إذا كان توفير الخدمات الأساسية للمواطنين في الداخل، وضبط الأمن، وإيجاد فرص الشغل للشباب، وتعزيز الحريات الفردية، والجماعية للمواطنين، أهدافا تسعى الحكومة الموريتانية لتكريسها واقعا ملموسا، فإن الحكومة تخوض في الخارج حربا صامتة، لا تقل أهمية في تأثيرها عن حربها ضد الفقر،
والجهل، والمرض في الداخل، حرب الخارج هذه دبلوماسية بامتياز، يتم التنافس فيها مع دول من مختلف قارات العالم، ومع شخصيات دولية لها كفاءتها، وإمكاناتها المادية، كل ذلك من أجل حجز مقعد هنا، أو منصب هناك ضمن المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث قلب العالم النابض، ومطبخ صنع قراره، والتأثير فيه.
على مدى عقود عديدة ظل الوجود الموريتاني في المحافل الدولية، وخاصة المنظمات الدولية خجولا، ليس لأن الشعب الموريتاني لا يستحق أفضل من ذلك، بل لغياب رؤية، وإرادة سياسيتين ناجعتين في هذا المجال، فمن بين عشرات اللجان، والمنظمات التابعة للأمم المتحدة لم تكن موريتانيا ممثلة في أي من هذه اللجان، والمنظمات، ومع ذلك كانت بلادنا معنية بتلك القرارات، والتقارير، التي تتم صياغتها أحيانا من جانب واحد، إذ كان يصدق على بلدنا قو الشاعر:
ويُـقضى الأمر حين تغيب " تـَيمٌ " *** ولا يُستأذنون وهم شهود
اليوم – وخلال أشهر قليلة- نجحت موريتانيا في حصد مقاعد في اللجان، والمنظمات الدولية التالية:
حيث تم انتخاب ممثل موريتانيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير محمد الأمين ولد الحيسن،نائبا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13 يونيو 2016، كما تم انتخاب الوزيرة السابقة عيشه فال فرجس، عضوا في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التمييز ضد النساء يوم 21 من نفس الشهر، وانتخب قبل أمس الحقوقي البارز با مريم كويتا، عضوا في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، هذا فضلا عن وصول الموظف الدولي السامي السيد إبراهيما تياو، للدور النهائي ضد مرشح واحد من أصل 16 مترشحا لمنصب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
للعلم فإن الحصول على هذه المناصب يتم عبر "الانتخاب" من طرف ممثلين لدول أخرى، ما يعني أن حملة واسعة، وجهودا مضنية بذلتها الحكومة الموريتانية لإقناع تلك الدول بالتصويت لممثل موريتانيا، ويعكس حصول البلاد على هذه المكاسب الدبلوماسية العالمية مكانة، واحتراما باتت موريتانيا تحظى به في المشهد الدولي، وشهادة تزكية لأداء الحكومة على المستوى الدبلوماسي، لأن مثل هذه المناصب يتم انتزاعها بعد منافسة شرسة من دول العالم.
وإذا أضيف هذا لترؤس موريتانيا للاتحاد الإفريقي على مدى سنة كاملة، وترؤسها للقمة العربية، خلال أسابيع، بعد استضافتها لأول مرة منذ الاستقلال، فضلا عن ترؤس الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز للعديد من الوساطات الإفريقية الناجحة، واختيار انواكشوط لتكون مقرا دائما للجنة الأمم المتحدة المكلفة بالتنسيق مع دول الساحل، واستضافة العاصمة الموريتانية خلال السنتين الماضيتين للعديد من القمم، أبرزها قمة رؤساء دول السور الأخضر الكبير، ودول الساحل، كل هذه إنجازات ملموسة على المستوى الدبلوماسي، لا تمكن المزايدة عليها، وليس بالإمكان القفز عليها، أو إنكارها.
إن أهمية هذه الإنجازات الدبلوماسية تكمن في كونها مكتسبات للشعب، والدولة الموريتانيين، وليست فقط مكسبا للنظام الموريتاني الحالي، فحتى لو غادر النظام الحالي السلطة، فستبقى هذه المناصب، والإنجازات الدولية في رصيد موريتانيا كبلد، هؤلاء الأشخاص يتم انتخابهم باسم موريتانيا، وليس باسم النظام، أو الحكومة الحاكمة حينها.
المفارقة الغريبة المحيرة، هي أن بعضا من معارضتنا السياسية تفتش في صحف العالم، ووسائل إعلامه، لعلها تعثر على خبر هنا، أو تقرير هناك ينتقد موريتانيا، فتقتنصه، وتستشهد به على الخراب، والفشل الذي يتخبط فيهما البلد، حسب زعمها، وفي المقابل تتجاهل معارضتنا انتخاب ممثلي الشعب الموريتاني في مناصب دولية هامة، تحسدنا عليها بقية دول العالم، فالمعارضة لم تصدر أي بيان، ولا تصريح، ولا حتى تدوينة على فيسبوك تهنئ فيها الشعب الموريتاني على هذه المكتسبات الدولية، في مفارقة غريبة حقا!!.
فرؤية علم موريتانيا يرفرف في المحافل الدولية، ومشاهدة بلدنا، وهو يشق طريقه بثبات بين الأمم، أمر كان حريا بالمعارضة تثمينه، وتهنئة الشعب عليه، أم أن المعارضة لا تريد إلا أن تكون "نذير شؤم" للشعب، تعده بالخراب، والفقر، والانهيار، ولا تريد أن تزف إليه بشائر النصر، القادمة من عاصمة العالم نيويرك، بعد جهود مضنية من الحكومة الموريتانيا، فوراء كل إنجاز سياسة، ووراء كل سياسة نظام، ووراء كل نظام رجال يخططون، وينفذون، فينجحون.