قمة نواكشوط .. والعبر المستخلصة / محمد سالم ريومه

شكل قبول الحكومة الموريتانية لاستضافة القمة العربية تحديا كبيرا على المستويين اللوجستى لبلد لم يسبق له أن استضاف قمم ولا مؤتمرات بهذا الحجم, وما كان ليكون لولا اعتذار المغرب عن استضافة الحدث.
وبغض النظر عن جدلية تصنيف هذا الحدث ضمن النجاحات الدبلوماسية للنظام,

 أو أن الصدفة لعبت دورها بفعل الترتيب الأبجدى الذي تأتى فيه موريتانيا بعد المملكة المغربية, فإنى سأركز على الجوهر, بدءا بقبول التحدى مرورا بظروف التحضير والتنظيم وانتهاءا بما كشفته عن القمة من نجحات.
إن مجرد قبول التحدى وشرف محاولة الزج بهذه العاصمة النائية جغرافيا عن مركز القرار العربي وفرضها ضمن إرشيف الجامعة العربية عبر " اعلان نواكشوط" يعتبر نجاحا بحد ذاته, حتى وإن فشلنا فى تنظيم الحدث, أما وقد نجحنا فى تنظيم الحدث فى وقت زمني محدود لا يتجاوز ثلاثة شهور, فذلك لا يمكن إلا أن يصنف نجاحا على المستوى التنظيمى حتى وإن تخللته بعض الأخطاء.
لقد تابعت بكثير من لأهمية مراحل تنظيم وتحضيرات قمة نواكشوط, وكانت فوق المتوقع وانتزعت اشادة ضيوفها بالإجماع من سياسيين واعلاميين وشخصيات فكرية.
ومع أن قمة نواكشوط كانت ناجحة على جميع المستويات تقريبا, فإنها كشفت عن نجاح آخر أكثر أهمية من احتضان القمة, ذلك أنها كشفت قدرة الحكومة على انجاز مشاريع كبيرة فى أوقات وجيزة غير التى عهدناها فى مراسيم مجلس الوزراء, وأظهرت أن لنا جهات ادارية وأمنية يمكنها أن تلعب الدور المنوط بها عندما تقرر ذلك, ومجموعة حضرية لها نظرة حضارية وتنظيم حضري غير الذي عهدناه منها, ولأهم من هذا كله أن لنا نخبا يمكنها أن تتحد مع اختلاف مشاربها السياسية وتقدم مصلحة الوطن على كل شيء, وما حملة تنظيف نواكشوط أمام ضيوفها إلا احد الأمثلة الحية على ذلك.
إن قمة نواكشوط لم تكن نجاحا دبلوماسيا ولا خارجيا فحسب, بل كانت اختبارا حقيقيا لنا كموريتانيين من موظفيين حكوميين ونخبا سياسية واعلاميين وحتى معارضين, وكشفت مما لا يدع مجالا للشك أن بإمكان كل طرف من هذه الأطراف أن يلعب الدور المناط به فى بناء الوطن دون كبير عناء إذا ما قرر هو ذلك.
لا عذر بعد اليوم للحكومة فى مواصلة سياسة التجاهل تجاه معاناة المواطنين وتوقيف مشاريع التنمية أو تنفيذها فى آجال بعيدة, ولا عذر بعد اليوم للجهات لإدارية والمنتخبين فى التقاعس عن لعب دورهم كاملا بعد أن أثبتوا أنهم قادرين على فعل ذلك, ولا عذر بعد تجربة قمة نواكشوط للنخب السياسية والمثقفين فى العودة إلى الصراعات السياسية وخلق شقاق ينشغلون فيه عن دورهم فى بناء الوطن.
ينبغى تعميم التجربة وأن يعم ما تم انجازه فى مقاطعة "تفرغ زينه" ليشمل بقية مقاطعة العاصمة ومنها إلى عواصم الولايات الداخلية حتى تطال التجربة كافة مقاطعات وبلديات الوطن, لماذا لا تكون هذه بداية عهد جديد من العمل المتواصل مع ضغط أقل وفى وقت أكثر محدودية من تجربة القمة, ينبغى أن لا ترفع حالة الاستنفار هذه إلا خلال استراحة محارب تتم فيها برمجة الوجهة المقبلة للعمل حتى تشمل التجربة كل ربوع الوطن.
وفى الختام لن أقول ما قاله آخرون أن الحكومة أظهرت أنها قادرة على انجاز المشاريع التنموية لكنها ستنجزها فقط عند الحاجة (عندما تستقبل ضيوفها) وبذلك تعكس احتقارها للمواطن, لكننى سأقول إنه إذا اقتضت الضرورة أن نعمل فقط فى الظروف الخاصة وبغرض استقبال الضيوف, فلنتقدم من الآن بطلب استضافة قمم ومؤتمرات أخرى حتى يتواصل العطاء.
أجمل تحية

 

31. يوليو 2016 - 11:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا