أسدل الستار على القمة السابعة بعد العشرين للجامعة العربية التي استضافتها بعز وإباء، بلاد شنقيط مهد الحضارة العربية الإسلامية والثغر العربي المفتوح على إفريقيا.
لا غرو إن استضافت نواكشوط غير بعيد من جزيرة تيدره التي انطلقت منها منتصف القرن الخامس الهجري، دولة المرابطين العملاقة موحدة المغرب العربي وناشرة الإسلام
في غرب إفريقيا حيث دكت الوثنية وأرست وجودا حضاريا عربيا وإسلاميا لا يلين ولا يهون.
..قبس من التاريخ
ولا غرو أيضا إن قادت موريتانيا العمل العربي المشترك فمن أرضها الطاهرة، قاد الفاتح الإمام ناصر الدين، أمير المؤمنين: يوسف بن تاشفين اللمتوني الصنهاجي المشرع سلطانه من الخلافة الإسلامية المركزية ببغداد، دولة المرابطين التي مددت الوجود العربي الإسلامي في الأندلس أزيد من قرن ونصف بعد انتصارها الساحق في معركة الزلاقة الشهيرة.
ووقعت هذه المعركة كما هو معلوم، يوم الجمعة 12 رجب 479 هـ / 23 أكتوبر 1086)، وهي أول معركة كبيرة شهدتها شبه الجزيرة الإيبيرية في العصور الوسطى وإحدى أبرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي المجيد، استطاع فيها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قائد المرابطين يسانده جيش أندلسي بقيادة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية إلحاق هزيمة كبيرة بجيش قشتالي مسيحي بقيادة ألفونسو السادس.
الملثمون الأشاوس
هذه إذن، أرض الملثمين الذين وصفهم عبد الحميد الكاتب الأندلسي في القرن الخامس الهجري / العاشر الميلادي، بقوله:
قوم لهم شرف العلى من حمير**وإذا انتموا لمتونة فهم هم
لما حووا علياء كل فضيلة** غلب الحياء عليهم فتلثموا
وعن هذه الأمجاد يتحدث الأديب الألمعي الاستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف في نونيته الشهيرة التي تعد من عيون الشعر العربي عموما والشنقيطي خصوصا في العصر الحديث، فيقول بمناسبة انضمام موريتانيا لجامعة الدول العربية عام 1973م:
أي مجد يحتاج للتدوين ** أسوة المقتفي وأنس الحزين
خبريني يا أرض الاجداد عنه ** أنا مصغ إليك أن تخبريني
أنت أدرى يا أم منا ** فهلا بحت فينا بسرك المكنون
كل مجد يبنى من طين إلا ** مجد الاجداد لم يكن من طين
قد شهدت شم الجحاجح من لمتونة خلف القائد اللمتوني
زمر قادها الإمام أبو ** بكر تهدت بهديه المستبين
وكماة إلى الشمال تولى **هديها يوسف بن تاشفين
وأذاعوا بالعدوتين انتصارا ** عند الاسبان منه حق اليقين
..الخ القصيدة.
الدور العلمي الناصع
لقد بنى الشناقطة أبناء صحراء الملثمين حضارة عربية إسلامية عالمة في بلاد شنقيط، أرض البيضان التي انتشرت محاظرها ومدارسها شرقا وغربا وتخرج منها فطاحلة العلماء الذين وصفهم العلامة المختار ولد بونه الجكني بقوله:
ونحن ركب من الأشراف منتظم ** أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة ** فيها نبين شرع الله تبيانا
والشناقطة معروفون في الشرق في مصر في الحجاز في السودان في الأردن مشهورون حيثما حلوا وارتحلوا بالعلم والأخلاق والمعرفة.
يقول أحد شعرائنا المبدعين:
لنا العربية الفصحى وإنا ** أعز العالمين بها انتفاعا
فمرضعنا الصغير بها يناغي** ومرضعه تكورها قناعا
وهكذا فقد بهر علماء شنقيط بعلمهم الوفير وبأفهامهم الذكية، علماء المشرق فأذعونا لهم وسلموا لهم القياد في العلوم الشرعية واللغوية.
علماء وسفراء أيضا
تطول قائمة الأعلام الشناقطة على ذكرها هنا لكننا نقتصر منها على رجال عظماء بلغوا ما بلغوا من التصدر في العلم وأسلم لهم فطاحلة الشرق القياد منهم:
- العلامة سيدي محمود بن محمد أقيت الصنهاجي التنبكتي (ت 945 هـ) عم العلامة الحجة سيدي أحمد بابا التبكتي الذي أسره السعديون وبهرهم علمه وحفظه قبل أن يذعن له أجلاء فاس وغيرها من الحواضر.
- العلامة الشيخ سيدي أعمر الشيخ بن الشيخ سيدي أحمد الكنتي (ت 945) الذي سلم له السيوطي.
- العلامة كمال الدين محمد المجيدري بن حبيب الله الموسوي اليعقوبي (ت 1202 هـ) الذي بهر علماء المشرق عموما بقوة الحفظ والاستظهار، ويكفي للدلالة على مكانته أن صحح عليه الحافظ المرتضى الزبيدي كتابه "تاج العروس" الشهير في اللغة.
وعن مكانة العلامة المجيدري وعن ذيوع شهرته في اقطار العالم الإسلامي يقول العلامة الشيخ محمد المامي بن البخاري (المتوفى 1282هـ) في قصيدته الدلفينية الشهيرة:
وللمجيدري في الغبراء مرتبة ** سارت بها في الأقاليم الركابين
وقد استمرت رسائل علماء المشرق العربي إلى العلامة المجيدري تترى بعد عودته للبلاد، وقد صاغ ذلك تلميذه العلامة الشاعر المأمون بن محمد الصوفي المتوفي (1325 هـ) في أروع شعره منوها بتفوقه العلمي وداعيا إلى مساءلة ربوع يثرب وبطاح أم القرى عن مكانة شيخه، حيث يقول:
سل المدينة والبطحاء أي فتى ** يخبرك فيهما من عالم وولي
هل كان يدعى كمال الدين بينهما ** إن كان في المدن إلا غاية المثل
هذي رسائلهم يسعى بها أبدا ** من كان حج لبيت الله ذات قفل.
- العلامة الجلييل المجدد الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي (ت 1233 هـ).
- العلامة المصطفى ولد اطوير الجنة الحاجي الوداني (ت 1265هـ).
- العلامة محمد يحي الولاتي (ت 1330هـ).
- العلامة سيدي أحمد بن الأمين العلوي (ت 1331 هـ) مؤلف كتاب "الوسيط في تراجم وأدباء شنقيط"، أول كتاب مطبوع يعرف بالحياة الثقافية والأدبية والعلمية في بلاد شنقيط.
- العلامة محمد حبيب الله بن مايأبي الجكني مؤلف كتاب "زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم" وهو مجال لم يسبقه أحد للتأليف فيه.
- العلامة محمد محمود ولد التلاميد التركزي (ت 1323 هـ)، والذي ذاع صيته شرقا وغربا لما خصه الله به من علم ودراية والمعروف عند الأزهريين ب"الشيخ الشنقيطي".
- العلامة الشيخ محمد فال ولد بابه العلوي.
- الشيخ محمد الأمين بن فال الخير الحسني الشنقيطي (1351 هـ) الذي تصدى للمستعمر الأنجليزي في ظروف حالكة والذي أسس المدارس وأوقف الأوقاف في عدة مدن في الجزيرة العربية.
- العلامة الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار المعروف بآبهّ ولد اخطور اليعقوبي الجكني (المتوفى 1393هـ 1974م) الذي كان من كبار شيوخ المدرسين بالحرم النبوي الشريف وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة مجلس كبار العلماء بالعربية السعودية مؤلف كتاب اضواء البيان في تفسير القرءان بالقرءان وهو مؤلف لم يسبق له.
مواقف مشرفة
ولموريتانيا في العصر الحديث وقبل أن تنضم للجامعة العربية دورها الكبير في خدمة القضايا العربية والتصدي للتمدد الصهيوني.
ويجب ألا يغيب عن الأذهان اليوم بعد سبعة عقود من إنشاء الجامعة العربية أدوار قام بها رجالات أنجبتهم هذه الصحراء من الرعيل الأول أثناء مقاومة الاستعمار وانتزاع الاستقلال الوطني الذي حصلنا عليه تحت الخيمة التي تمثل حضارتنا والتي لا نجد غضاضة في انعقاد هذه القمة تحت أطنابها، ونحن متأكدون من أن رمزية الخيمة ودلالتها عند العرب لم تتناهى، وهو ما يجهله الوزير اللبناني الدرزي ابو فاعور من خلال هرطقته السخيفة مؤخرا بشأن تنظيم القمة تحت الخيمة ومدركون كذلك انه لم يتناهى الى سمعه مقولة أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبي:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ** وفي البداوة حسن غير مجلوب
ولا مقولة الأمير المجاهد عبد القادر بن محيي الدين الجزائري (امتوفى 1300هـ 1883م) الذي في قصيدته الشهيرة والتي يفضل فيها البداوة على الحضارة حيث يقول خلال اقامته في احدى القصور الملكية الفرنسية ابان نفيه الى فرنسا:
الحسن يظهر في بيتين رونقه *** بيت من الشعر أو بيت من الشعر.
أجل، من تلك المواقف المشهودة إذا المواقف التاريخية للزعيم الوطني أحمدو ولد حرمه ولد ببانه رحمه الله تعالى، وهي المواقف التي يجب على الجميع الاعتراف والتنويه بها مهما بلغ تباين المواقف والاجتهادات، يقول الشاعر:
الخير ابقى وإن طال الزمان به ** والشر أخبث ما وعيت من زاد
إذ أنه من اللازم ألا تغيب هذه المواقف العربية التاريخية عن العرب جيلا بعد جيل.
وفي مقدمة ذلك الموقف الجريء الذي اتخذه الزعيم حرمة ولد ببانه في البرلمان الفرنسي إذ عارض سنة 1948 تقسيم فلسطين وطالب فرنسا بوقف مساعداتها للكيان الصهيوني بل وهددها بأنها إذا لم تتخل عن مساعدة الصهاينة بأنه سيعود إلى موريتانيا ويعلن منها الجهاد في سبيل الله، وكان لهذا التدخل وقع كبير في البرلمان الفرنسي، حيث منحته صحيفة "لموند" الباريسية في عددها الموالي اهتماما كبيرا.
وقد استقال الزعيم حرمه ولد ببانا من الفرع الفرنسي للدولية العمالية احتجاجا على الاعتراف بإسرائيل، كما دافع من داخل قبة البرلمان الفرنسي عن قضايا التحرير في المغرب العربي وفي إفريقيا.
الرئيس المؤسس الأول وأدواره
أما أبو الأمة ومؤسس الجمهورية الاسلامية الموريتانية الأستاذ المختار ولد داداه رحمه الله تعالى، فقد ضرب عبر مواقف عديدة وتاريخية، الرقم القياسي في مجال النضال من أجل القضية العربية الأولى حيث رفض مصافحة غولدا مائير في ابيدجان بساحل العاج، وذلك رغم أن قمة اشتورا رفضت عام 1961 انضمام موريتانيا للجامعة العربية، فقال له مضيفه الرئيس هوفوت بونيي لم تفعل هذا والعرب لا يعترفون بك فرد عليه الرئيس الراحل "عروبتي لا أستمدها من الجامعة العربية".
وفي نفس السنة وبعد رفض قمة اشتورا دخول موريتانيا للجامعة العربية، كما ذكر الرئيس المؤسس، عرضت عليه إسرائيل في ذلك الظرف الصعب، عبر محام يهودي وسيط، إقامة العلاقات معها ما دام العرب يرفضون انضمام موريتانيا لجامعتهم، وذلك مقابل عروض مغرية؛ لكن الرئيس المؤسس رفض العرض الاسرائيلي بروح وطنية أبية وقال للوسيط "دعني وشأني مع العرب".
ثم قام الرئيس الراحل بعد حرب 1967، بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ثم قاد حملة قطع العلاقات الإفريقية مع إسرائيل التي لاقت صدى كبيرا.
وكان القرار التاريخي القاضي بتطهير أرض المنارة والرباط من الرجس الصهيوني البغيض هو القرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس محمد ولد عبد العزيز عام 2008 عندما أمر الجرافات بجرف سفارة العدو الصهيوني في رابعة النهار.
لا غرو إذن إذا هب من هؤلاء اسلافهم، لاستضافة القمة العربية في هذا الظرف الحالك من تاريخ الأمة.
ولا تعدو هذه المواقف كونها مواقف تعكس تشبث الشعب الموريتاني بعروبته واصالته بعيدا عن أية مؤثرات.
أجل، لقد كان انضمامنا للجامعة العربية متأخرا نسبيا لأسباب يضيق المقام عن استعراضها إلا أن هذا الانضمام شكل استثناءا في تاريخ الجامعة العربية، حيث حرص الزعيم الجزائري الراحل محمد عبد الرحمن بواخروبة المعروف بهواري بومدين رحمه الله تعالى الذي ترأست بلاده القمة عام 1973 أن يكون انضمام موريتانيا للجامعة على مستوى القمة العربية لا في مجلس الجامعة كما جرت العادة، ولعلنا الدولة الوحيدة التي حظيت بهذا الاستثناء، يقول الشاعر:
ولكنا حمدنا دهر ذاك واهله ** فاكرم به دهرا واكرم بهم اهلا.
انضمام وحلم
وقد كان هذا الانضمام انضماما مهما وجد فيه الموريتانيون ذواتهم داخل الخيمة العربية التي تمثل رمزهم واصالتهم التليدة، حيث كانوا متلهفين لذلك اليوم التاريخي الذي يجلسون فيه مع أشقائهم العرب في هيئة واحدة لمواجهة السراء والضراء، ووجدوا في هذا الانضمام كذلك تلبية لمطلب طالما حلموا به جيلا بعد جيل.. يقول العلامة كبير قضاة البلد الشيخ محمد سالم بن عبد الودود رحمه الله تعالى في هذا المنحى:
ما لي أراك رغبت عن آبائك ** أترينهم في المجد دون أولئك
هل أنت إلا مهرة شرقية ** يجري الدم العربي في أحشائك
ملاحظات على البيان الختامي للقمة
لقد كانت قمة نواكشوط ناجحة بجميع معايير النجاح ومقاييس التوفيق من حيث التنظيم ومن طابع التمثيل والإجماع الذي اكتنفها.
فمن جملة ما يؤخذ على إعلان نواكشوط خلوه من نص صريح على تأييد ودعم أحقية دولة الإمارات العربية المتحدة في جزرها الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى التي احتلتها إيران بالقوة منتهكة القوانين والأعراف الدولية وممتنعة عن جميع الوساطات في صلف غير مسبوق.
ولقد كان من اللازم أن تقف القمة وقفة أخرى أكثر حزما في وجه التدخل الإيراني السافر في الشئون العربية حيث أن إيران هي موقدة الحرب في سوريا واليمن والعراق، وهي التي تسعى لفرسنة الأرض العربية ولزرع الفتنة في أرض البحرين وفي لبنان، وتلوح بوضع يدها لتدنيس الحرمين الشريفين ضمن طموح صفوي قديم، ويأبى الله عن ذلك، كما أن إيران هي القوة الناشرة للمعتقدات الصفوية الضالة في كل مكان ولا هدف لديها إلا استهداف العرب السنة.
ولقد كان من الواجب على القمة العربية أن تؤيد توسيع وتفعيل القوة العربية المشتركة وأن تتخذ قرارا حازما لمأسستها دعما للجهود الرائدة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في جبهات عدة، ومنها اليمن حيث يعيث التحالف الحوثي الصالحي المدعوم من إيران فسادا في اليمن ويحرم شعبها من وصول ثورته لأهدافها في السلم والأمن.
وفيما يتعلق بالسودان، استغرب الجميع خلو إعلان نواكشوط من التنديد بمطالب المحكمة الجنائية الدولية الجائرة التي أظهرت الرشاوى الموزعة على بعض أعضائها أخيرا أنها محكمة فاسدة لا تمثل العدالة، كما لوحظ خلو الإعلان من المطالبة بتأييد الموقف السوداني من بعثة "اليوناميد" في دارفور التي تطالب السودان برحيلها بعد أن ثبت للجميع أن أعضاءها جواسيس لدول غربية معادية لوحدة السودان، وهو ما يتمثل في قيام "اليوناميد" بزوع الفتنة داخل دارفور وتشويه سمعة السودان الحقوقية وتجميع معسكرات اللاجئين في التشاد وتحريضها على الحكومة المركزية واستخدامها في الإعلام الغربي لتشويه سمعة السودان.
إن الذي نعتقده كما هو واضح هو أن الحملة المعادية للسودان تقف وراءها قوى صهيونية، ماسونية، صليبة معادية للتوجه العربي الإسلامي للسودان حكومة وشعبا، ومن الواجب أن يكون تعامل العرب معها خارج وداخل الجامعة العربية تعامل بعيد النظر وعميق التحليل، فالمستهدف ليس السودان بل نحن جميعا في المحصلة النهائية.
وإذا كانت ثمة ملاحظات ايضا على إعلان نواكشوط فهو خلوه من بعض القضايا المهمة مثل العناية القصوى بالثغور العربية ومن بينها الثغر الموريتاني المطل على الساحل الإفريقي والذي كان من اللازم أن تجعله الجامعة العربية ضمن مشمولاتها الأمنية والإستيراتيجية.
وفي الوقت الذي اشتكى إعلان نواكشوط من تجذر وتوسع الإرهاب الذي لا يبقي ولا يذر في المنطقة، والذي تصدت له موريتانيا بنجاح مشهود، لم يصل الوعي العربي لحقيقة ماثلة للعيان هي أن الذي يمكنه أن يتصدى للحركات الإرهابية وللجريمة العابرة هو حركات التحرر الوطني في المنطقة التي لو توفر لها الدعم اللوجستي، ولو حلت مشاكلها، لبسطت الأمن واستلت شافة الإرهاب وقطعت دابره، لأن هذه الحركات في مقدمة من يستهدفهم الإرهاب لكونها تحمل مشاريع سياسية وطنية ومتحضرة.
كما انه من الملاحظ ايضا غياب قضية تحرير أزواد التي تقودها الحركة الوطنية لتحرير أزواد وشقيقاتها في منسقية الحركات الأزوادية التي يجب أن تكون في صلب قضايا التحرير العربية شأنها شأن عرب الأحواز السنة الذين يعانون من تسلط وجور الأنظمة الإيرانية.
ومن المستغرب غياب جامعة الدول العربية عن مجموعة الاتصال الدولية التي تتولى الوساطة في الملف الأزوادي على غرار المنظمات الدولية والإقليمية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، التعاون الإسلامي إلخ..)، التي لم تتغيب عن هذه القضية السياسية التي تعني العرب والمسلمين قبل غيرهم.
وكان من اللازم ان لا يغيب عن الحكومات العربية ان اقليم ازواد جزء لا يتجزأ من بلاد شنيقط، قبل أن يتدخل المستعمر الفرنسي ويقسم شعوب المنطقة تبعا لمخططه الإستعماري الهيمني الذي أدى لضياع شعب أزواد حتى اليوم، وموريتانيا كما هو معلوم أحسن وصف لها هو ما قاله الرئيس المؤسس المرحوم المختار ولد داداه في بداية الستينات، حيث قال في مقولته التاريخية: "أن موريتانيا طائر لا يمكن أن ينهض بدون جناحيه وهما الصحراء الغربية وازواد".
فبالرغم من الجهود التي قامت بها الحركة الوطنية لتحرير أزواد خلال السنوات الماضية من اتصالات بالحكومات العربية المختلفة في شبه المنطقة وخارجها لإطلاعها على تطورات الملف الأزوادي، لم تجد القضية الأزوادية حتى الآن مكانها في البيت الرسمي العربي لأسباب مجهولة. لقد آن الأوان لمراجعة هذا الموقف المشين وإدراج القضية الأزوادية في صلب العمل العربي السياسي والديبلوماسي المشترك، تكفيرا للمؤامرة التي شاركت فيها لصالح نظام موديبو كيتا المالي والحكومات التي تلته، حكومات عربية مطلع الستينات ضد الحراك الوطني الأزوادي الرافض للذوبان الباهت في السودان الفرنسي والمتمسك بالجذور العربية الإسلامية لشعب أزواد العربي الصنهاجي الحميري...
لقد تجاهلت الحكومات العربية التي كانت تتصدر تاريخئذ، الواجهة العربية والتي يسير معظمها في الفلك الإشتراكي، نضال وتضحيات الأزواديين في سبيل الحفاظ على هويتهم العربية الإسلامية على غرار تجاهلها لشعب زنجبار الذي تعرض هو الآخر لإبادة جماعية على يد حكومة تنزانيا المسيحية.
لقد حرصت بعيدا عن أي اصطفاف سوى الاصطفاف مع الحق العربي، أن اقدم هذه الملاحظات حول قمة أسالت حبرا كثيرا ولا تزال تسيطر على واجهات وسائل الإعلام العربي والدولي حتى اليوم..
والله المستعان.