عانت زراعة الأرز الموريتانية ، على مدى سنوات، من سلسلة من الجنايات الاقتصادية، التي ظل المزارعون يئنون تحت وطأة آثارها، في صمت مطبق، ودون أية محاسبة، حتى وصل محصول الأرز الوطني إلى ما وصل إليه، من الانهيار منذ حملتين زراعيتين .
ولاشك أن أعمق هذه الجروح الغائرة ،هو الجريمة الاقتصادية الكبرى ،
التي ارتكبتها الإدارة التجارية لسونمكس ، والمتمثلة في تدمير الثقة بين المستهلك الموريتاني ومحصوله الوطني، عن طريق تشويه صورة الأرز الموريتاني ،وهو التشويه الذي ستستغرق إزالة آثاره سنوات عدة ، من الجهود المضنية.وابرز هذه الآثار المدمرة ، هو رفع الحكومة يدها نهائيا ، عن المحصول الوطني، بسبب العواقب المالية الكبيرة ، المترتبة على الفساد ، في الإدارة التجارية لسونمكس ، التي سلمت لها أمانة استلام الأرز الوطني المقشر، بعد التأكد من مراعاة أصحاب مصانع تقشير الأرز، لمعايير الجودة العالية ، التي تلزمهم بها الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة بهذا الشان. فكيف تمت هذه العملية ؟
يسمح الاتفاق المتعلق بشراء المحصول الوطني ، لأصحاب مصانع تقشير الأرز، بتحقيق ربح في الموسم ، نقدره بنحو 20%، إذا تم تقشير الأرز بطريقة ممتازة .أما إذا ماتم الاكتفاء بأرز " نصف مقشر " ، فسترتفع نسبة الأرباح إلى نحو 40% ، لأن نسبة من قشرتي الأرز الخشنة والناعمة ، ستخرج مع الأرز الأبيض، لتزيد وزنه بشكل كبير. وإذا ما عرفنا أن قيمة آخر محصول تم شراؤه صيف عام 2015 ، وصلت إلى نحو 8.000.000.000 أوقية ، سندرك بجلاء مدى العوائد الهائلة ، التي يمكن أن تجنيها الأطراف المعنية ، من التأمر على هذا المحصول الوطني الاستراتيجي،حيث تبلغ كعكة الأرباح الإضافية،غير الشرعية ،القابلة للتقاسم نحو1.600.000.000 أوقية في كل موسم، في حالة قبول الإدارة التجارية لاستلام أرز نصف مقشر.
ومن هنا تحولت الإدارة التجارية لسونمكس ، من . فبدلا من حمل أمانة التأكد من جودة الأرز المقشر ، أصبحت تستلم على حد تعبير عضو رفيع في الحكومة ، خلال احد الاجتماعات .وتم الدفع بجزء من هذا إلى دكاكين أمل، لتنهار صورة الأرز الوطني ، وليصبح محل التندر والتهكم .
وأمام إحجام الفقراء المعدمين عن تناول هذا المحصول ،نصف المقشر، وجدت الحكومة نفسها أمام أكثر من 50.000 طن من الأرز، مكدسة في مخازن سونمكس، بعد ان كلفت الحكومة أكثر من 10.000.000.000 أوقية .وقد جمعت الإدارة التجارية لسونمكس، لهذا الأرز بين رداءه التقشير وسوء التخزين .
وبدلا من انتهاز الفرصة ، وتفكيك منظومة الفساد داخل الإدارة التجارية لسونمكس ، فضلت حكومتنا ، الاستقالة من مسئوليتها اتجاه المحصول الوطني ، لتتقلص المساحات الزراعية ، وينهار محصول الأرز .
فكيف نفسر تمتع الإدارة التجارية لسونمكس ، بالحصانة إلى هذا الحد ؟ لا نملك للجواب على هذا السؤال الوجيه إلا قوله تعالى : .
أما " الفعلة الثانية "للإدارة التجارية لسونمكس، فهي متعلقة بالأسمدة ، التي تبيعها هذه الإدارة للمزارعين .فهنالك شكوك جدية حول مدى سلامة هذه الأسمدة من الغش، حيث أثبت فحص أجراه مزارعون لعينتين من الأسمدة، في المعهد السنغالي للبحوث الزراعية ،أن محتوى إحدى العينتين من النتروجين ،لا يتجاوز نحو 14%، بينما تبلغ النسبة نحو 19 % في الثانية، بدلا من 46% التي هي نسبة النتروجين الطبيعية في اليوريا. وهذه النتائج ،التي تعود إلى ماقبل نحو ثلاث سنوات، والتي نحتفظ بصورة منها، تعني، إن صحت ،أن المزارع عندما يضيف أسمدة سونمكس، بمعدل ال300 كيلو جرام يوريا الموصي بها للهكتار ،إنما بضيف حقيقة نحو 100 كيلو جرام من اليوريا الطبيعية . وهو ما تترتب عليه نتائج كارثية ،على مستوى تراجع المحصول، لا يتسع المجال لشرحها من الناحية الفنية .
ويعزز نتائج هذا الفحص ،شكوى متكررة من المزارعين ، قدمت حتى إلى رئيس الجمهورية ،في زيارته الأخيرة لروصو، تقول أن المزارع لا تبدو في مظهرها مكتفية بكمية الأسمدة الموصي بها، إلا إذا كانت مشتراةمن السنغال .أما أسمدة سونمكس فلا تصل النباتات إلى المستوى المألوف عند إضافتها ، ما لم يتم مضاعفة الكمية، مرة أو مرتين .وكان فحص أخر، قد أجراه مزارعون في ( أندر) ،قبل هذا الفحص بسنوات ،قد اثبت أن نسبة النتروجين في إحدى العينتين المأخوذتين من مخازن سونمكس ، لا تتجاوز نحو 21 % ،وهي من أسمدة مستوردة من أوروبا الشرقية ،بينما كانت النسبة طبيعية في العينة الثانية، التي أخذت من اسمدة مستوردة من المغرب.
وعلى مستوى الأسمدة الفسفورية، عانى المزارعون من تقصير سونمكس، في تأمين هذه الأسمدة ، خاصة خلال الحملة الصيفية الأخيرة . واضطروا إلى الزراعة بدون إضافتها على الإطلاق ،مع ما يعنيه ذلك من نتائج كارثية، ظهرت في مردودية هذه الحملة .كما عانى القطاع من التأخر في مواعيد توفير الأسمدة بصورة عامة.ويسود القلق من ان تشهد الحملة الخريفية، مثل هذا التأخر، مع تزايد الحديث عن تراجع مخزون سونمكس منها ، إلى نحو 4000 طن، وهو ما لا يصل إلى نصف الكمية المطلوبة، لتغطية احتياجات الحملة الحالية .كما عانوا من نقص واضح ،في أوزان خنشات الأسمدة الفوسفورية ،على الأقل في إحدى الحملات. وقد تبين لاحقا ،أن الخنشات معبأة في ميناء انو كشوط.
هذا فيما يتعلق بالأسمدة ،أما فيما يتعلق بالمبيدات الكيماوية المستخدمة، في مكافحة الأعشاب الضارة في مزارع الأرز ، فقد كانت " فعلة " الإدارة التجارية لسونمكس أكثر وقاحة، حيث كانت المبيدات التي باعتها للمزارعين خلال الحملة الصيفية الأخيرة ، منتهية الصلاحية تماما . و لا يحتاج إثبات الأمر، إلى أكثر من قراءة تواريخ انتهاء الصلاحية، على العبوات الخارجية .
وآخر ضحايا الفساد ، ممثل سونمكس في اترارزة ، المختفي، الذي يؤمن من يعرفه، بأنه ضحية ، وليس جلادا ، وأن الجلادين مازالوا في مأمن عن المطاردة. فهل يعقل أن يكون هذا الكهل الودود ،البالغ من العمر نحو 60 سنة ، والذي اضطر أن يقترض، يوم اختفائه، 300.000 أوقية من تاجر، و 100.000 من أخر، هو المسئول عن اختفاء ما قيمته نحو 1.200.000.000 أوقية ،من الأسمدة ،أم أن الرجل المعروف بلين عوده، كان يتلقى، كما يقال ،أوامر شفوية ،مع وعد بالتسوية لاحقا ،حتى" اتسع الخرق على الراتق" ،او حتى وجدت " المجموعة " أن من مصلحتها ، إحراق طوق النجاة، لتدفعه الى الهروب، حتى تتمكن من تحميله أوزارا مع أوزاره ؟ ولعمري إن شخصا يحمل أوزار الإدارة التجارية لسونمكس لجدير بالشفقة ..!
فهل سينجلي ليل هذا الفساد، الذي تمطى بصلبة، وأردف أعجازا، وناء بكلكل ؟ أم أن فجر الحقيقة ما يزال بعيد المنال ؟ لست ادري ..! ولماذا لست ادري ؟ لست أدري ..!