للإصلاح كلمة : تتعلق بالإنفاق في سبيل الله في شهر رمضان المبارك (ح3) / محمدو ولد البار

كلمة الإصلاح مازالت تحاول أن تستخرج للمسلمين من داخل هذه المعجزة الكبرى (القرآن) بعض ما أورده المولى عز وجل من الخير الكثير والجزاء الوفير على هذا النوع من فعل الخير ألا وهو الإنفاق على الفقراء والمساكين ، ولا سيما القربى من هذه الأوصاف .
فكما قدمنا فإن الله خص هذا النوع 

من فعل الخير بعبارات عامة لا يطلقها إلا في هذا النوع من فعـل الخير يقول تعالى (( الذين ينـفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عـند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) هـكذا الإنفاق على هؤلاء الفقراء والمساكين مطلوب في كل وقت في الليل والنهار وفي أي حالة في السـر والعـلانية إلا أن هذا النوع الأخير من الإنفاق وهو السر والعلانية عـبر عنه في آية أخرى تعـبـيرا خاصا به أيضا يقول تعالى(( إن تبدوا الصدقات فنعما هي)): وهنا نقـف عند كلمة ( نعما هي ) لنـقول أنه من المعروف أن نعم هي أبلغ وأعظم كلمة تمدح العرب بها الفعـل العظيم عندها كما قال تعالى في صبر أيوب (( إنا وجدناه صابرا نعـم العـبد إنه أواب )) إلا أن بعض فعـل الإنفاق ممدوح بأنه خيـر من الإنفاق الممدوح ب(نعـم) ألا وهو الإنفاق في السر بمعنى أنه أعطت يده اليمنى عطاءا لم تعـلم به يده اليسرى كما فسر النبي صلى الله عليه وسلم صدقـة السـر يقول تعالى (( إن تبدوا الصدقات فنعـما هي وإن تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنـكم من سيئاتـكم والله بما تعملون خبيرا )) ،كما أنه من خصوصيات الإنفاق في سبيل الله أنه قرن بأعظم سبـب لدخول الجنة يمدح به المولى عز وجـل أهل الجنة ويذكر أنه سبـب دخولهم الجنة ألا وهو الاستـغـفار في السحـر يقول تعالى:(( إن المتـقين في جنات وعيـون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبـل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستـغـفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم )) .
ويقول في آية أخرى في نفس الفعل ومقارنة لإنفاق بالاستـغـفار في السحر بل هذه المرة جاء الإنفاق موصوفا به قبـل الاستـغـفار في السحر يقول تعالى في وصف المتـقين (( الصابرين والصادقين والقانـتـين والمنـفـقين والمستـغـفرين بالأسحار)) ،كما أن القرآن لم يشـنع على أي أحد في تركه فعـل الخير وأي طاعة أخرى مثـل تـشـنيعه على تارك الإنفاق في سبـيل الله أي البخيـل بماله على الفقراء والمساكين يقول تعالى (( ولا يحسبن الذين يـبـخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير)) ويقول في آية أخرى(( ومن يبخل فإنما يـبـخل على نفسه والله الغـني وأنـتـم الفـقـراء)) ، ومن جهة أخرى فإن الإسلام كما رغب في الإنفاق في سبيل الله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حثـه على الإنفاق أن أجره كبـير ويستـوي في ذلك كثـيره  وقـليله بل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اتـقوا النار ولو بـشق تـمرة بمعنى من يرد أن لا تصبه النار فليتـصدق ولو بنصف تمرة وفي حديث آخر يأمر احدى أزواجه أنها إذا أرادت أن تطبخ أكلها فـلتـكثر الماء ليـكثر المرق فتـتـصدق منه على جيرانها .
أما الحدث الأعظم فهو دفاع الصدقة عن صاحبها يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف دفاع الصدقة المستميت عن صاحبها أنها تـتـصدى للبلاء النازل من السماء يقصد صاحبها فتـتعرض له ووتـعتـلج معه بمعنى تـتـصارع الصدقة مع البلاء قبل أن يصل إلى صاحبه فتصرعه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ولا شك أن الباقي خير من الفاني بمعنى أنك كلما قـللت الأكل لتـتـصدق أكثر فإنك بذلك تـكون فضـلت الادخار للأكل في الآخرة الباقية عن الأكـل في الدنيا الفــانية .
ومن المعلوم أن أكـثــر هذا الترغـيب وارد في الإنفاق التطوعي أما في الإنفاق الواجب وهو الزكاة فإنها قـرنت بالصلاة اقـتـرانا لا انفـكاك معه عن أدائهما معا وإلا فلا إيمان بـل إنها تارة يأتي ذكر العـذاب على تـرك الزكاة دون تـرك الصلاة يقول تعالى (( وويـل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافـرون )) ،ومن أمثـلة اقـتـرانهما  ما مدح به المولى عز وجل نبـيه إسماعيل  عليه وعلى نـبـينا أزكى الصلاة والتسليم يقول تعالى (( وأذكر في الكتاب إسماعـيل إنه كان صادق الوعـد وكان رسولا نبيئا وكان يأمر أهلـه بالصلاة والزكاة وكان عـند ربه مرضيا )) ولأجـل اقـتران وجوبهما في الإسلام قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه : والله لأ قاتـلن من فـرق بين الصلاة والزكاة حتى يعطوني أي عـقال كانوا يعـطونه الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا نعـود لنحدد للمسلم بعد ما سمع هذا الترغيب في الإنفاق في سبـيل الله أي سمعه في الآيات وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم : لنحدد للمسلم أن هذا الإنفاق عـلى من؟ فعـندئذ نقول أولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح أنه لا تزال قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع وعـد منها المال فيم أنـفقه ومن أين اكـتـسبه ؟ فعـلينا أن نـتـساءل هل المولى عز وجل حدد أناسا بأوصافهم الكاشفة هم الذين أمر الله أن يعطي لهم هذا المال ؟ فالإجابة هنا واضحة وهي نعم فقد حدد هؤلاء بأوصاف كاشفة خاصة بهم يقول تعالى: (( يسألونك ماذا ينـفقون قـل ما أنـفقتم من خير فللوالدين والأقـربـين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تـفعـلوا من خير فإن الله به عليم )) بمعنى عليم بإيصال هذا الخير لمن أمرتـكم أن يصل إليه منكم ، ويقول في آية أخرى (( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبـيل )) ،وهنا يمكن لمسلم أن يسأل هل الأولياء والصالحون ممن أمر الله المسلم أن يعطيهم ماله رجاء أن يرى ثوابه في الآخرة ، فالجواب هنا لا يمكن أن تحصل عليه  إلا من القرآن أو السنة فالقرآن قادر أن يقول إنما الصدقات للفقراء والمساكين والأولياء والصالحين ولكن تـلك الأوصاف لم تذكر في القرآن من باب إعطاء المال ولكنهم ذكروا بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة (كذلك) لا تـبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ، وأمر بالصبر معهم في العبادة يقول تعالى (( وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي))الخ الآية ،ولكن الشيطان بما أنه عدو للإنسان لا يتركه يسلك بأي عبادة له الصراط المستقيم ، ففي الصلاة عندما يحرم يأتيه ويقول له أذكر كذا وكذا وفي المال عندما يريد أن يعطيه طلبا للأجر يقول له أعط لفلان الولي الصالح كذا وكذا وتارة يكون هذا العطاء لغير مستحقه كبيرا إما سيارة وإما قطع أرض ثمينة وإما ملايـين نـقدا فبما أن الشيطان هو الموجه إليه فلا يوسوس له في هذا العطاء ، أما من أمر الله بإعطائهم في قوله تعالى (( وآتى ذا القربى حقه والمسكين وابن السبـيل )) فدون ذلك وساوس كثيرة للشياطين ، ولاشك أن من أقرض قرضا يريد إرجاعه في وقت هو أحوج ما يكون إليه إلا أنه لا يمكن أن يطلبه إلا لمن أقرضه له فالله طلب هذا القرض ووعد بإضعافه لصاحبه ولكن أمره أن يعطيه للقربى واليتامى والمساكين ولذا مدح الله أولئـك الذين جعلوا في أموالهم دائما حقا معلوما للسائل والمحروم ، وهنا يقول الله تعالى( أفمن وعدناه حسنا فهو لا قيه كمن متعـناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين)) والإنسان حتى ولو كان وليا أو صالحا ليس عنده في الآخرة إلا ما أعطاه الله تـفضلا منه مثـل إعطائه للمنفق في سبـيل الله  مباشرة .
وفي آخر هذه الحلقات الرمضانية على فضل الإنفاق في سبـيل الله نخـتم بكتابة هذه الآية لنذكر بها المسلمين ليتدبروا معناها لأنها نزلت في تـنبـيه المسلمين في التحري بعلاقة المسلم بالأولياء والصالحين عند أهل الدنيا ساعة الإنفاق في سبيل الله ، يقول تعالى (( يأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبـيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم )) الخ .
ومعلوم أن الأحبار هم العباد من اليهود والرهبان هم العباد من النصارى والمخاطب هنا هم المؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كمخاطبتهم في آية الوضوء في قوله تعالى (( يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ))الخ الآية .
فمخاطبة اليهود والنصارى في القرآن تكون بالذين أوتوا الكتاب يقول تعالى: (( يأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم )) .           
فأرجوا من المسلمين أن ينـتبهوا لهذه الآية وتفسيرها ولاسيما ساعة الإنفاق في سبيل الله ولينـتبهوا هنا للآية التي أوردناها في قضية الإنفاق  وما فسرت به وهي قوله تعالى : (( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعـناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحـترقت كذلك يـبـين الله لكم آياته لعلـكم تـتـفكرون )) .

29. يونيو 2016 - 14:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا