعد عهد النبوة نجد نماذج أخرى من الرائدات من مثل: أسماء بنت يزيد الأنصارية التي قْتْلتُ يوم اليرموك سبعة من الروم بعمود فسطاطها، ومثلها نساء خالد بن الوليد، فقد رآهن عبد الله بن قٌرْط في غزوة الروم مشمرات يحملن الماء للمهاجرين، وسمراء بنت نهيك الصحابية رآها أبو بَلْج عليها درعٌ غليظ وخمار غليظٌ، بيدها سوطٌ، تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وما أدري والله الحكم والوصف الذي سيعطيه المنهزمون المتخاذلون اليوم لهذه النماذج والمواقف؟!!
وهذه أم رعلة القشيرية تفد على النبي  صلى الله عليه وسلم- وتقول:(يا رسول الله إني امرأة مقينة أقين النّساء وأزينهنّ لأزواجهن فهل هو حوب فأثبط عنه ؟ فقال لها : يا أم رعلة "قينيهينّ وزينيهنّ إذا كسدن"  .
وهذه زينب بنت معاوية وقيل ابنة معاوية الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه تستفتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصدقة، قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:" تصدّقن يا معشر النِّساء ولو من حليكن"، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حاجتي حاجتها قالت: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم  قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له ائت رسول، رسول لله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ؟ ولا تخبره من نحن، فدخل بلال على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسأله"أيّ الزيانب ؟" قال امرأة عبد الله. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ".
ولقد كانت المرأة حاضرة في العمل الإسلامي وبقوة في القرون الثلاثة الفاضلة حاضرة في ميدان التعليم والعمل بكل فروعه وتفاصيله بل وحتى في التجارة والجهاد والتخطيط والتدبير، فهذه السيدة أمنا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد-رضي الله عنها  زوج النبي -صلى الله عليه وسلم - من أكابر تجار مكة بل وقد تاجر لها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قبل زواجه منها، كما أنّ المرأة شاركت في ميادين الحياة العديدة كالصناعة والزراعة وتعدى الأمر ذلك كله إلى أن شاركت في الجهاد العسكري إلى جانب الرجال.
وكانت في الميدان عالمة، ومدرسة مفتية محدثة، تتلمذ على يديها كبار الصحابة، والأئمة، والمحدثين، وكبار العلماء، وفطاحلهم، ولا وجدوا حرجاً في سماع صوتها وتلاوتها من مثل: علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-الذي سمع من مولاة- رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ميمونة بنت سعد، و كذلك الإمام محمد بن شهاب الزهري، والإمام مالك، واحمد بن حنبل، والفراء، والسمعاني، وغيرهم كثير ممن تمتلئ بهم كتب التراجم والطبقات .
ولقد رحل إليهن الطلاب من أقطار الأرض الإسلامية كلها، وأخذت من الشيوخ وأخذوا عنها وطبعاً ضمن ضوابط الشرعية فهذه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها المعلمة الأولى للصحابة والتابعين فقد تتلمذ على يديها العديد بل والكثير من كبار الصحابة، وكذا أبناءهم ومن المشيخة يسألونها فتجيبهم ويستفتونها فتفتيهم، وقد كانت مرجعاً عند الاختلاف، وقد شهد لها أبو موسى الأشعري فقال:"ما أشكل علينا –أصحاب محمد-صلى الله عليه وسلم–أمراً فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها فيه علم ....
فهذا الحديث هو إشارة إلى أن المرأة لم تمنع من التعلم والتعليم والفتوى وغيرها  ولقد كان بيت النبوة المدرسة الأولى وزوجات النبي-صلى الله عليه وسلم هنّ أول المعلمات في الإسلام فقد كن يفتين ويعلمن الرجال بل كانت الصحابيات في ذلك الوقت يأتين لزوجات النبي لأخذ العلم فحملن لواءه، وبعد زوجات النبي عليه السلام، برز دور الصحابيات بصفة عامة في تعليم أبناء الصحابة وكبار التابعين ومن ثم  برز دور التابعيات، وتابع التابعيات وسرن في نفس المنوال الذي سار عليه أسلافهن من العالمات المفتيات الراويات المحدثات والمعلمات .
وقد برز دور المرأة في تلك القرون في تعليم أبناءهن وكذلك أقاربهن، فكانت النتيجة هي أن خرّجن العلماء والجهابذة، والأجيال الصالحة، فضلا على أنهن كن يشاركن الرجال في تحقيق المسائل العلمية بالمناظرة والمحاورة لمعرفة أحكام الدين، والوقوف على السنة.
وشاركن أيضا في تبليغ العلم، ورواية الحديث، وأدائه فضلا عن تحمله وطلبه، ويضرب المثل بعائلة ابن حجر العسقلاني ففيها الكثير من طالبات العلم فقلد تعلمن الحديث وقمن بتعليمه بل وتعد الأمر إلى أنهن يجزنّ في الرِّواية، وكذلك تطور الأمر من دور للمرأة في تعليم الرجال إلى دورها في الرواية، وأخذ الرجال عنهن في الرواية، وكان أكثر الآخذين عن المرأة الإمام البخاري، ويليه مسلم-رحمهما الله -وعلاوة على مشاركة المرأة في حضور المجالس ودورها في تعلم وتعليم الشريعة الإسلامية عامة، والسنة النبوية بصفة خاصة، فإنها تحملت مهمة الرواية، ولم تتهم منهن واحدة قط في الحديث من جهة الوضع والكذب، فكانت رواية تتحمل ثقل أمانة العلم، تروي عن الرسول عليه السلام مقولاته، وإقراراته، وكان علم الحديث قد أنبأ على سلسلة الرواة من حيث التحقيق في الأسانيد، وقد عجت كتب الحديث، والتراجم، بذكر الروايات للحديث النبوي الشريف، فكن من حاملات لواء العلم .
ولعل أهم ما يميز جهود المرأة بعد عصر التدوين هو عنايتها بكتب الحديث وأهمها صحيح البخاري، فلم يحظ كتاب بعد كتاب الله بالعناية ما حظيه كتاب صحيح البخاري ، وقد شاركت المرأة الرجل تلك العناية، ولم يخل عصر من وجود الروايات المسندات اللاتي سمعن صحيح البخاري وأسمعنه وروينه، ولم تقتصر المرأة على السماع بل قامت بتدريسه، ورواه عنها كبار الحفاظ .
لقد سمعت المرأة صحيح البخاري على المشايخ الكبار وأبرزهم المسندان الكبيران ابن الزبيدي والحجار، وخصوصا النساء اللواتي سمعن صحيح البخاري في دار الحديث الأشرفية عن المسندين بطرق السماع والإجازة، ومن هؤلاء النسوة فاطمة بنت عبد الهادي المقدسية (ت803هـ) وهي شيخة ابن حجر، وقد قرأ عليها العديد من الكتب والأجزاء.
ومن الأمثلة كذلك كريمة المروزية وهي أول امرأة درست صحيح الإمام البخاري وكانت من محدثات القرن الخامس الهجري، ومنهن كذلك فخر النساء شهدة بنت أحمد البغدادي، وهي أول امرأة استقدمت إلى مصر للتحديث بصحيح الإمام البخاري

أمهاتنا أمهات المؤمنين من الراويات:
1-عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما: وتعتبر من المكثرات في رواية الحديث روت عن النبي الله -صلى الله عليه وسلم –الكثير، روت عنها حمزة بنت عمرو الأسلمي وسعيد بن أبي وقاص وعمر بن الخطاب وأبيها أبي بكر الصديق وجذامة بنت وهب الأسدية وفاطمة الزهراء رضي الله عنهم جميعاً، وروى عنها جمع غفير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من العلماء أجلاء في علم الحديث دراية ورواية نذكر منهم على سبيل الإشارة إبراهيم بن يزيد التيمي، وإبراهيم بن يزيد النخعي وإسحاق بن طلحة بن عبيد الله والأسود بن يزيد النخعي والحسن البصري وحمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وخبيب بن عبد الله بن الزبير بن العوام وأبو زياد خيار بن سلمة الشامي وذكوان أبو عمرو مولى عائشة ومحمد بن سيرين وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين وابن أخيها عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن فروخ مولى عائشة وابن أختها عبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن العباس وابن أبي مليكة وأبو سعيد كثير بن عبيد الكوفي رضيع عائشة وكريب مولى ابن عباس ونافع بن عطاء ونافع مولى ابن عمر، أم ذرَّة المدنية مولاة عائشة وأم سالم بنت مالك الرّاسية وأمُّ علقمة وأم محمد امرأة زيد بن عبد الله بن جدعان .
2- حفصة بنت عمر رضي الله عنها : ( الصوامة القوامة ) : تميزت حفصة بالذكاء فكانت فقيهة ، عالمة ، ورعة ، راوية ، للأحاديث ، كيف لا ، وهي ابنة الفاروق عمر ، وشقيقة الصحابي الجليل راوي الأحاديث عبد الله بن عمر وفي مسند بقي بن مخلد لها ستون حديثاً اتفق الشيخان على أربعة أحاديث منها وانفرد مسلم بستة أحاديث، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيها عمر بن الخطاب  وروى لها الجماعة ، كما روى عنها أخوها عبد الله بن عمر وصفية بنت أبي عبيد ، وعبد الله بن صفوان ، والحارث بن ربيعة عند مسلم الأمر الذي جعل لها مرويات كثيرة، في أبواب الطلاق و الرضاع والصيام والاعتكاف والجنائز... وغيرها .
3- ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها : آخر أمهات المؤمنين روى لها عن النبي –صلى الله عليه وسلم-ست وأربعون حديثاً ، وروى عنها جمع من الصحابة منهم ابن أختها عبد الله بن عباس ومولاها سليمان بن يسار وابن أخيها عبد الرحمن بن السائب الهلالي وابن أختها يزيد بن الصم، والعالية بنت السبيع و مولاتها ندية ويقال : بدية . وكانت من سادت النساء كما أورد ذلك الزهري روي لها في الصحيحين سبعة أحاديث أنفرد لها البخاري بخمسة وجميع ما روي لها ثلاثة عشر حديثا  في كتاب الوضوء وكتاب الغسل  والصلاة  والصوم   وكتاب  الذبائح والصيد .
4- أم حبيبة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- روت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وعن زينب بنت جحش، روى عنها ذكوان أبو صالح السمان وأخوها عنبسة بن أبي سفيان وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن الزبير ومولاها بن الجراح، ومحمد بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي وزينب بنت أم سلمة وصفية بنت شيبة، ولها في البخاري تسعة أحاديث وفي مسلم ستة أحاديث في كتاب الحيض والطلاق والمناقب، وقال اذهبي : مسندها خمس وستون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين لها وانفرد مسلم بحديثين . بنت عم الرسول عليه الصلاة والسلام ليس من أزواجه من هي أقرب إليه نسبا منها ولا في نسائه من هي أكثر صداقا منها ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها.
5- أم سلمة : هند بنت أمية رضي الله عنها: كانت  توصف بالعقل والدين، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقدر رأيها ويأخذ به أحيانا، روت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - وعن أبي سلمة بن عبد الأسد ، وفاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وروى عنها جمعا غفير من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين منهم أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، والأسود بن يزيد النخعي، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن عباس، وعروة بن الزبير، وتملك الخارفية، وجسر بنت دجاجة، وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأم حكيم، وصفية بنت شيبة العبدرية، وصفية بنت أبي عبيد الثقفية، ومجموع ماروتها ثمانية وخمسون حديثا منها سبع و ثلاثون في البخاري وواحد  وعشرون حديثا في مسلم، مروياتها جمعت بين الحكم والتفسير والأدب والأدعية والفتن  والصلاة والصدقة والحج والجنائز.
6- سودة بنت زمعة-رضي الله عنها : صاحبة الهجرتين، روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث وروى عنها عدد من الصحابة وكبار التابعين فهي من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإحدى زوجاته، روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - خمسة أحاديث منها في الصحيحين حديث واحد عند البخاري روى عنها ابن عباس ويحي بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد وابن سعد بن زرارة الأنصاري وروى لها الترمذي وأبو داود والنسائي .
7- زينب بنت جحش رضي الله عنها-أم الحكم- قالت عنها عائشة رضي الله عنها ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب، أتقى لله، واصدق حديثا، و أوصل رحما، وأعظم صدقة رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنها القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق مرسلا وكلثوم بن المطلق الخز اعي، وابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش وأم المؤمنين أم حبيبة، وزينب بنت أبي سلمة .وقد روت رضي الله عنها أحاديث كثيرة في  باب الطلاق والحج والمناقب والفتن، مرويا تها- رضي الله عنها -تسعة أحاديث في البخاري وخمسة في مسلم .
8- صفية بنت حيي- رضي الله عنها : مناقبها كثيرة كانت فاضلة عاقلة حليمة روت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -وروى عنها إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأملاها كناية ومسلم بن صفوان، ومولاها يزيد بن معتب وابن أخيها ولها في البخاري حديث واحد وفي مسلم حديثان، وقد روت في كتاب الأدب، وروى لها الجماعة .
9- جويرية بنت الحارث- رضي الله عنها- ومن مناقبها أنها أعظم أمرآة بركة على قومها وكانت عالمة وحافظة للأحاديث روت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وروى عنها جماعة من الصحابة وكبار التابعين وأتباع التابعين كعبد الله بن شداد، وعبد الله بن عباس، ومجاهد بن جبير وأبو أيوب، والطفيل، ولها في البخاري سبعة أحاديث وحديثان عند مسلم وهي التي روت حديث صباح يوم الجمة، وقد ذكر لها  في كتاب أسد الغابة حديث .اخبرنا إبراهيم بن محمد بن جعفر حدثنا شعبه عن محمد بن عبد الرحمن قال : سمعت كريب يحدث عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث أن النبي - صلى الله عليه وسلم -مر عليها وهي في مسجدها ثم مر عليها قريبا من نصف النهار فقال لها : مازلت على حالك، قالت: نعم، قال: ألا أعلمك كلمات تقوليها :سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته.
هذه هي المسوغات والمستندات والحجج الشرعية على مشروعية تلك الممارسات والنشاطات التي تقوم بها المرأة اليوم وأمس وغدا، في سبيل تبليغ الدين ونشر قيمه بين العالمين، وقد قال الله جل وعلى:{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} والبلاغ يشمل استخدام كل وسيلة بلاغ كانت بالفعل أو القول، ما دامت مباحة في أصلها وطبيعتها، ولن تخلو أي ممارسات بشرية من بعض الخلل والقصور، بل وحتى بعض الأخطاء والانحرافات، فالمهم ألا يقع التعمد والإصرار على الخلل أو الخطأ، وكون الأفعال البشرية يجري عليها ذلك، فذلك  من حكمة الله ومراده في خلقه، حتى يتحقق صفحه وعفوه، وقد ورد في بعض الأثر: أن العباد لو لم يعصوا ربهم لذهب بهم وأتى بآخرين يعصونه فيستغفرونه فيغفر لهم ؟.
 

23. يونيو 2016 - 17:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا