القمة العربية في نواكشوط والدور العربي لموريتانيا / شيخنا محمدي الفقيه

تقوم السياسة الخارجية لموريتانيا على ركائز ومبادئ التعاون والعلاقات الحسنة والعمل من أجل السلام والتنمية وذلك في إطار دوائرها المعروفة والتي هي الدائرة العربية والإفريقية والإسلامية. ولا شك أن فهم السياسة الخارجية لبلد ما 

يرتبط باعتبار هذه الأخيرة فرعا من العلاقات الدولية يقوم على نظرية الدور الذي تلعبه دولة معينة على المسرح العالمي أو الإقليمي. لقد تزايد وزن السياسة الخارجية للدول منذ القرن العشرين، وأدرك الساسة وصناع القرار أهميتها في تحقيق المصالح الوطنية لدولهم وأمنهم وتحقيق الأهداف الاقتصادية والثقافية والسياسية بصفة عامة.

وفي هذا الصدد، اتسمت سياسة موريتانية الخارجية العربية أو دور موريتانيا العربي بصفة عامة بالإيجابية، ولكنه منذ العام 2009 ، عرف حيوية كبيرة وتوهجا خاصا ورؤية جديدة اختلفت كثيرا عما أصاب هذا الدور في الفترة السابقة للعام 2009 - أي (1998-2009)- من الوهن والانكفاء على الذات بسبب إقامة العلاقات المشبوهة مع "إسرائيل" وتقلص الدور الخارجي لموريتانيا وقصور الرؤية العربية لدى القيادة السياسية للبلد آنذاك وبصفة عامة الانصراف عن النشاط الخارجي والحركة وغياب إدراك الدور الإقليمي والقاري للبلاد.
إن الناظر في أداء الدور الخارجي لموريتاني يجده قد ارتقى كثيرا منذ مارس 2009 بعد إغلاق السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، فقد استعاد الموريتانيون الثقة في دبلوماسية حكومتهم، ولم تخيب هذه الأخيرة بعد ذلك أيضا الأمل المعقود عليها من الشعب الموريتاني لمواصلة الدور التاريخي للشناقطة في هذه البلاد وعلى المستوى الخارجي بصفة خاصة  والمتمثل في الحضور والتفاعل البناء بإيجابية وقوة مع العالم من حولنا.
لقد ترأست بلادنا الاتحاد الإفريقي في بداية سنة 2014 ولعبت الدبلوماسية الموريتانية أدوارا مهمة في حفظ السلم والاستقرار في بلدان إفريقية عديدة ونشطت الدبلوماسية الرئاسية الموريتانية بشكل غير مسبوق.
واليوم وفي قمة هذا العطاء الدبلوماسي يتنزل انعقاد مؤتمر القمة العربية السابعة والعشرين في نواكشوط بعد أن تم تدشين المطار الدولي بأم التونسي، إن هذا المطار هو بوابة جديدة مفتوحة ترمز إلى حقبة جديدة يفتح فيها البلد ذراعيه للتفاعل مع الجوار العربي والإفريقي ومع دول العالم ولنثبت أمن بلدنا ومسالمة شعبنا وتمسكه بقيمه الدينية والثقافية المتمثلة في  الوسطية والتعايش وقبول الآخر بلا ضرر ولا ضرار.
لا ينبغي التهوين من الحدث الكبير وهو انعقاد القمة العربية في موريتانيا ولا من الفاعلية الجديدة وحسن الأداء للدبلوماسية الموريتانية وما تقوم به بلادنا من حراك قوي في هذه السنوات، فمن ناحية هذه هي أول مرة تستعد فيه نواكشوط العاصمة لاستقبال قادة الدول العربية مجتمعين في قمة تنعقد على أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية ونحن كموريتانيين نعتز بهذا الحدث اعتزازنا بأننا بلد عربي مسلم لم تتح له الفرصة من قبل في استضافة مثل هذا المؤتمر الكبير وبأننا البوابة الغربية للوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج.
إن الشعب الموريتاني المضياف تقليديا بثقافته العربية الأصيلة وقيمه الجميلة يبدو سعيدا ومستبشرا باستضافة أشقائه العرب ونظراء رئيس الجمهورية وقد تم التعبير عن ذلك على مدى الأسابيع الماضية في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية وعلى منصات شبكات التواصل الاجتماعي بشكل لافت، فمن يتابع البرامج والأخبار المحلية يجد حرارة واشتياقا كبيرا من فصاله إلى نواذيب و من القوارب إلى عين بنتيلي لهذا اللقاء الأخوي لبيت العرب جامعة الدول العربية في خيمة موريتانيا الكبيرة ويلاحظ حماسا منقطع النظير لدي أفراد الشعب الموريتاني للمساهمة في حسن ضيافة ووفادة ونجاح مؤتمر القمة العربية.
لا شك أن الشعوب العربية مجتمعة وبعض البلاد العربية التي تضررت مما سمي ب "الربيع العربي" تنظر هي الأخرى بلهفة إلى نتائج قمة الأمل في نواكشوط العاصمة الغربية للوطن العربي الكبير وتترقب القرارات التي سيتخذها الزعماء العرب في ظل بداية رئاسة موريتانيا لمؤتمر القمة العربية لأول مرة.
وبما أن من المسلم به أن السياسة الخارجية لأية دولة هي انعكاس لمرآة سياستها الداخلية ومرتبطة بها إلى حد بعيد، فإنه على غرار ورشات العمل الداخلية المفتوحة في البلاد من بنى أساسية ومشاريع حيوية على كافة جبهات العمل الوطني، يبدو أن بلادنا استطاعت في السنوات الأخيرة استكمال جزء مهم من هذه البنى الأساسية مما مكنها من ولوج عصر دبلوماسية المؤتمرات والقمم وهو الأمر الذي يفتح لنا أفقا عربيا وإفريقيا وعالميا واسعا لكي تستغل موارد البلد الاستغلال الأمثل في تنميته وتقدمه الاقتصادي والسياسي.
مرحبا بالأشقاء العرب على أرضهم العربية الإفريقية المسلمة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وكل التوفيق لاجتماعات القمة العربية السابعة والعشرين في نواكشوط ولتكن قمة الأمل عنوان مرحلة جديدة في النظام العربي بصفة عامة ومرتقى جديدا لبلادنا ودبلوماسيتها الناجعة.

 

كاتب وباحث
[email protected]

18. يوليو 2016 - 11:34

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا