لقد وفق الرئيس محمد غلام ولد الحاج الشيخ في اختيار التوقيت المناسب للتقدم بالمقترح المناسب، وإذا ما قدر لهذا المقترح أن ينفذ فإننا بذلك سنكون أمام الحدث السياسي والنضالي الأبرز خلال السنوات الأخيرة.
إن هناك حججا وأدلة كثيرة يمكن تقديمها لإبراز أهمية هذا المقترح الذي تقدم به نائب رئيس حزب تواصل،
ومن بين هذه الحجج والأدلة يمكننا أن نذكر:
1 ـ إن من بين الحجج التي برر بها التواصليون مشاركتهم المنفردة في انتخابات 23 نوفمبر 2013 هو أنهم أرادوا بتلك المشاركة أن يحافظوا على مناضليهم وعلى بعض القيادات الحزبية التي لا يمكن لها أن تقاطع الانتخابات في دوائرها الانتخابية، وذلك بسبب الصراعات والتجاذبات المحلية. لقد شهد حزب تواصل بعد مشاركته في انتخابات 23 نوفمبر انسحابات لشخصيات وازنة، وربما تكون هذه الانسحابات هي الانسحابات الأكثر أهمية في تاريخ الحزب. إن استقالة العمدة السابق لتوجنين والنائب الحالي للطينطان قد بينت بأن المشاركة في الانتخابات قد لا تشكل ضمانا كافيا للاحتفاظ بالقادة الحزبيين.
2 ـ برر التواصليون مشاركتهم في انتخابات 23 نوفمبر 2013 بأن سياسة ترك المقاعد فارغة لا تخدم المعارضة، ولا تخدم المواطن. وقد قالوا في ذلك بأن ممارسة المعارضة من داخل البرلمان والمجالس البلدية لابد وأنها ستنعكس إيجابا على حياة المواطنين. ما يمكن تسجيله هنا، ونحن نقترب من اكتمال ثلاث سنوات على انتخابات 23 نوفمبر هو أن حال الحريات العامة قد ساء كثيرا من بعد انتخابات 23 نوفمبر، وأن الفساد قد زاد وأصبح أكثر وضوحا، وأن النظام قد أصبح أكثر دكتاتورية وأكثر بطشا من بعد انتخابات 23 نوفمبر، وهو ما يعني بأن منتخبي تواصل لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا خلال السنوات الثلاث الماضية لمواجهة هذا التدهور الحاصل في كل الأصعدة. وهنا قد يقول قائل بأن هذا التراجع كان سيحصل حتى ولو كان الحزب خارج المؤسسات التشريعية والبلدية. هذا قولٌ صحيح، ولكن أليس من الأفضل للحزب المعارض أن يكون خارج مؤسسات النظام من أن يكون داخلها إذا ما كان التدهور سيحصل في كل من الحالتين؟ لقد بذل الحزب ومنتخبوه جهودا كبيرا لكسب ثقة النظام الحاكم، وحاولوا بكل الوسائل أن تتاح لهم الفرصة من أجل القيام بمهامهم الدستورية، فشاهدنا بعض نواب الحزب يصطفون المنكب بالمنكب والساق بالساق مع نواب الحزب الحاكم لاستقبال الرئيس ولمصافحته. ولم تفلح حكمة زعيم المعارضة ولا أخلاقه الرفيعة في تفعيل دور مؤسسة المعارضة، فلم يسمح لهذه المؤسسة بأن تقوم بالحد الأدنى من مهامها الدستورية، بل أنها حرمت حتى من بطاقة دعوة لحضور مشاروات السابع من سبتمبر، والتي كان يدعى لها كل من هب ودب، وحرمت كذلك من بطاقة دعوة من الدرجة الثانية أو الثالثة لحضور افتتاح قمة نواكشوط.
3 ـ من الحجج التي تم تقديمها لتبرير المشاركة في انتخابات 23 نوفمبر 2013 حجة تقول بأنه على حزب تواصل أن يبتعد عن الاصطدام بالسلطة، خاصة في مثل هذه الظرفية العربية والدولية البالغة التعقيد. إنه ليس من الإنصاف أن نطلب من حزب تواصل أن يكون على رأس الحربة في مواجهة السلطة في مثل هذه الظرفية البالغة التعقيد، ولكن سيبقى أيضا من الأنانية السياسية أن لا يقبل حزب تواصل بمقاطعة انتخابات قاطعتها كل الأحزاب المعارضة في المنسقية، وأن لا يقبل من بعد ذلك بأن يسحب منتخبيه ليشارك ـ ولو من بعد سنتين ـ في الفاتورة الكبيرة التي دفعتها والتي ما تزال تدفعها الأحزاب المعارضة التي قاطعت انتخابات 23 نوفمبر. ومن قبل أن اختم هذه النقطة، فلابد من القول بأن المشاركة في الانتخابات ليست بوليصة تأمين ضد بطش النظام الحاكم، فالنظام الحاكم قد أثبت بأنه أشد تنكيلا بأولئك الذين يقدمون لها خدمات، وإذا ما عدنا إلى حزب تواصل فسنجد بأن تواصل لم يتعرض للمعاملة السيئة من طرف النظام إلا من بعد مشاركته في انتخابات 23 نوفمبر، ولكم أن تتذكروا هنا ما حل بجمعية المستقبل، وما تعرض له رئيسها من معاملة غير لائقة من طرف الجناح الإعلامي والمخابراتي للنظام الحاكم.
4 ـ لقد أصبح من شبه المؤكد بأن البرلمان وبقية المجالس والهيئات المنبثقة عن انتخابات 23 نوفمبر سيتم حلها في وقت قد نراه قريبا وقد يراه نواب تواصل بعيدا، ولذلك فإنه قد يكون من الحكمة ومن الذكاء السياسي أن يسارع التواصليون إلى تقديم استقالتهم من قبل أن تتم إقالتهم من طرف السلطة، فعليهم أن يقولوا الآن : "بيدي لا بيد عمرو" .
إن الاستقالة الجماعية لنواب حزب تواصل في مثل هذا الوقت ستحول أخطاء المشاركة المنفردة في انتخابات 23 نوفمبر إلى انتصارات كبرى. أما التقاعس عن تقديم الاستقالة فإنه لن يغني ـ بأي حال من الأحوال ـ عن الإقالة، وهو بالإضافة إلى ذلك سيضع الحزب في موقف انتخابي حرج عند أول استحقاقات قادمة.
على التواصليين أن يعلموا بأنهم أمام فرصة تاريخية ثمينة قد لا تتكرر أبدا، وبأن الاستغلال الأمثل لهذه الفرصة يفرض على نوابهم أن يتقدموا باستقالة جماعية يثبتوا من خلالها بأنهم على استعداد لأن يضحوا بمصالح حزبية ضيقة (لن تعمر طويلا) من أجل المصلحة العامة للوطن ولديمقراطيته المتعثرة.
فهل سيفعلها نواب تواصل؟
ليتهم يفعلوها.
حفظ الله موريتانيا..