قمة الأمل "لا تعدم الحسناء ذاما" / خالد ولد أخطور

بالأمس القريب كنا جميعا نفاخر بعروبتنا ولا يخامر أيا منا أدنى شك بمجد و عظمة أمتنا، و نثق تمام الثقة في قادتها و نؤمل فيهم الكثير، إلا أن تلك الصورة اهتزت بدفع من حملات دعائية مقيتة، و كان اجتماع القمة العربية محفلا ينتظر منه وضع حد لما يتعرض له العربي من ضيم بالضغط في المناحي 

كافة، و لا يمكن لأكثر المتشائمين تناسي الأثر الكبير إقليميا و دوليا لقمم عربية خالدة. لقد استمات أعداء الأمة في وصمنا بالفشل و الضعف و الهوان ،بالعنصرية و الغلو و رفض الآخر، و هو ما تفنده الحقائق التاريخية التي تشهد بأن العروبة و العربية شكلتا قوة و فضاء حضاريا يعج بالعلماء والفلاسفة العرب و الأعاجم، ذلك الفضاء الذي احتوى البخاري و الترمذي في العلوم الإسلامية و لم يضق عن الفارابي و ابن سينا في الفلسفة و الموسيقى و الطب، فضاء العروبة و العربية ذاك الذي اتسع لسيبويه أكثر من نظرائه العرب ليكون إمامهم في اللغة. إن عراقة البيت العربي متمثلة في جامعة الدول العربية التي ستظل دائما خيارنا الاستراتيجي و طريقنا نحو التنمية، تجعلنا نترقب نتائج إيجابية لقمة الأمل و نراهن على أن تكون بداية لسياسة قومية أكثر جدية و حكمة، سياسة تنشد الاستقرار القائم على احترام الإنسان العربي و جعله أولا و قبل كل شيء ضمن نظام  متزن يوفر له الأمن و يحفظ كرامته. 
        لقد أوغل البعض محاولا التشويش على مجريات الأحداث و التحضيرات التي بشرت بنجاح القمة و أنبأت بنسخة استثنائية في تاريخ القمم العربية، بذل هؤلاء جهدهم في التخطيط و الكيد لنسف ما تم الوصول إليه من مؤشرات تؤكد أن قمة الأمل ستحقق طموحات المواطن العربي، فكروا مليا و أبحرت بهم المخيلة فلم تجد عليهم القريحة إلا بتصرفات صبيانية: كالرشق، أو طمر صفحات شبكات التواصل الاجتماعي بكم هائل من النصوص المعتلة و الأصوات النشاز و الأفكار السقيمة التي لا تصدر عن عاقل فما بالك بمن يحمل الريشة و يدعي الثقافة. إن اشد ما يجعلنا نتفاءل بقمة الأمل بعد ما حققته دبلوماسيتنا من نجاحات و كل ما أنجز على الأرض، أنه قد انبرى للتندر عليها و تأليف النكت من كان بالماضي لا يتطلع إلا لإدراج اسمه ضمن قائمة الوفد الموريتاني أملا في مستحقات مالية دون أي إبراء ذمة بتسجيل مشاركة فعالة أو حتى مقبولة.
        حقيقة لا أجد بدا من وصف تصرفات بعض المراهقين سياسيا بالهستيرية، و إلا فكيف سخروا إنتاجهم الفكري المحدود مثلا: لتفنيد ما حققه المنتخب الوطني، و لماذا انهمر الحبر من أقلامهم و فاضت الكلمات من أفواههم لحجب ما أنجز في الآونة الأخيرة من مشاريع عملاقة، أو كيف وصلت بهم الحماقة حد نبش الحساسيات العرقية و الفئوية إيقاظا للفتنة. هناك أمر لا محالة غاب عن أذهان متشدقي أو لنقل كرما مفكري من تسربوا إلى الحقل السياسي في بلادنا، و هو أنهم أصبحوا في نظر المواطن الموريتاني مجرد أبطال لمسرح ساخر! فهل يصر أصحابنا على أن ينظر إليهم الأشقاء العرب من نفس الزاوية؟
       تذكرني محاولات بعض المتجاسرين على الكتابة في تكهناتهم بفشل قمة الأمل و تخمينهم لنتائجها و تحاملهم على العرب و العروبة، تذكرني هرطقتهم تلك بما قاله كسرى أنشروان عن العرب حينما أشبعهم ذما و جعلهم في ذيل الأمم و وصفهم بكل وصف شائن، إلا أن كلام كسرى كانت له قيمة أدبية على عكس ترهات و هراء كتابنا، و لو كنت بمناظرهم لكفاني ما صدع به النعمان من حق و صدح به بلغاء العرب من رد. كذلك يحيرني مضي من يطلق عليهم اعتباطا صفة "مدونين" في مراهنتهم على عدم استثنائية قمة الأمل، لأتساءل "هل انطلقت تكهناتهم تلك من معطيات و إحصائيات تدعم رأيهم؟" و إن كنت لست بوارد سرد كل ما يثبت عكس مذهبهم و تغريدهم خارج السرب رغم ذلك لا مناص من لفت انتباههم: فأن يتقرر عقد القمة هنا في حد ذاته مدعاة للانبهار بدبلوماسيتنا و إلغاء التصور النمطي الراسخ في ذهن المواطن القائل بشللها، أن يكون قرار انعقادها في نواكشوط مباغتا لتدخل موريتانيا التحدي رغم ضيق المجال الزمني دليل شجاعة و بشرى نجاح، أن تأتي تصريحات أكثر من مسؤول عربي منوهة بما أنجزته موريتانيا فيما يتعلق بالتحضيرات المنصوص عليها و ثنائهم على دبلوماسيتنا و انحنائهم إجلالا لتجربتنا في محاربة الإرهاب بمقاربة أمنية حازمة و أخرى فكرية معتدلة جازمة، أن لا تتردد قامات عربية من مستوى عمرو موسى و بن حلي في القول بضرورة الاستفادة من التجربة الموريتانية و صياغتها كوثيقة إطار لمقاربة عربية شاملة، أن تأتي استضافة بلادنا للقمة بعد النجاح في قيادة الاتحاد الإفريقي و إشراف رئيس الجمهورية على حل أكثر من نزاع و دفاعه عن حقوق الأفارقة في المؤتمرات و المنتديات الدولية و مفاوضته عن كل إفريقي بأمانة و مسؤولية، أمور من بين أخرى تمنحنا الأمل في قمة تاريخية و تدفعنا للمراهنة على دبلوماسية بلادنا بقيادية متوقدة الفكر ثاقبة النظرة، إن كانت تلك الحقائق السالفة هي التي أوحت لكم بشطحاتكم تلك فابشروا بضعف منطقكم و تهافت حججكم، قلة فهمكم و ضآلة شأنكم و ضحالة تفكيركم.
        إن قمة نواكشوط هي قمة الأمل دون شك لاسيما بعد أن سالت دماؤنا في مدينة الرسول عليه الصلاة و السلام، ستكون قمة وضع الحد للاستهتار بكرامة المواطن العربي و كبح جماح مخططات الأعداء، لجم مساعي زعزعة الأمن و شكم دعاة التفرقة، دفن الخلافات الجانبية و استئصال الأورام الخبيثة، مسح البقع المدنسة و وأد الخلايا النائمة للحقد و الغل و الحسد و الضغينة، جبر الكسر و التئام النسيج العربي، هي قمة سيتطلع من بعدنا للنسج على منوالها، قمة للتنمية و الاقتصاد و الوثب عاليا نحو مجتمع عربي متحضر و أنظمة سياسية راقية تلبي تطلعاتنا كعرب.

19. يوليو 2016 - 8:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا