بدأت التوقعات المتفائلة، حول التحقيق الجاري في سونمكس، تفسح المجال لخيبات أمل، بدأت تتراءى في الأفق، مع التسريبات التي تتحدث عن تقزيم التحقيق، على المستويين العمودي والأفقي .
فهل تحولت لجنة التحقيق إلى رحى، تطحن قروناً، حيث تسمع جعجعة ولاترى طحناً ؟
في الأيام الأولى للتحقيق، بدأت رائحة ملفات الفساد في سونمكس والقطاع الزراعي، تزكم أنوف أعضاء اللجنة، ومعها بدأت آمال البسطاء في القطاع تتسع، مبشرة بانتهاء فوضى النهب والفساد، بعد أن أعطت الدولة القوس باريها، وبعد أن أظلنا زمان إنصاف الفقراء المعدمين من نهبة أموالهم . وتسربت عن مداولات اللجنة، أنباء الحديث عن ملف الأرز نصف المقشر، الذي كلف خزينة الدولة، أكثر من 10.000.000.000 أوقية، وعن ملف التعاونيات الوهمية، التي نهبت من خلالها، مبالغ نقدرها بنحو 12.000.000.000 أوقية، على مدى 4 سنوات، ناهيك عن فقدان ماقيمته نحو 1.200.000.000 أوقية من الأسمدة، من مخازن سونمكس . وبدا وكأن الشاعر كان يقصد لجنة التحقيق بقوله :
تكاثرت الظباء على خراش فمايدري خراش مايصيد
لكننا نخشى، أن تكون سفينة التحقيق بدأت تتعرض لاهتزازات موجات مراكز النفوذ العاتية، وتدخل مجالاً مغناطيسياً معقداً .
فهل هدى الله المفسدين، أم أفسد المصلحين ؟ أم أن للمحققين سقفاً محدداً " ومامنا إلا له مقام معلوم " .
على كل حال، التسريبات تتحدث عن أن التقزيم في التحقيق بدأ عمودياً، حيث بدأ الحديث عن أن التهم لم تثبت إلا على أضعف الحلقات، ممثل سونمكس، الذي يجعله ضعفه كبش فداء مثالياً، برغم قوة الخيوط، التي تقود إلى مواقع محصنة، يصعب اقتحامها ببنادق قانونية خفيفة .
أما على المستوى الأفقي، فقد بدأت التسريبات تتحدث عن تجاهل اللجنة، لملفي الفساد الكبيرين : التعاونيات الوهمية، والأرز نصف المقشر، للاكتفاء من الغنيمة بالإياب، والاقتصار على الملف الاصغر : الأسمدة المفقودة .
وهذا المنحى، إن صح، قد يكون أخف وطأةً على المحققين والمفسدين على حد سواء، لكنه بالتأكيد، ليس أخف وطأةً على سكان مقاطعتي مونكل، والمجرية، الذين تبلغ نسبة الفقر بينهم على التوالي %2،71 و %3،65 حسب مسح 2008 . كما أنه ليس بالتأكيد أخف وطأةً على سكان آدوابه، الذين مازال أغلبهم يعيشون خارج الزمن . فأدباي كلاكة على سبيل المثال، لم يذق طعم المياه الصالحة للشرب إلا قبل أسبوعين . ولم يصل إلى هذا "الإنجاز" الذي يعتبره تاريخياً، إلا بعد جهود مضنية، بذلناها على مدى عام كامل، عبر الجهات المعنية، برغم تأكد وزارة الصحة، عبر فحص أجرته، بناء على طلبنا، من أن مياه السد التي لايشرب أدباي غيرها، على مدى عقود، ملوثة بأربعة مواد ضارة بالصحة، وأنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي، حسب معايير منظمة الصحة العالمية .
وبرغم وضوح واقعه الأليم، لم يستطع أدباي كلاكة، الذي يبلغ عدد سكانه 1600 شخص، النفاذ إلى إدارة النفاذ، ولا الحصول على المياه من وزارة المياه، بسبب قصور الاعتمادات المالية كما قيل، إلى أن تضامن معه مشكوراً مدير تضامن . هذا برغم أن تكلفة البئر الارتوازية، لاتصل إلى نحو 20.000.000 أوقية !!
فكيف سينظر أدباي كلاكة، وغيره من آدوابه المحرومين، لتجاهل لجنة على هذا المستوى، لنهب نحو 22.000.000.000 أوقية، من الأموال العمومية ؟ فكم يحفر هذا المبلغ من الآبار الارتوازية، وكم يبني من المدارس ؟
وكيف نتوقع أن يبقى بلدنا آمناً مطمئناً، إذا استمر هذا المستوى من الغبن في توزيع ثمار التنمية !
أرى خلل الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام
فالدولة تستقيم على الكفر، ولاتستقيم على الظلم .
ولاشك أن بلادنا تحتوي على قدر غير قليل، من المواد الأولية اللازمة، لانتاج دولة فاشلة، تتفجر فيها الصراعات الاجتماعية . وهذا مايجعلنا بحاجة إلى حكماء، خبراء في تفكيك الألغام الاجتماعية، عن طريق ترسيخ العدالة والمساواة، لا إلى محققين " أعمالهم كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا " .