أحداث الأربعاء الأخيرة من رمضان وقذارة الممارسات والفساد الإداري والإفطار السياسي؟..
يتساءل المرء في بلادي بلاد السيبة والمنكب البرزخي، وبلاد الفترة، وصحراء الملثمين، كيف تسير الأمور داخل الإدارة وفي أروقة السياسة في ظل الحكم العسكري دكتاتومدني، في بلادي المنكوبة، وهل حقا
جميع الممارسات السياسية في ظل للعبة العسكرية القذرة يفترض فيها مع المواطن استخدام جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة ؟
وهل حقاً يصح ويمكن في بلادي بلاد السيبة، والمنكب البرزخي، وبلاد الفترة، أو تصح ممارسة سياسة حقوقية عادلة نظيفة، وكيف يفكر مثقفو القبيلة من الإداريين والعسكريين السياسيين من قادة الرأي عندنا، ولماذا يخادعون ويكذبون دوماً على نفوسهم وعلى مواطنيهم؟
يحكى أن الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطائع بعد وفاة زوجته السابقة المرحومة صادية اعتكف في منزل أخيه الزاوي عدة أيام، ثم خرج من معتكفه واجتمع بأعضاء لجنته العسكرية المحكومة والحاكمة وقال لهم: أنا الحاكم بكم وأنتم الحاكمون، وأنا لم تعد لي الرغبة في الرئاسة فانظروا لأحدكم لتنصبوه رئيساً، فقالوا جميعهم لا نقبل إلا أنت؟ إلا صاحب وحي الداخلية جبريل ولد عبد الله فلم يتكلم فقال الرئيس معاوية لخاصته إن جبريل إذاً هو الذي يطلب الرئاسة، مطبقا لقاعدة استئذان البكر في الزواج : السكوت قبول، وعلى حساب القاعدة الأصولية: لا ينسب لساكت قول؟!
بعض مشاهد المسرحية القذرة، أو الامتحان السياسي الماكر تتكرر بعض مشاهده وعروضه اليوم مع الأغلبية الحاكمة، وبعد وفاة المرحوم نجل الرئيس أحمد ولد عبد العزيز صاحب هيئة الرحمة، وقد تم تمثيل بعض تلك المشاهد في الإفطار الرئاسي الذي دعا له الرئيس محمد ولد عبد العزيز الشيوخ وأعضاء الحكومة ممن كانوا على جفاء وخلاف و طمع وهلع وفزع نتيجة للبحث عن من سيكون الخليفة المفضل والمقبول عند المؤسسة القبلية العسكرية للترشح لرئاسة الحزب والدولة، بعد ما نسب من تصريحات الإكراه والضغط على الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأنه لا يرغب في تعديل الدستور ولا يعتزم الترشح لمأمورية ثالثة، وقد نسوا وهم المالكية بزعم القاعدة الفقهية"ليس على مكره طلاق"، وقد بين لهم الرئيس وبأسلوبه ولغته العسكرية:"البيان بالعمل " أنه فعلياً وعملياً مع الشيوخ وأعضاء الحكومة ماض في تطبيق المبدأ الشرعي والقاعدة الفقهية"من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه منه؟"، فكانت كل مفردات وجمل كلام الرئيس في ذلك الإفطار، تبكية وتهديد ضمني لكل الطامعين والمتطلعين للزعامة والرئاسة من الشيوخ وأعضاء الحكومة الذين كانوا في سباق وصراع على تركته وهو حي يرزق،"والقتل مانع من الإرث"، وبان أن الكل طامع في الرئاسة والزعامة وليس جبريل عزيز سيدي محمد ولد محم وحده؟!
يظهر بجلاء وفي كل مناسبة أن كل كتل السياسيين الحاكمة للشأن العام في بلدي حقيقة وحكماً هم التجسيد العملي والفعلي للمدرسة الفلسفية والفكرية والنظرية المكافيلية التي ينتمون لها والتي تقول بأهمية وحتمية فصل الأخلاق أو الدين عن الممارسة السياسية، بل وعن الحياة العامة، وهي الفلسفة أو النظرية التي تعتبر اليوم المورد والمشرب لأهم القواعد والأسس النظرية العامة للممارسة السياسية في بلدي لكل السياسيين والمتصدرين لشأن العام في وقتنا الحالي ؟!
الكاتب الأميركي (روبرت غرين)، يقول وبعد قراءته لسير وتاريخ الحكام والملوك مستنتجاً إن السياسة هي عملية مجردة من أي قواعد أخلاقية أو دينية أو حتى إنسانية حاكمة، وهذا بالضبط هو ما يجسده سياسيونا، وجرى مع صانعي وضحايا أحداث الأربعاء الأخيرة من رمضان، وجرى مع كل الأحداث السابقة والمماثلة؟!
والكاتب الآكلوسكسوني"جرين"يا فلول القبليين ومتسكعي السياسة ينصح لراغبي السلطة والنفوذ في عملهم أن لا يسرقوا أو يستفيدوا أكثر من رئيسهم حتى ولو كانوا أفضل منه، وأن يستعينوا على تحقيق غاياتهم بإخفاء مقاصدهم، وأن يحذروا من الثقة في أصدقائهم، وأن يهتموا بأنفسهم لأن ثمنها حياتهم، وأن يلفتوا الانتباه إليهم بأي ثمن ؟
ولئن كان خطباء الأعياد والجمع في مساجدنا في تناولهم لتك الأحداث قد تواطئوا وتوافقوا وأجمعوا في فهمهم على أنه في السياسة الشرعية من الوسائل والقواعد ما يضمن تحقيق العدل ومحاربة الفساد، والغلو، والعنصرية، وإن كان منطقهم كله اتجه في تناولهم لتلك الأحداث إلى القول بأن الفساد والظلم في جوهرهما يتمثلان بالدرجة الأولى في نظرهم في محاولة الأخذ على يد الحاكم الظالم وأطره إلى الحق أطرا وباعتبار أن ذلك في نظرهم هو أكبر مظهر من المظاهر التي يتجسد فيها الظلم والفساد والعنصرية والبغي في وعيهم الفقهي والمنهج الأخلاقي في حسهم السياسي المدخول ؟!
وتاريخ السياسة والسياسيين عندنا وفي أيام مواسم الانتخابات وما بعدها، وفي ظل هيمنة العسكري دكتاتومدني يجعل المواطن العادي وحتى غير العادي يتساءل يسأل نفسه ويسأله واقعه قائلا له: هل رأيت وتعرفت يوماً عندنا على شخصية ذلك السياسي الديماغوجي الذي يلهث وراءه ضحاياه من المواطنين، ويطارده طائره، وفي الوقت الذي يمثل فيه أبشع صور الدكتاتور الذي لا ضمير له، والذي يقضي الكثير من وقته وخطبه في الحديث عن التغير والإصلاح ومحاربة الفساد وبسط العدالة، وبناء مؤسسات الدولة واستعادة حقوق الناس، بينما ممارسته تمثل في حقيقتها ومظهرها، خليط من الكذب والفساد والابتزاز الرذيلة والمكر السياسي، ومحاربة القيم والفضيلة؟!
والسياسية عند أستاذ العصر وقدوة فلول السياسة عندنا الكاتب الشهير ميكافللي هي، أن القيم والأخلاق يبغي أن تتنحى جانباً من أي ممارسة سياسية لصالح الأهداف، وعليه فالسياسة ليست مهمتها تغير الواقع ولكن التكيف معه والاستفادة منه، والسياسة في المكافلية القائدة والمسيطرة تتلخص في عنوانين رئيسيين، هما:
1- في الأمور ينبغي النظر للغاية وليس للوسيلة .
2- من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك .
وعليه فالفضيلة ليست إلا مجموعة الخيارات التي يحتاجها الرئيس للتعامل مع القدر، أي الأحداث الخارجية، وبالتالي فالفضيلة هي خليط من الطاقة والذكاء والقدرة على استغلال الفرص وليست قيماً ناجزة ومطلقة ؟.
وفيها ينصح الرئيس أن يحافظ على العالم الذي يعيش فيه على ما هو عليه، وألا يسعى إلى تغيره، وأن يدرك أن مهمته هي أن يحصل على أفضل النتائج مع هؤلاء الرجال، من دون أن يعمل على تثقيفهم أو تنويرهم أو تغيرهم ؟
يحكي أن رئيس وزراء الهند"جوهر لال نهرو" قام بزيارة لمكتب الجنرال"ثيمانا" رئيس أركان الجيش، فرأى في مكتبه خزانة من الصلب فبادر بسؤاله عن محتوياتها، فأجاب الجنرال بأن الدرج العلوي يتضمن خطط الدفاع في البلاد، بينما يحتوى الدرج الثاني على الملفات السرية حول كبار الجنرالات في البلاد، فبادر هو متسائلا: ما ذا عن الدرج الثالث ؟ فرد الجنرال ضاحكاً: هذا الدرج يحتوى على خططي السرية للقيام بانقلاب عسكري ضدك؟!.
وهذا مع خلاف في المضمون هو بالضبط ما حصل من بعض المدعوين من الأغلبية الداعمة لإفطار الإداري ألتبكيتي مع الرئيس عزيز، وقالوا جميعهم إن كل الخلافات بينهم إنما كانت خطط للانقلاب أو قسمة التركة والتي كانوا يحسبونها من نوع تركة الكلالة؟!
أما أحداث الأربعاء الفاضحة والخطيرة لما كشفته من ضياع للحقوق وامتهان لكرامة الإنسان، والغياب الكارثي والخطير لهبة الدولة ومفهوم المؤسسات ، ومسح التراب بتشكيلاتها الأمنية والإدارية، والذي تقول الأجهزة الإدارية والأمنية للجثة الدولة، وتصدقها في ذلك القرائن والوقائع والسياقات أن وراء تلك الأحداث المشينة والخطرة تخطيط وتدبير وتنسيق من أفراد ينتمون إلى تشكيل هو من صنع خطط الدفاع التي في الدرج الثاني، فسياسة الرئيس وأجهزة حكمه هي من صنعت تلك الحركة لتضرب بها من تراهم خصوماً لها أو على الأقل من لا يرون من زعماء حركة الحر أنهم أداة طيعة في يدها، فانقلب السحر على الساحر، فصار الدواء أخطر وأشد ألماً وأذية من المرض؟!
وأما أحداث الأربعاء الفاضحة السيئة الأداء والإخراج فلعلها هي من جنس أول ما يخرج من تركة الميت القمة العربية، والتي ماتت من سنين، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- للفاروق عمر- رضي الله عنه- عند ما كان يخاطب قادة الموتى من أهل القليب:" ما أنتم باسمع منهم ولكن لا يجيبون"، ولا يتوقع من القمة العربية المنعقدة في نواكشوط كغيرها من كل القمم العربية، أكثر من ما يتوقع من الأموات، أن يزعم ذاك الذي يدعي الصلاح، أنه رأى منهم فلان وقال له، ويدعي ذاك الدجال أنه رأى منهم وسمع ما لم يسمعوه في الحياة؟!
أما الباحثون عند الرئيس عن النصرة من أهل الخلاف من الأغلبية الداعمة، فكان نصيبهم من الدعم والمساندة هو نصيب، قاضي الحيوانات"السنجاب"، أن يقتلوه ويملئوا له جلده من الذهب، وأما الباحثون عن الحكامة والحوار والتداول السلمي على السلطة،فإن الرئيس يقول لهم: إن الحكمة تقول: أن الوقت لا يصلى قبل وقته، فهم في العمل والسياسة مبتلون في صفوفهم بمن هو دائما له القدرة السياسية والأمنية على تعكير صف السياسة والانسجام، وتحويل الجميل والحميد من الفعال والقول السياسي، إلى شر مستطير من الأفعال التي تهدد الأوطان، وكل عام والوطن يبحث عن التنمية والأمان، والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟!