قال تعالى في محكم كتابه " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا " وقال " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " صدق الله العظيم
وقال افضل الخلق عليه الصلاة و السلام " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً "
من المؤكد ان الملك فاروق عندما قرر دعوة سوريا وشرق الأردن، والسعودية، واليمن، والعراق، ولبنان، صبيحة يوم مشرق من اواخر ايام مايو 1946، في قصر أنشاص، لِما عرف انذاك بأول قمة عربية في التاريخ، لم يكن على علم بأنه ستنظم بعد ذلك اليوم بسبعين عاما قمة عربية في بلاد شنقيط وستطلق عليها " قمة الأمل".
ولم يكن مقال السيد أنورعبد المجيد الجبرتي قبل عشرين سنة مضت في صحيفة الحياة و المعنون ب " التفكير بصوت مقروء - موريتانيا : الإستغماية ... والشطرنج " على قدر كبير من استقراء المستقبل عندما وصف موريتانيا انذاك بأنها :
" أمة عربية فقيرة، نسيها الزمن، ونسيها العرب، في أزمنة الجحود والاضطراب، والنسيان، وتفلسف عليها الحليف، والعضيد الفرنسي، فأسقطها من ثقوب مِنْخلِه، وهو يصفي علاقاته الإفريقية ويعيد ترتيب حساباته، ليخلي المواقع للقادم الاميركي الجديد، والعرَّاب الإسرائيلي، أو العكس، ولن نقول ان اسرائيل اختارت من الغنم "القاصية" ولن نقول كما قال البعض، ان اسرائيل تهاجم الحلقات الضعيفة في السلسلة العربية، أو أنها اختارت من الأعواد العربية أشدها وهناً وضعفاً." انتهى الاستشهاد.
انه لمن حشو الكلم وصف قرار موريتانيا احتضان القمة العربية المباركة في هذا الظرف العصيب والبالغ التعقيد بالقرار الشجاع ، وإعلانها التحدي بعد اسابيع قليلة علي رمال ارض المنارة والرباط تحت شعار " قمة الأمل " ، هذا الشعار الذي يلزمنا جميعا كعرب ان نستشرف من خلاله مستقبلا زاهرا لأمتنا العربية رغم المعاناة والألم الذي يئن تحت وطأته المواطن العربي اليوم ، ولاشك بان استشراف مستقبل افضل يحقق رغبات وطموحات أمتنا العربية والتمكن من نشر رسالتها الانسانية النبيلة ، سيدفع بنا نحو المزيد من التضامن و التعاون المشترك لمواجهة تحديات شتى والتغلب عليها.
ان لموريتانيا ان تفخر بأنها دأبت خلال السنوات القليلة الماضية اكثر من أي وقت مضى علي تكريس سياستها الخارجية للوقوف موقف النصير الدائم لكل قضايا اشقائها العرب ، بل وتعتبر قضاياهم قضاياها المحورية، وأنها حرصت دائما على ان تكون الداعم والمؤيد لجهود المواقف العربية تحت يافطة منظمة الجامعة العربية التزاما منها بمواثيق الشرف والانتماء، وخصوصا ما تعلق منها بقضية العرب المصيرية ، القضية الفلسطينية ، وليس قرار 6 مارس 2009 التاريخي و القاضي بطرد جميع موظفي السفارة الإسرائيلية في نواكشوط وإمهالهم 48 ساعة لمغادرة الاراضي الموريتانية منا ببعيد .
ان سياسة الانفتاح الدبلوماسي لموريتانيا يؤكد توجهاتها السلمية ويعبر عن ارادة واضحة في المشاركة الفعالة في ارساء الامن والسلم الدوليين وتنمية وتدعيم علاقات التعاون وحسن الجوار ، انفتاح اثبت فعاليته ونجاعته وشكل انتقال موريتانيا من صفة مراقب للأحداث الي مرحلة فاعل مؤثر في استتباب الامن و الاستقرار والدفع بعجلة النمو الاقتصادي لمحيطها العربي و الافريقي والدولي وكانت لها محطات مشرقة من العمل الدبلوماسي مع رئاسة الاتحاد الافريقي في العام 2014 حيث كان لموريتانيا الدور الكبير في رئاسة عدة قمم جمعت القارة الافريقية بشركائها في الخارج ( قمة اوروبا / افريقيا بابروكسل ابريل 2014 وقمة أمريكا / افريقيا بواشنطن اغسطس 2014 وقمة تركيا / افريقيا بمالابو نوفمبر 2014) كما كان لها الدور الفعال في انشاء مجموعة الدول الخمس في الساحل لمكافحة الارهاب فبراير 2014 و احتضانها العديد من القمم الدولية و المؤتمرات، وبرئاستها للاتحاد الافريقي حضرت قمة العشرين في استراليا نوفمبر 2014، هذا اضافة الي رعايتها الكثير من المصالحات و الاتفاقات التي ساهمت بشكل كبير بل وكانت السبب المباشر في حقن دماء الالاف من الابرياء الذين طالت بلدانهم الحروب و النزاعات المسلحة (ساحل العاج، ليبيا، مالي، غامبيا، وبوروندي....الخ)
ومما لا شك فيه ان الجهود المتميزة للعمل الدبلوماسي علي الصعيد الدولي والعربي مؤخرا، اثمرت نتائج طيبة في زمن قياسي سواء تعلق الامر بانتخاب شخصيات موريتانية لتبؤ مناصب عليا في هيئات دولية سامية كالأمم المتحدة وغيرها ، او في انتداب اخرى للإشراف على وساطات دولية تقتضي ادارة ملفات حساسة كما هو الحال في اليمن الشقيق وجمهورية وسط افريقيا،...نجاحات من بين اخرى جعلت الكثيرين يصفون المجال الدبلوماسي بأنه يعيش الآن اوج عصره الذهبي.
كما ان فخر ومؤازرة الاشقاء العرب سعي موريتانيا تنظيم القمة العربية السابعة والعشرين بانواكشوط يومي 25 و26 يوليو القادم، انما هو تتويج وتثمين لمكانتها المستحقة بفعل الحضور الدبلوماسي القوي ، ولدورها الرائد و المضطرد على جميع الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية.
ان رمزية الحدث وما يحمله من دلالات شكل مدعاة في حد ذاته لاتخاذ القيادة السياسية قرار الاخذ بزمام المبادرة وإعلان التحدي ، قرار رأى فيه الشعب الموريتاني الشهم و المضياف تشريفا يليق بأرض لعبت ولا تزال دورًا بارزًا في إثراء الحضارة العربية والإسلامية و مركزا للإشعاع العلمي و الديني بلغ صيته الطيب مختلف الاصقاع وأصبحت به كلمة شنقيط مرادفة للعلم والمعرفة و الموسوعية والوسطية والاعتدال.