لا مراء في فتوة الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز ؛ الرجل برع في سياساته الدولية؛و أنجز الكثير؛ وكسب فيها العسير؛ فجلب الوقار لنفسه؛ و الاحترام لبلده؛ والهيبة لمواقف الدولية منها والوطنية.
و أروع ما يميز هذه السياسة؛ هو التبصر وعدم التهور؛ والبعد عن المشاكسة و المجازفة.
يكفي أن نذكر من محاسن الرجل أنّه حارب الإرهاب على حدوده الشرقية في مالي بقرار سيادي منه؛ فلما تدخلت القوى الغربية لمحاربتها ؛ أحجم عن إرسال قواته؛ واكتفى بحراسة حدوده؛ فأثبت لشعبه وللعالم ولأعداء وطنه؛ بأنّ له شهامة تدفعه للدفاع عن وطنه؛ وتمنعه من الطاعة العمياء للقوى الغربية؛ التي راودته كثيرا على زجّ جيشه في معمعة لا ناقة له فيها ولا جمل.
أما في الداخل فالرجل حظى بشبه إجماع وطني نال به احترام معارضيه قبل مؤيديه؛فلا سجين رأي لديه؛الكل يسوسه برفق ولين وانفتاح؛فمعارضيه اليوم قد ينقلبون غدا إلى حلفاء له ؛على الأقلّ هو لا يمانع في ذالك.
فتوة الرئيس هذه في الداخل والخارج؛ هي التي ملكت له ألباب الملوك؛وجلبت له أفئدة الخليج؛فجاملوه بانعقاد قمة عربية بأموالهم؛هي الأولى من نوعها في ربوع وطنه؛ توددا وطمعا في بأس رجاله ؛ وزحاما ودحرا للنفوذ الإيراني.
قمة المجاملة هذه من دول الخليج؛ لا شك أنّ موريتانيا سوف تجني منها الكثير من الهبات والعطايا؛التي دأب النظام السعودي على ضخها حين يريد شراء ذمم ؛وسوف تربح منها كثيرا بسبب الدعاية الجبارة التي تواكب هذه القمة.
لكن لا أمل للأمة العربية في هذه القمة حسب ما نعتقد؛ سوى نتيجتين اثنتين فقط لا أكثر منها ولا أقل .
نتيجتها الأولى سوف تكون في التسلسلي العددي (27) سبع وعشرين لهذه القمة؛ وهو إنجاز تكفلت به الايام والليالي ؛ وبه يثبت أنّ الجامعة العربية مازال فيها عرق ينبض.
النتيجة الثانية سوف تكمن في البيان الختامي ؛ وما سوف يحويه من سبّ وشتم لإيران ؛ التي خدمت مشروعها بحذاقة فائقة؛ فإيران تستميت دون شيعتها وهذا من حقها؛ وإيران تستميت دون حلفاءها وهذا من حقها؛وإيران تستميت دون مصالحها الكبرى وهذا من حقها أيضا.
بالمقابل السعودية وهي رأس الحربة الآن في الدول العربية؛لا أحد منا يخمن أهدافها؛ فشعار حماية أهل السنة التي ترفعه؛ ينسفه استكانتها المريبة عن نصرتهم في العراق؛ وتلكؤها العجيب عن مددهم بالسلاح في سوريا؛ وخذلانهم الفاضح في فلسطين؛حتى انّ فيصل تركي وصف حماس والجهاد بالإرهابيتين؛وتناسى إسرائيل التي يصافحها بحرارة.
ورطة السعودية الكبرى؛ أنّ التاريخ أثبت أنّها لا تدافع عن حلفائها ؛ وتتنصل منهم عند أوّل صيحة؛وتتنكر لجميلهم؛ وإن شئت أقرأ عن تاريخ المجاهدين العرب في أفغانستان ضد السوفييت؛ من ألّبهم ؟؛و من مولهم ؛ ومن استقطبهم من اصقاع العالم و أرسلهم لأفغانستان ؟.
وحين نفذوا المهمة على أكمل وجه؛ وقبل أن يوجهوا بنادقهم إلى امريكا؛كافأتهم حليفتهم السعودية بالتصفية والتشريد.
ونفس الشيء فعلوه مع الإخوان؛فيسحقونهم في مصر؛بعدما كانوا لهم سندا أيام جمال عبد الناصر .
وغدرها بصدام حسين معروف؛وحربها على حليفها عالي عبد الله صالح مشهود؛وتهليل إعلامها عشية الأنقلاب التركي قبل فشله ملحوظ.
أخشى ما أخشاه من قمة المجاملة هذه ؛ أن يغتر عزيز والدولة الموريتانية من خلفه بأموال السعودية وحفاوتها؛ فيعقد معها اتفاقيات أمنية على محاربة خصوم المملكة وخاصة إيران.
و حين يتغير مزاج المملكة؛فترميه بالجفاء؛نصبح في ورطة كبرى.