لامراء فى أن الدبلوماسية الموريتانية عرفت تطورا جذريا في الفترة الأخيرة على كافة الصعد تمثل في حضورها الطاغي إقليميا ودوليا حيث قادت الإتحاد الإفريقي بنجاح ، وتصدرت مساعي حل الأزمات العالقة والمعقدة فى القارة السمراء (أزمة شمالي مالي نموذجا)، كما ساهمت بفعالية في رسم الخطط لمحاربة الإرهاب في المنطقة كنموذج يحتذى به و له تجربته المشهودة والناجحة في هذا المجال.
والمتتبع للشأن السياسي في موريتانيا لن يجد كبير عناء فى الربط بين وضعيتها المستقرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وتصدرها لقائمة الدول العربية فى معظم التصنيفات الدولية فى مجال الحريات العامة وحرية التعبير، وبين بروزها كرقم صعب فى المعادلة الدبلوماسية فى المنطقة.
وإيمانا منها بأهمية الدبلوماسية بوصفها النافذة التى تطل من خلالها أى دولة على العالم، فإن الحكومة الموريتانية بقيادة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز مصرة على المضي قدما فى النهوض بالسياسة الخارجية لبلادها, فدفعت بطاقم دبلوماسي عالي الكفاءات و اختياره في هذا الظرف الحساس لم يكن إعتباطا ولا صدفة.
لقد بدا واضحا أن رهان رئيس الجمهورية على سياسة الانفتاح الخارجية اتى ولازال يؤتي اكله ، فما ان انهي وبجدارة ادارة اكثر ملفات القارة الافريقية تعقيدا وحساسية حتى بدأت وفود الأشقاء العرب تتقاطر على العاصمة انواكشوط وأصبحت بلاد المنارة والرباط محط أنظار العالم العربى بوصفها مستضيفة قمة الأمل 2016 فى مشهد يدعوا للفخر والاعتزاز،فالفترة الزمنية الضاغطة والموارد المالية المحدودة، والتجربة شبه المعدومة فى تنظيم القمم ،كلها أمور جعلت من تنظيم قمة الأمل حلما بعيد المنال ، لكن الدبلوماسية الموريتانية كانت على مستوى التحدى فقررت الإبحار فى خدمة البلاد تنفيذا لسياسة رئيس الجمهورية , واستطاعت أن تقنع الجميع بأن قمة انواكشوط ستكون استثناءا وأن أحفاد المرابطين يقفون على مسافة واحدة من كل الأشقاء العرب، وأن بإمكاننا أن نحافظ على علاقتنا قوية مع الجزائر بنفس القوة التى تحظى بها علاقتنا بالمغرب، وعلاقتنا بقاهرة المعتز هى نفسها علاقتنا بدوحة الخير، فالندية والاحترام المتبادل وضمان المصلحة العامة للدولة هى الأسس الحصرية لسياساتنا الخارجية.
هكذا إذا استطاعت سياستنا الخارجية ان تنشط العمل الدبلوماسي وأن تعيد له ألقه, وأن ترقى بموريتانيا إلى مكانتها اللائقة بها بين مصاف الأمم المتحضرة, فكانت بحق رهان المرحلة بدون منازع، فهاهى انواكشوط أصبحت تزاحم عواصم العالم فى استقطاب الملوك والرؤساء فى عرس عربي بهيج يومى 25 و 26 من الشهر الجاري.
ومن نافلة القول أن استضافة نواكشوط للقادة العرب يعتبر نجاحا تاريخيا للدبلوماسية الموريتانية حيث سيمكن بكل تأكيد من تعزيز المركز السياسي والمعنوي للعاصمة انواكشوط علي المستوى العربي، كما أنها فرصة فريدة لتسويق صورة البلد على أوسع نطاق، فبعد قمة "الأمل" لن يبقى من بين الإخوة العرب – على الأقل - من يعتقد أن موريتانيا جزيرة من جزر المحيط الهادئ كما كان سائدا للأسف فى عهود الظلام السابقة.
إن تنظيم هذا الحدث الكبير في نواكشوط يبعث بالكثير من الرسائل المهمة والضرورية إلى من يهمهم الأمر ومن أهمها التأكيد والبرهنة على أن موريتانيا بلد آمن ومستقر سياسيا واقتصاديا في هذا الظرف الزماني الحرج الذي مازالت للأسف الشديد تكتوي فيه بعض الدول العربية بنار ما يسمى الربيع العربي, ويتجرع فيه البعض الآخر ويلات الإرهاب الأسود. وما كانت موريتانيا لتتجنب كل تلك المطبات وتصل إلى بر الأمان لولا نجاعة المقاربة الأمنية والسياسية التي انتهجتها حكومة موريتانيا فى مواجهتها للإرهاب فأطلقت العنان للحريات العامة وبيضت السجون من سجناء الرأى والسياسة، وقارعت الإرهاب بالفكر والسلاح، فتم دحره من عقول الناس قبل أن يتم دحر معتنقيه فى ساحات الوغى.
كما أن القمة ستكون فرصة سانحة للدبلوماسية الموريتانية من أجل التعريف بالاقتصاد الوطني المتنوع والثري ، وتسليط الأضواء على آفاق الاستثمار في هذا البلد ،ولن يتأتى ذلك إلا بالاعتماد على دبلوماسيين اقتصاديين على درجة عالية من الكفاءة والإطلاع على خفايا الساحة الدولية، قادرين على جذب وإقناع الشركاء الاقتصاديين والماليين لبلادهم.
خلاصة القول أن قمة الأمل سيكون لها ما بعدها وستشكل حدثا فارقا ومنعرجا حاسما فى تاريخ بلدنا مما يستدعى تضافر الجهود ونبذ الخلافات والتوجه نحو تنظيم قمة تشرف كل الموريتانيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية.
محمد عبد الله ولد احبيب
أستاذ جامعي
[email protected]