ليس خافيا أن زلزالا كبيرا ضرب العالم العربي خلال السنين الخمس الماضية بعد أن سبقته هزات لا تقل عنفا وإن كانت متباعدة بعض الشيء.
من الملاحظات البارزة أن قيادة العالم العربي تغيرت عدة مرات تبعا لتلك التحولات بل ربما لا يمكننا القول إن هنالك دولة قائدة للعرب في هذه الحقبة و إن كان التنازع على خلافة
الدور الأبرز ما يزال حادا بين قوى عربية بارزة و هي خلافة مهددة بعدة عوامل منها تنامي الإرهاب ذي الحقد الأسود المتجدد و الذي لم نفلح حتى الساعة في معالجة أسبابه أو تحجيم قدره و منها أيضا طموح جيران العرب الذي يتفاوت بين نية للقضاء عليهم بالضربة القاضية أو انتزاع للقيادة من كل عواصمهم الكبيرة و جعلهم تبعا لإرادة أخرى ليست بالضرورة عكسا لأحلام شعوبهم .
وتأسيسا على أن الزعامة العربية ما زالت تبحث عن حامل للوائها فإن المغرب العربي الكبير تواتيه فرصة قل نظيرها وإن كانت – للأسف -نتيجة لانهيار أليم عاشه الصرح العربي فاختنقت أحلام سكنت الملايين عقودا.
تاريخيا ظلت هذه البقعة من الوطن العربي مبعث تجدد وعطاء واشتد بها ساعد المشرق القائد قرونا طويلة ولم تغب عن المنعطفات الهامة في التاريخ العربي خلال القرن العشرين.
إن لاعتذار المغرب عن استضافة القمة الأخيرة أسبابا ساقها البيان المغربي في حينه ولا يمكن إلا فهمها لكنه – من وجهة نظري – قرار لم يأخذ بعين الاعتبار ما تحدثنا عنه من ريادة تبحث عن صاحبها وكان بمقدور المغرب الذي تنهض له قرون من العطاء وخبرة طويلة في دهاليز السياسة العربية أن يسد الفراغ أو يتلمس خطاه إلى حقبة تاريخية يغاث فيها الناس ويجدون طريقهم فيها إلى قدر من العافية والسلم والقدرة على التفكير.
لقد فوجئ الكثيرون بقبول موريتاني يشبه الإصرار على استضافة هذه القمة '' المتدافعة '' فهذا البلد الطرفي – إذا اعتبرنا المشرق مرجع مسافة – رضي فترة طويلة بحضور رسمي في المشهد العربي يطبعه الحياء ولولا مثقفوه وسمعته ‘' الشنقيطية'' وحصافة أبنائه الذين احتكوا بإخوانهم العرب في الجامعات والمؤسسات الإعلامية والهيئات العربية والدولية لتناساه العرب وأهملوه أكثر مما فعلوا.
لذلك لا يمكن بأي حال إلا النظر بتقدير خاص إلى استعداد موريتانيا رغم ظروفها وعدم جاهزيتها لاجتماع من هذا القبيل في ظرف قياسي.
و ''كشاهد من أهلها'' يمكنني القول إن الموريتانيين رسميين ومعارضين ومثقفين من كل الاتجاهات ومواطنين عاديين وضعوا اهتماماتهم كلها جانبا إلا ما يضمن أن يستضيفوا العرب في أيام مشهودة تبقى ذكرى ووشما في جسد التاريخ.
انقسم الناس في شأن رئيس موريتانيا لكن حقيقة عزمه وحسمه لا تقبل جدالا برأيي فالتجارب تجعلنا أمام رجل جريء على عويصات الأمور غير هياب لها.
إن حسم موريتانيا في قطع علاقاتها مع إسرائيل مكنها من نيل ثقة وإعجاب الكثيرين وهو قرار لا يمكن وصف صاحبه بالتردد أو الحياد في قضايا الأمة.
النظر إلى جهد موريتانيا الخارجي في السنوات الأخيرة يسمح لنا ببساطة أن نسجل حرصها على دور مميز وانحيازها إلى كل موقف يخدم تطلعاتها المتفقة مع مصالح محيطها العربي والإفريقي على أن هنالك حيرة يعيشها الباحثون عن المصلحة العربية فالرؤى ستتناقض إن لم تتصادم لدى البحث في أي مشكل قومي نعيشه اليوم ولنا أن نستعرض الأمثلة واحدا واحدا لنرى كم نحن مختلفون بل متصادمون على مستوى الأفراد فما بالنا بالأنظمة ذات الإكراهات والأولويات.
شكلت – فيما يبدو – رئاسة ولد عبد العزيز للقمة مواصلة لمسار اختطه لنفسه.
فالرجل ترأس الاتحاد الإفريقي في فترة من أصعب أيام القارة السمراء وظل طموحا إلى دور موريتاني غير مألوف في العقود التي سبقته -إذا استثنينا حنكة وإقدام وحضور المختار ولد داداه رحمه الله ذلك الحضور الذي لم يجد من يواصله أو من يفهم أسبابه ونتائجه – وهكذا من جديد وجدت موريتانيا نفسها وجها لوجه أمام مسئوليات قومية كبرى في زمن اكتوى الجميع بناره وما أبقى ليله من نور.
كثيرون شككوا في قدراتنا وأمننا وجاءوا بالحق والباطل في قولهم لكن يوم القمة المجموع له الناس انقضى وعاد القوم إلى ديارهم ورجعنا بالتزام عقدناه على أنفسنا بأن نجعل همنا الأول خدمة القضايا العربية العادلة – وما أكثرها – والنهوض بشرف المتابعة والمبادرة والريادة خلال عام كامل.
إنها مسؤولية جسيمة لكنها تحتاجنا ونحتاجها وقد عرفنا عبر الأيام أن الضوء يسافر إلى الأطراف من حين إلى آخر وهي معرفة قد يزيد من فعلها شعورنا الدائم بأننا أبناء المرابطين على الثغور وغير بعيد من نواكشوط التي التأمت فيها قمة الأمل كانت أول نواة للمرابطين الذين جعلتهم الأقدار أمام مسؤولية إنقاذ الأندلس فتحقق بهم الأمل وكانوا أهلها والأقدر عليها إذ أطالوا عمر الحضارة العربية هناك قرنا من الزمان.
لكأن التاريخ يذكرنا بالمغرب العربي الكبير وبالذات بقعة الصحراء التي انطلق منها أولئك ولربما كان من التوفيق إطلاق الأمل على هذه القمة لأن القارئ الجيد للتاريخ يلاحظ أن انبجاسات ضوء تغير التسلسل المنطقي للأحداث كثيرا ما نشاهدها من أماكن نحن عنها عمون.
يمكن القول بكل واقعية إنه بإمكان موريتانيا – إن وعت الفرصة التاريخية وأحسنت الأداء – أن تجد لها في المستقبل صوتا قويا دائما في الشأن العربي والدولي.
غير أننا ونحن نحاول ذلك علينا الانتباه إلى أن خصومنا الظاهرين والمستترين لن يشبكوا سواعدهم في انتظار حصاد مريح لجهدنا وبالتالي فعلينا أن نكون يقظين وعلى مستوى المرحلة.
الموريتانيون – وأنا منهم -عروبيون بطبيعتهم مخلصون ومتحمسون لخدمة العرب والمسلمين لكنهم حساسون اتجاه أي غمط لحقهم أو جهل غير مبرر بقدرهم وصيتهم الذائع – ولربما معهم الحق في ذلك – لكنهم عن غير قصد يمنحون المخطئين اتجاههم قصدا أو غلطا فرصة الضوء بالرد عليهم فمن كرم الشعر أنه أعطى صورة ناصعة عنا ونهض بنفسه منافحا عن عروبتنا وقيمنا فما أغنانا عن رد هنا أو هناك على تصريحات تلقائية أو صيغت بناء على نصيحة من الآلة الحاسبة.
لا يعجبني ندب الحظ أو لوم الأحبة لكن وموريتانيا تتحمل عبئا عربيا ثقيلا كهذا في أصعب أيام الأمة بعد أن نسوها ردحا طويلا من الزمن فلا بأس -والموريتانيون أهل شعر-من ترديد قولة امرئ القيس (ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا سكر غدا)