بالأمس القريب كلما حاول عمال شركة تازيازت موريتانيا المحدودة الإعراب عن رغبتهم في المطالبة ببعض حقوقهم ؛ قابلتهم الشركة بالغطرسة والمماطلة وكلما لجؤوا بعد ذلك إلى ممارسة حقهم المشروع في الإضراب تعريفا بقضاياهم ونشرا لمشاكلهم تعرضت لهم بالرفض والتصفية الممنهجة والإقصاء المدبر ..
ونظرا لما اتسمت به الرقابة الحكومية والتفتيش القانوني-في السنوات الماضية- من ضعف وهشاشة ورعونة وإهمال ؛ بل وغياب تام غالبا ، نظرا لذلك كله وجدت الشركة المذكورة نفسها و -مثيلاتها كثر من الشركات العاملة- في مناخ ملائم لممارسة الاستعمار في ثوبه الجديد والقابل للتطبيق أكثر من غيره حيث استغلال ثروات الشعوب وامتصاص مقدرات الدول وإنعاش اقتصاديات الدول الراعية لتلك الشركات بالعائدات ووافر التحويلات المالية وبالمواد الخام بل وحتى استجلاب العمالة المدللة من تلك البلدان وإقصاء ابناء الشعوب المستعمرة اقتصاديا وإهانة من اعتُمِد منهم في العمل واحتقاره بمنحه راتب وإن كان معتبرا مقارنة مع رواتب بني وطنه لكنه زهيد مقارنة مع غيرهم من المستجلبين ؛ إذ يشكل جذرا تربيعيا لنظيره من الأجانب في هذه الشركة حتى وإن لم تختلف المهام والاختصاص وتتباين المردودية والدور ..! ؛
كل ذلك دأبت عليه هذه الشركة وغيرها من الشركات التي دارت في فلكها وتقاسمت معها الصفات وأسلوب المعاملات واستمرت عليه سنوات مستغلة الغفلة الإدارية وغياب التفتيش ؛ حتى خُيل إلى القيمين عليها أنهم أسياد غيرهم بحق وأن الدولة عبارة عن [محمية] بمفهوم التبعية والاقتطاع وليس بمعنى المنعة والاستقلالية والاحتماء ، واعتمدت في معاملاتها مع المواطنين على أنهم إن لم يكونوا في مستوى البهيمية فهم قطعا دون المستوى السامي للبشرية وترجمت ذلك صريحا في اعتباراتها ومخصصاتها لهم مقابل ماتختص به غيرهم من وافدي الدول الأجنبية ؛ مع عدم حيازتهم لتراخيص عمل تثبت أهليتهم في الولوج والمزاولة بصفة قانونية ؛
استمر الحال كما هو إلى أن جاءت اليقظة من الحكومة الحالية فبدأت بالتفتيش ومايصاحبه من إجراءات روتينية كشفت المستور وجحم التجاوزات ومستوى الاستغلالية وبينت أن ماخفي..
ساء تقدير مسؤولي {إدارة} القوم لحجم القضية ومستوى اهتمام الدوائر الرسمية بتفعيل القانون وتغيير الصورة النمطية فقابلوا هذه الجدية الحكومية بما تشبعوا به من احتقار للشعوب والتلاعب بثرواتهم والسخرية ؛
علقت الشركة العمل بالمنجم في 20 يونيو 2016 من جانب واحد وتحملت بذلك وحدها المسؤولية ، مع تقدم الأيام ، وثبات المواقف الحكومية إيمانا بضرورة تصحيح الوضعية وإعادة الاعتبار للدولة باحترام المعمول به من القوانين التنظيمية ووقوفا عند الالتزامات الأجنبية بخصوص الاستثمار بالإضافة إلى الحفاظ على المصالح المحلية ؛ ظلت الحكومة تحاور الشركة وتفاوض دون تنازل أو تهاون ؛ حرصا على استمرار التعدين وتجنبا لتشويه الصورة الوطنية عند رعاة الاستثمارات الأجنبية ، لكن دون تنازل عن الامتثال للوائح التنظيمية الحالية .. وعملا على تحقيق الاقتصاد الموريتاني لكبرى الفوائد المرجوة من استغلال هذا المنجم المذكور -تازيازت- توصلت الحكومة مع شركة تازيازت موريتانيا المحدودة إلى الاتفاق على اتخاذ جملة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق نجاعة أكبر على مستوى عمليات الشركة ، وفي هذا الإطار سيتم نقل المصالح التابعة لتازيازت في الخارج إلى موريتانيا مع نهاية 2016 وفي الأمر مافيه من تقريب عناصر العمل وانسيابية التلاقي والتفاوض والمعاينة والتفتيش ؛ ولعل أهم ما سيقام به هو مرتنة تسيير الشركة بنسبة 80% قبل نهاية 2018 ، وسيتم بموجب ذلك خلال الأسابيع القادمة إطلاق مسلسل اكتتاب للكفاءات الوطنية الذين سيتم تكوينهم أو إعادة تحسين خبرتهم من أجل شغل الوظائف الحالية التي يشغلها أجانب وسيتم تخفيض نسبة الأجانب المئوية التي تمثل اليوم 12% إلى 06% مع نهاية يوليو 2018 وإلى 03% بحلول العام 2020 .
وفي النهاية عبرت الحكومة عن قناعتها بأن المفاوضات تمثل الوسيلة الأنجع لحل المشكلات وأكدت على أن احترام النظم يمثل أحسن ضمان للحفاظ على مصالح الشركاء ، وبذلك تكون إرادة الحكومة قد انتصرت على غطرسة الشركة وعادت بالرغم عنها محطمة الكبرياء .