على الرغم من التحسن الذي طرأ على أسعار خام الحديد مؤخرا، حيث سجلت ارتفاعا طفيفا لتستقر في حدود 53 دولارا للطن الذي يحتوي على نسبة 62 % من الخام، و45 دولارا للطن الذي يحتوي على نسبة 58 %من الخام، إلا أن بعض المحللين الدوليين يتوقع أن لا يكون تراجع الأسعار إلى ما دون 50 دولارا بداية
الشهر الجاري نهاية مطاف سلسلة انخفاضاتها .
حيث توقعت مجموعة جولدمان ساكس (Goldman Sachs) ، أن يصل خام الحديد إلى حدود 38 دولاراً للطن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذه السنة، وذلك نتيجة لارتفاع الفائض من خام الحديد في ظل تباطؤ إنتاج الصين من الصلب و اتجاه عام للمنتجين لزيادة المعروض من المادة الخام.
وكذلك توقعت المصرفية الأميركية سيتي غروب (Citigroup Inc )، انخفاض الأسعار إلى 48 دولارا في الربع الثالث من السنة الجارية، و46 دولارا في الربع الأخير، كما أبقت الباب مفتوحا أمام تراجع الأسعار إلى ما دون 30 دولارا مستقبلا خاصة في ظل تراجع الطلب على الصلب في الصين (اكبر مستهلك و منتج في العالم)، واستمرار تراجع نفقات شركات التعدين.
ويتفق مع الرأي السالف الذكر السيد Claudio Alves مدير المبيعات والتسويق لشركة فالي (Vale) البرازيلية الذي أبدى مخاوفه من حالة التذبذبات السعرية خلال النصف الأول من السنة الجارية ، حيث كانت الأسعار قبل شهر في حدود 70 دولارا، و38 دولارا قبل ثلاثة أشهر مما يحتم الاستعداد لمرحلة قادمة أكثر صعوبة حسب قوله .
وتوقعت ( Sino steel Futures Co.Ltd)، أن تستمر أسعار خام الحديد في الانخفاض على المدى القصير متأثرة بتخطي المخزون حاجز 100 مليون طن، مع التزايد المستمر في كمية الشحنات المستوردة، وذلك رغم محدودية الطلب، خاصة في جنوب الصين ظرا لحلول موسم الأمطار الذي يتميز بانخفاض نشاط البناء.
ويضيف السيد Wu zhili مُحَلّل (China Shenhua) "أنه في بداية السنة الجارية كان بإمكاننا التنبؤ بمستقبل الأسعار والسوق ، لكن الارتفاع المفاجئ لأسعار الخام خلال مارس المنصرم جعلنا نغير من توقعاتنا ،ففي ظل الزيادة في العرض والنقص في الطلب قد تتراجع الأسعار إلى أدنى مستوى لها مع نهاية العام الجاري".
من الواضح أن القاسم المشترك بين هذه التوقعات العالمية هو أن تتجه أسعار خام الحديد نحو المزيد من الهبوط خلال النصف الثاني من 2016 م، لكن واقع مؤشرات السوق خاصة الصينية تشير إلى واقع للسوق قد يضرب عرض الحائط بكل التوقعات أعلاه التي تتحدث عن حدوث تراجع كبير في الأسعار، مما جعلنا نتوقع أن تتميز تحركات الأسعار خلال النصف الثاني من 2016 بتذبذبات ضيقة اتجاهها إلى الأعلى على المدى القصير مع احتمال تراجعات طفيفة وذلك للأسباب التالية.
السبب الأول-: تسريع عملية تنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة قطاع الطلب الصيني
جاءت تصريحات السيد Xu shaoshi ، رئيس اللجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة تيانجين يوم الأحد الماضي عن دمج عملاقي صناعة الصلب الصينية Bao steel وWuhan steel معلنة بذلك عن ميلاد ثاني أكبر منتج للصلب في العالم (بعد شركة آرسيلورـ ميتال) بقدرة إنتاج تقدر بحوالي 60 مليون طن للسنة، وكذلك إعلانه عن خفض الصين لطاقتها الإنتاجية من الصلب خلال السنة الجارية با45 مليون طن، في ظل تعزيز سياسة معالجة التخمة المعروض من الصلب المتراكم من 2008 عن طريق التصدير خارج الصين واستعماله في مشاريع البنية التحتية الضخمة التابعة لمشاريع إحياء طريق الحرير البري والبحري، هذا بالإضافة إلى الإعلان عن دخول الإصلاح الضريبي الذي يستهدف الضريبة على المواد الأولية حيز التنفيذ بداية يوليو القادم.
كل هذه السياسات التي تستهدف تسريع وتيرة إعادة هيكلة قطاع الطلب الصيني من شأنها أن تعزز الثقة بسوق الصلب الصيني، ومن المتوقع أن تقدم دفعة قوية لتشجيع تحسن أسعار الحديد على المدى القصير على أقل تقدير.
السبب الثاني-: استمرار سياسة تحفيز نمو الاقتصاد الصيني
وذلك عن طريق الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية ومجال العقارات المستهلكين للحديد
و حسب البيانات المعلنة بالنسبة إلى الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية، فقد بلغ حجم الاستثمارات في المجال العقارات حوالي3456.4 مليار اليوان محققة نسبة نمو 7%مع توقع زيادة هذه النسبة في النصف الثاني من السنة الجارية .
السبب الثالث- : نقص المخزون الصيني من حديد التسليح
أشارت إحصائيات Mysteel خلال الأسبوع الجاري إلى بلوغ المخزون الصيني من خام الحديد على مستوى الموانئ إلى حوالي 103.33مليون طن، وعلى الرغم من حفاظ المخزون على مستوى عالي (فوق 100 مليون طن)، إلا أن المخزون الصيني من حديد التسليح، وصفائح الحديد المجلفن شهد تراجعا كبيرا، حيث سجلت بيانات الجرد لعدد 35 مخزن على مستوى الأسواق الكبرى للصلب داخل الصين إلى وجود 3.892 مليون طن فقط من حديد التسليح، بانخفاض قدره 37.88٪ عن نفس الفترة من العام الماضي. هذا بالإضافة إلى انخفاض قدره 30.23 % للمخزون الاحتياطي لمادة الصلب والحديد الصيني .
السبب الرابع-: مؤشرات بزيادة الاستيراد والإنتاج خلال شهر مايو
حيث أظهرت بيانات الجمارك الصينية أن واردات الصين من خام الحديد خلال مايو المنصرم بلغت حوالي 86.75 مليون طن، بزيادة قدرها 22.4 % مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.
وقد بلغ مجموع الشحنات المستوردة خلال الخمسة الأشهر الأولى من السنة الجارية حوالي 412.15 مليون طن بزيادة قدرها 9.1% مقارنة بالعام الماضي .هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أظهرت دراسة أجريت على 163 مصنع للصلب أن نسبة تشغيل الأفران العالية فيها تصل إلى 79.42 % ، مما يعني أنه قد تكسر الصين حاجز استيراد واحد المليار طن بحلول نهاية هذا العام إذا حافظت على هذه الوتيرة المرتفعة لاستيراد المادة الخام والإنتاج.
السبب الخامس : تداعيات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
تعتبر صادرات الصين من منتجات الصلب إلى بريطانيا قليلة جدا وقد بلغت سنة 2015 حوالي 807700 طن، وتمثل 0.72٪ من إجمالي صادرات الصلب الصيني خلال نفس السنة.
و انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الرغم من تأثيره السلبي على أسعار المواد الأولية بسبب ارتفاع الدولار مقابل الجنيه الاسترليني وهبوط الأسهم بفعل الصدمة، إلا أن هذا الخروج قد يكون إيجابيا من ناحية أخرى،حيث من المتوقع أن يدفع بريطانيا للبحث عن شريك جديد قوي، وقد تجد في الاقتصاد الصيني ضالتها وهوما قد يعزز التبادل التجاري الصيني البريطاني مما قد يوقف التهديدات الأخيرة بإغلاق مصانع الصلب البريطانية لوفرة المعروض من الصلب الصيني، ويخفف من تداعيات العقوبات والحظر على منتجات الصلب الصيني الذي هدد الاتحاد الأوروبي بفرضه على الصين في المستقبل القريب خلال مؤتمره الأخير المنعقد في بروكسل 22 من الشهر الجاري.
إن اسمرار هبوط الأسعار بهذه الصورة أضر كثيرا بمصالح المنتجين، حيث لجأت معظم الشركات العالمية إلى تقليص نفقاتها، والبعض لجأ إلى بيع الأصول، وقد ذكرت تقارير صحفية أن شركة فالي البرازيلية تعقد الآن محادثات مع شركات تعدين آسيوية لبيع محتمل لحصة في أصول برازيلية لخام الحديد بحوالي 7 مليارات دولار.
و أي نظرة تحليلية على العوامل التي تتحكم في آليات السوق التي هي أساس تحديد الأسعار تجعلنا أمام بضعة مؤشرات تخالف التوقعات العالمية، و تطرح علامات استفهام حول اتجاه الأسعار خلال النصف الثاني من السنة الجارية، وذلك في ظل حالة الركود التي تسود الوضع الاقتصادي العالمي والتي قد تتفاقم بفعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانكماش الاقتصادات الناشئة المستهلكة للصلب، واتساع الفجوة بين العرض والطلب المرتقبة بسبب الفارق الزمني بين التغيرات في العرض والتغيرات في الطلب الموسمية، والزيادة الكبيرة في إنتاج الصلب في الصين خلال مايو المنصرم والتي إذا استمرت بهذه الوتيرة قد تنسف سياسة خفض الإنتاج التي تبنتها الصين مؤخرا، هذا بالإضافة إلى رفع الفائدة المرتقبة في يوليو المقبل لتقوية الدولار الأمريكي، كل هذه العوامل قد تفسر هبوط الأسعار المتوقع عالميا، لكن في المقابل تجدد الثقة في السوق الصيني، وتحسن سوق العقارات والبنية التحتية، والسعي الجاد للحكومة للتغلب على مشكلة التخمة من خلال تسريع عملية إعادة هيكلة قطاع الصلب كلها أيضا عوامل قد تشكل دعما قويا لتحسين وضع السوق ولو مؤقتا وتجعل من زيادة الأسعار أمر غير مستبعد.
وللحصول على إجابة شافية للسؤال هل ستتراجع الأسعار إلى مادون ال 40 دولارا، أم أنها سوف تشهد انعكاساً إلى الأعلى خلال الأشهر الستة القادمة؟ وحدها السوق الصيني يمكنها الإجابة على هذا السؤال، وبين هذا وذاك وحسب توقعاتنا قد يكون تحسن الأسعار على المدى القريب، وتذبذبها الطفيف في ما بعد السمة المميزة للنصف الثاني من السنة الجارية، مع أنه في حالة فرض أمريكا لرسوم عقابية على واردات منتجات الصلب الصينية المقاوم للصدأ، وتنفيذ الاتحاد الأوروبي، ودول آسيان تهديداتهم بفرض عقوبات ضد منتجات الصلب الصيني قد تنقلب توقعاتنا عن الأسعار رأسا على عقب.