لا شك أن الدولة عندما قررت رفع تحدي تنظيم القمة العربية السابعة و العشرين في منعطف دقيق من تاريخ الأمة الملبد بدخان البارود و واقعها المصطدم بصمم الآذان، و في ظرف زمني قياسي تحت سقف ضعف شبه تام للبنى التحتية اللائقة بمستوى الحدث في أهميته و نوعية و عدد الوفود و الضيوف القادمين و منهم المقيم أياما، إنما اتكأت على أن الأمر متعلق وحده بإرادة الفعل الصحيح في الزمن الذي تحدده آخذة بعين الاعتبار أن ذاك بيدها تحت رعايتها و أن التخطيط له في متناول أطرها و كوادرها.
وهو الأمر الذي ترجمته الأعمال الحثيثة للبنى التحتية في خطوة تسارعت وتيرتها ما بين اتخاذ القرار و التطبيق العملي الفوري على أرض الواقع حتى تستعد العاصمة لاستقبال حركة الضيوف و الوفود بانسيابية تامة في عموم الفضاء الشامل إقامتها و مقار اجتماعاتها بدء بمطار "أم التوٍنسي" الدولي و شارعه الذي حمل كل مواصفات الطريق الانسيابي السريع.
و هي الدولة إذا التي أثبتت من خلال رفع تحدي تنظيم القمة في وقت قياسي و اتخاذ القرارات الحاسمة من أجل ذلك أنها بحق و إذا ما انفصمت عن المفاهيم المعيقة من إملاء عقلية "اللادولة" في سياق تأثير ظاهرة "السيبة" التي مازالت حاضرة بقوة في النفوس و من خلال ممارسات الأرستقراطيين الطبقيين بوجاهة مبتورة من ماضي حاضر و بالمال و الحضور به في أواسط عقد الدولة، إلى تنظيم متكامل من المؤسسات السياسية والقانونية والعسكرية والإدارية و الاقتصادية تمتلك من أجهزة تدبير الشأن العام لها و للمجتمع ما يجعلها صاحبة السلطة أو السلط في المجتمع و مختلف الميادين و كذا أجهزة كالجيش و الشرطة و غيرهما تحت سيطرتها تستعملها عند الاقتضاء من منطلق الخلفية الثابتة أنها تشرف بذلك على هيبة الدولة و حفظ مقامها بين الأمم وعلى الأنشطة السياسية والاقتصادية و الاجتماعية بهدف تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الافراد من حيث ضمان حرياتهم و صون حقوقهم و تحقيق الرفاهية لهم و السهر على أن يؤدوا كذاك واجباتهم تجاه المجتمع و الدولة .
و لأنه لا خلاف مطلقا على أن الدولة تمثل في مفهومها الصحيح وظيفة تسيير حياة الفرد والمجتمع و أنها هي المسؤولة عن ضمان اشتغاله بشكل منسجم أي ما يعني ضرورة وجودها في غياب قدرة المجتمع على تنظيم نفسه وضمان استمرار الرابطة الاجتماعية لوحده فإنها مسؤولة أيضا عن اتخاذ المبادرات في الوقت المناسب لإبداء قوتها و قدرتها عل بسط هيبتها في الداخل و فرض الخارج على إعطائها حقها واحترامها. و هو السياق الذي تنزلت فيه مبادرة اتخاذ القرار الشجاع بتنظيم القمة السابعة و العشرين في نواكشوط و دحض حملة التشكيك في قدرة البلد على ذلك شعبيا و رسميا.
و بالطبع فإن الشعب الذي كان في قواعده العريضة و مجمل قواه الحية السباق إلى دعم رفع تحدي و مضاعفة فرص نجاح تنظيم القمة و التغني في غير ما نشاز بما توحي به من مجد و رفعة و علو مكانة للبلد من ناحية، و المتحمس الأول للعمل على ضمان نجاحها في الوقت الذي بسط فيه الشك و الريبة ظلالهما على حراك الطبقتين السياسية و الثقافية و على الأداء الإعلامي حيث لم يحرك الجميع ساكنا إلا عندما كاد وقت القمة أن يحين من ناحية أخرى.
و إذا كان سبق القواعد الشعبية بحماسها الفوري و عمق وطنيتها العفوية ما قلب القاعدة المعتادة في اتباع هذه القواعد على العادة صفوتها و نجبها قد شكل درسا غير اعتيادي لهذه النخب السياسية و الفكرية الثقافية و الإعلامية فإن الدرس الأول و الأكبر الذي يمكن استخلاصه من القمة بنجاح تنظيمها في ظروف أمنية صحيحة و لوجستية متكاملة هو أن الدولة إذا ما كرست في أية لحظة مفهومها في وجه أي ظرف مهما كانت أهميته و خطورته فإنها تحقق أهدافها و تبين للجميع بكل هيبتها.
و إنه الموقف الصحيح الذي به وحده تمكن مواجهة الشوائب التي ما زالت تتربص بمفاهيمها المتخلفة و ممارساتها المجحفة و تعيق مسار دولة القانون و المواطنة إلى العدالة و المساواة و الشفافية في التسيير و مساواة الجميع أمام الفرص و رفع الضيم و الإحساس بالغبن و الإقصاء و التهميش عن النفوس في مجريات الحياة بكل درجاتها و مستوياتها و في جميع مفاصلها.