انهزام الشباب بحجة قرب المهدي وفتن آخر الزمان / محمد افَلج

تمهيد: *يقول المثل الموريتاني ما معناه: "من لم يقدر علي الدنيا ظن أن الآخرة أتت"
في الوقت الذي احتاج فيه المسلمون لأن يبذلوا الجهد، ويديموا العمل بجد وكد، ويقتحموا تلاطم الأمواج، ويستسيغوا الأجاج، ويلجُّوا في الطَّرق، حتي يلجُوا الطُّرق، ويجعلوا مكان اليأس الأمل، والكسل العمل، صرت تجد البعض

 - للأسف، ومن الشباب - وبحجة كثرة الفتن وتأخر الزمان، وقتامة الواقع وغموض المستقبل؛ يتخلى عن هموم أمته ويجعلها علي عاتق مهدي منتظر عند البعض فيه نظر، أو علي عاتق عيسي بن مريم.
يتحججون بالفتن وأنها علامة آخر الزمان، لم لا تقتحموها حتي تنفرج؟ يقولون لا يمكن اقتحامها فهذه فتنة ليس لها انفراج إلا بعيسي ومجيئه، وهذا آخر الزمان....... ما الذي دفعكم للقول بذلك؟ ألم يعاني المسلمون فتنا أكثر في عددها وأشد في أحداثها من فتننا التي نعيشها؟ ألم يخرج الخوارج علي الأئمة والأمراء؟ ألم يتقاتل المسلمون فيما بينهم؟ ألم يقتل آل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي علت الأرض من دمائهم؟ فتنة القرامطة ما تقولون عنها؟!!! الكعبة هدمت بأمر من الحجاج وحرقت بالمنجنيق أين ذاك مما نشهده؟ !!! بغداد هدمها التتار وقتل علماءها وخرب محصول عدة قرون من التراث، والأندلس انقسم فيها المسلمون، وتقاتلوا، وآل أمرهم إلي محاكم التفتيش.....  والخلافة العثمانية أزيلت بعد أن بلغت ما بلغت، كل هذه فتن كقطع اليل المظلم لم تدفع أسلافنا للانهزام  والقول بمنكر من القول، بل اندفعوا فيها وطرقوا كل الأبواب، وسلكوا كل السبل، حتي وجدوا منها المخرج.
وما لا يعلمه الكثيرون ـ ممن يختفون خلف التحجج بتأخر الزمان وبالفتن وقرب مجيء المهدي وابن مريم بدليل تلك الفتن ـ هو أن كل هذه الفتن السابقة إذا قارناها بما نشهده الآن بعد النظر بعين الاعتبار للبون الشاسع بين زماننا ذاك وزماننا هذا، وقوتنا تلك وقوتنا هذه، وعددنا آنذاك وعددنا الحين وجدنا أنها  متقاربة من حيث خوف المسلمين فيها منها، ومن حيث الخسارة البشرية والمادية. فلم لا يختفي أسلافنا خلف ما اختفينا خلفه؟ وقد يقول قائل إن أسلافنا كانوا في القرون الأولي وكان الأمر متداركا، أو أنهم كانوا كذا....... وذاك  بهتان، فنبينا الذي بعث إلينا هو نبي آخر الزمان "وآخر الزمان" تعني أن جميع أمة هذا النبي بسلفها وخلفها داخلة فيها، فجميع الاحتمالات المطروحة للخلف كانت مطروحة للسلف.
والسلف رغم كل تلك الخطوب وتنوعها وتفاوتها لم يحدث أن قال أحد منهم  بالتقاعس عن العمل لحلها بل انبروا لها وظهر فيها معدنهم النفيس، - وهل  تظهر معادن الرجال إلا في الفتن؟ - فعلي قاتل الخوارج، وابن تيمية قاتل التتار........ وبذلك حافظ المسلمون علي قوتهم التي تجابه كل قوة ولا تجابَه، إنها القوة النفسية، وقوة النظرة الإيجابية للحياة التي تقتضي أن تزرع حتي ولو كان إيجاد الثمر استحال، تلك القوة التي زرعها رسولنا صلي الله عليه وسلم بقوله: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها)
أما الخلف فلاهم بالجبن الصريح تذرعوا، وإنما هموا أن يجعلوا الفرار يوم الزحف من صميم الدين، مستدلين علي ذلك بأدلة مفندة أصلا وفندت أعلاه.
وطالما أن الفتن التي عاشها السلف مثل أو أشد من التي نعيشها ـ نحن الخلف ـ وطالما الحجج التي نتحجج نحن بها، كان بالإمكان قولهم بها ولم يقولوا؛ فإن المسألة إذا تعني أننا اخترنا سفها واختاروا رشدا، وعملنا خطئا، وعملوا صوابا، وعلينا الاقتداء بهم فيما اختاروا، والتأسي بهم فيما عملوا، فتلك النجاة...! فتلك النجاة...!

11. يوليو 2016 - 9:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا