كان يا ما كان في الصحافة والإعلام من أسوء حكاية سياسية وأفظع شعارات الحرب على الفساد قصة فساد أسمدة سونمكس وخزائن مؤسسات الدولة، وضياع موارد الأمة وأرزاق الشعب، وتبارى السياسيون الراديكاليون والمعتدلون في غصة الغصة والحكاية في الصباح والمساء كل على شاكلته،
وربك أعلم بمن هو أصدق قولا في القصة وأهدى سبيلاً في التحليل والمعالجة لمشكلة الفساد ومعوقات بناء مؤسسات الدولة والوطن، وسيطرة قمقم السياسة ولعبة الفساد والقمع والاضطهاد التي أصبحت تداعياتها المزمنة هي المرجع الأساسي وسياسي لناهبي خيرات الوطن والمتلاعبين بمصالح الشعب، من من يلعنون المسؤولية والوطنية والعدالة والنزاهة ويعلنون أنهم هم السادة الحماة للوطن!!..
كان فقهاء السياسة والعمران وعلماء الاجتماع والصحافة يستنتجون ويقررون أن الأوطان تبنى بنصب ميزان العدل وبسط الحرية، وليس بتعميم الظلم وإشاعة ثقافة التمني والتجني، وإنما تبنى بالتزام روح القيم الإنسانية وبالمساواة وليس بالضغينة والأحقاد وتصفية الحسابات، تبنى بالحوار الجدي والايجابي والتفاعل البناء، وليس بالقطيعة والمقاطعة والمحاصرة للشركاء، والإلغاء للخصوم والمخالفين من كل وجود في مؤسسات الوطن، واستبدال ذوي الخبرة والكفاءة بأصحاب التزلف والولاء من من لا خبرة لهم في الإدارة والتسيير، ولا علم لهم بفنون سياسة وقيادة الشعوب؟.
صراخ ألم الفساد الأمني والإداري والاقتصادي وحتى المجتمعي، أصبح يهدد الوجود والكيان، ويناشد السياسيين والفاعلين أن يوقفوا مغامراتهم ورهاناتهم، ويتواضعوا من أجل انتشال وإنقاذ وطنهم وإنسانهم المطحون المغلوب على أمره تحت ضغط صنوف الفساد وأنواع المظالم، وأن يكونوا على قدر المسؤولية والتحدي في هذه اللحظة، ويبادروا إلى مشروع وطني جامع لإنقاذ بلدهم الذي يكبله الفساد وتتهدده الأزمات الداخلية، والضغوط الأخرى الخارجية الإقليمية الأشنع فعلا وتأثيراً والدولية الأوسع والأسرع وقعاً، والأنكى مكرا والأخبث تخطيطاً، سادتي لوطننا المهدد،علينا دين مستحق ينبغي سداده دون تسويف أو طمع أو هلع أو تأخير؟!.
حوادث الإخفاقات السياسية وكوارث الفساد المالي والإداري المتتابعة الظهور والمتلاحقة التأثير والأثر، تظهر لنا خطورة تداعيات كل ذلك على الوطن، الأمر الذي يدعو عاجلاً لا آجلاُ إلى التوافق بين الفر قاء السياسيين والفاعلين في السلطة والإدارة وهو الأمر الذي يبدوا أنه صعب ودونه خرط القتاد، وأن تعطيل المبادرات وإسقاط الدولة هي عمليات مستمرة بفعل ما نشهده من استمرار وحدة المنازعات والخصومات النكدة والفاجرة والتي لا فكاك من وقعها على تنمية الوطن وبناء إنسانه، وهي خصومات تعلو وتائرها وتخف بحسب المزاجيات الشخصية لا بحسب مصالح المواطن وقضايا الوطن، فيما البلد في خطر، والدولة في خطر، وهذا لم يعد سرا خافيا حتى على عامة الشعب ؟.
وهذه القضايا بأثرها ووقعها أصبحت هي حديث المتحدثين من السياسيين وغير السياسيين، وما يعبر عنه أكثر من طرف، و الأسئلة فيه تكاثرت والأجوبة تكاد تكون معدومة، فلا أحد يعرف ما يخبئه المستقبل لمصير هذا البلد الذي دخل فعلا مرحلة المخاطر الجدية الاجتماعية والاقتصادية والمالية، وبعد تلك الهزات المجتمعية والفساد الإداري والمالي الكبير-اسنيم- سونمكس-الخزينة في الولايات والعاصمة- الصفقات المشبوهة في كل المؤسسات المالية والاقتصادية والإدارية- ومؤسسات التعليم الجامعات والمعاهد-الأحداث ذات الطابع الفئوي والعرقي وحتى القبلي؟!
الفساد ينتشر، والمخاطرتدق الأبواب، والمواطن البسيط يطحن في تعليمه وصحته ومعاشه، وأهل السياسة منشغلون بحساباتهم وصراعاتهم على سراب السلطة، وأحلام البحث عن المشاركة في إدارة أو على الأصح نهب ما بقي من جيفة الدولة، واهمة هي تلك الأصوات القليلة في هذا الوطن التي تظن أنها قادرة على إعادة بناء الدولة، في ظل سيطرة أصحاب الفساد المهيمن على كل شيء حلو وجميل وفاعل ومؤثر في هذا المجتمع المثخن بجراح الفساد والخيبة، وضياع الدولة المنهوبة في مواردها، والمنكوبة حتى في مفهومها ؟
وفي ظل هيمنة وسيطرة ذلك الانقسام الخطير بين الطبقة الفاعلة، والذي أحدثته نزوات البعض، في الزعامة والسلطة، ونزعاتهم القبلية والجهوية والطائفية والأيديولوجية المذهبية، وهو ما يعني أننا أمام حالة يائسة وبائسة لا يمكن تجاوزها طالما أن هؤلاء السياسيين الفاشلين المتسلطين غير مستعدين لتقديم أي تنازل من أجل مصلحة المواطن وإنقاذ الوطن، ومصرون على إذلال وخذلان هذا الشعب المسكين، وتضيع هذه الدولة، وتجريدها من أدنى مقومات البقاء والوجود والنهوض، يدفعهم إلى ذلك انعدام المسؤولية وارتهانهم لمصالحهم الضيقة وغاياتهم التي دائما ما تكون على حساب لقمة العيش للناس الذين أصبحوا اليوم في حالة مأساوية يتكففون معاشهم اليومي فلا يجده الكثير منهم؟!
في حكم السياسة الشرعية، يقول منطق التجربة والواقع: أن الرعية على قلب الأمير، وأنه كما تكونوا يول عليكم، وفي تراثنا الشعبي تساءلت الذاكرة: (لعياط إلى قام من راص الكديه لهروب أعلين)،إذا كنت مهددات وطننا، ومصائب شعبنا مبعثها قادتنا والفاعلين في حياتنا ومن يرى أنهم ساستنا، فمن أين يكون الفرج والمخرج لنا، ومن أين جاءت في الأصل للوطن مصائب الفساد والضياع والظلم، ومن الذي وقع ظلمه على المواطن العادي، أليس القائمون على السلطة هم أصل الداء وسر البلاء، فمن يمارس الفساد في السياسة والظلم في الإدارة والسرقة في الاقتصاد، والرعية على قلب الأمير، فالموظف الصغير في الدولة يمارس الفساد، ويشرعن له بدعوى أن المسؤول الأكبر منه يمارس الفساد الأكبر من فساده، والرئيس يجعل الدولة مزرعة خاصة به، فيعطي وظائفها لمن يشاء من أنصاره يسرقون وينهبون ويفسدون، ويحرم المعارضين له من كل وظائفها، وحتى بعض الخدمات البائسة الجائحة التي ما زالت تبدوا وكأنها تقدمها تجارة لأنصاره ونكاية بخصومه؟!
أليس الرئيس هو المسئول الأول عن الدولة ووظائفها، وبسط الأمن وحماية الحرية وترسيخ العدالة ونشر التعليم وخدمات الصحة والماء والكهرباء لجميع المواطنين ؟ أليس هو المسؤول تعييناً وترقية عن أولئك المسؤولين والموظفين الذين يمارسون الفساد وينشرون الظلم، ويسرقون المال العام للبلد، وأرزاق وأقوات الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين والعاطلين عن العمل، ويوزعون هذه المرة وبعدالة الفساد والظلم والحرمان والتميز بين المواطنين الذين لا يستطيعون حيلة لدفع الظلم، ولا يهتدون سبيلاً لانتزاع الحقوق ونيل المكاسب؟!
كل يوم تطالعنا وكالات الأخبار ووسائل التواصل بعظائم الفساد السياسي والإداري، وفجور نهب المال العام وتضيع حقوق المواطن من شركة الخطوط الجوية إلى الشركة الوطنية للصناعة والمناجم إلى شركة تازيازت إلى مؤسسات التعليم إلى الصفقات العامة والخاصة إلى سرقات الخزائن إلى تركيع رجال المال والأعمال إلى مصادرة خيارات الناس وحرياتهم وغلق مؤسساتهم إلى اغتصاب الساحات العامة وبيع المدارس إلى فضائح فساد شركة سونمكس المتكررة وغير المنتهية بما عرف بفضيحة الأسمدة، أليس كل اللصوص والفاسدين الفاعلين هم من أنصار الرئيس،وأعوانه وأغلبهم هو من عينه في تلك الوظائف المدرارة، أليس الرئيس هو المسئول عن كل ذلك، والنبي- صلى الله عليه وسلم – يقول:" كلكم راع ومسئول عن رعيته"، فيا من ابتلاه الله بالمسئولية العامة والخاصة عن هذ الشعب ودولته سيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز تذكر أنك أنت وموظفوك ومواطنيك ملاقوا ربكم وسائلك عن الحقير والجليل من تصرفاتهم في الدولة وعن الحقوق والمظالم وأن الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأن الزاعمين لدعمك والولاء لنظامك، خانوك بحياتهم سرقة وفسادا لموارد بلدك وأرزاق مواطني بلدك، وغدا بين يدي الله تبرز أفعالهم وتظهر العداوة والبغضاء بينك وبينهم، ولا ينجيك من تبعاتهم تبرؤك منهم ولا ينجيك ذلك من تبعات أفعالهم، والتي قد ينجيك منها محاسبتهم اليوم في الدنيا وأنت عليهم قادر بالدولة والسلطة وإعلانهم الولاء والطاعة لك ؟!