حوض آركين .. بين الرد الموريتاني وقرار اليونسكو / الهيبة ولد سيد الخير

شكل حوض آركين عبر التاريخ منطقة تواصل وتبادل اقتصادي بين أوربا وغرب إفريقيا، لقد كان البرتغاليون أول من  أسس لهذه الشراكة  في أوج قوة بحريتهم ،حيث استقروا في الجزيرة سنة 1442 وشيدوا حصن آركين ،و قد شمل التبادل الصمغ العربي جلود الحيوانات والعبيد والذهب  وشكلت هذه الجزيرة 

بما تحويه من موارد شباك تبادل بين الشمال والجنوب ،وفي هذا السياق  المحموم بالتكالب علي الموارد بين القوي الاستعمارية جنحت سفينة مديز Méduse الفرنسية نتيجة خطأ ملاحي يوم 2 يوليو سنة  1816 ولتنتهي بمأساة وصمت الذاكرة الجمعية الأوربية لفترة طويلة لتعم شهرة آركين الآفاق.
حوض آركين محمية وطنية طبيعية تغطي مساحة 12000 كم مربع  موزعة بين اليابسة والماء ويعد اكبر المحميات الحرية في إفريقيا ،تم إنشاء الحوض بطلب من عالم الطبيعيات الفرنسي تيودور مونود ،حيث تمت الاستجابة له عام 1976 بالمرسوم  147 76 -  الصادر بتاريخ 24 يونيو سنة 1976.
لا تقتصر المحمية علي المجال البحري فقط بل تضم مجالا ارضيا يغطي مساحة 5700 كم مربعا بينما يشكل المجال البحري 6300كم مربعا  وتجدر الإشارة إلي أن جزيرة تيدرة هي الحد الشمالي الأخير من الشواطئ الإفريقية  لشجرة القرم كما يوجد ما يقرب من 450 كم مربعا من النباتات البحرية مثل Zostera noltii et Cymodocea nodosa .
بداية العالمية:
حوض آركين تلك السبخة الموحلة التي تم إعلانها حظيرة وطنية محمية أساسا نظرا لأهمية تنوع تجمعات الطيور التي تأوي إليها، ففي هذا الحوض نجد ملايين الطيور من البجع الأبيض والخطاف الملكي والبقويق الأشقر والنحام الوردي ،كما تضم أنوعا حيوانية هامة كالسلحفاة البحرية الخضراء Chelonia mydas والمدرجة علي لائحة UICN  للأنواع المهددة بالانقراض، وبعض الثدييات البحرية الأخرى الهامة وثدياتات أرضية كبيرة مهددة كالغزال Gazella dorcas .
شقت  المحمية طريقها بجدارة  لتصبح موقعا من مواقع  معاهدة رامسار الخاصة بالمناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية  عام 1982، ثم إرثا عالميا طبيعيا طبقا للمعيارين التاسع والعاشر حسب اليونسكو سنة 1989، وبعد ذلك تم تقديمها كهدية رمزية لقمة الأرض بريو دو جنرو عام 2001 و المنظمة من طرف الصندوق العالمي للطبيعة WWF. 
مهدت عالمية المحمية الطريق أمام  تأسيس المنظمة الدولية لحوض آركين FIBA وفقا للقانون السويسري سنة 1986 بمبادرة من Luc Hoffmann والعديد من المنظمات العاملة في مجال البحث العلمي وحماية البيئة لتوفير الدعم  المالي والمشورة العلمية للحوض ليتوسع نشاط المنظمة ليشمل كل غرب افر يقيا حيث تدير وتدعم الشبكة الجهوية للمحميات البحرية لغرب إفريقيا.
بالرغم من أن المحمية استفادت من تمويلات عديدة ،وأجريت فيها دراسات كثيرة، لكنها فشلت في تطوير السياحة البيئية مما جعلها تدمن علي المساعدات الدولية.  
العالمية في خطر
ظلت النظم البيئية في  محمية آركين في توازن بديع، تميز باستغلال مستدام للموارد من طرف ساكنة امراكن ،إلا أن ذلك التوازن أصبح مهددا اليوم بفعل الأنشطة الاقتصادية المختلفة وسوء تدبير القائمين علي الشأن البيئي في بلادنا، مما دفع اليونسكو إلي إرسال بعثة للتقصي والمتابعة للاطلاع علي حجم التجاوزات المرتكبة ،خصوصا أنها دأبت منذ 2002 علي توجيه ملاحظات متعلقة بجملة مخاطر لم يأخذها الجانب الموريتاني بالحسبان.
نشرت البعثة تقريرها وضمنته 18 توصية تري أن تطبيقها السريع ،شرط ضروري للمحافظة علي القيم العالمية الفريدة للمحمية ،بمعني آخر بقاء اعتبارها كتراث عالمي.
جملة ملاحظات حول التوصيات:
يلاحظ فشلُ القائمين علي الشأن البيئي في بلادنا في فهم أبجديات صناعة القرار البيئي العالمي ،وتمثل ذلك في محاولة إبعاد التحالف الدولي للطبيعة UICN من لجنة التقصي ،فهذا التحالف هو بمثابة القيم علي البيئة علي كوكب الأرض ولا يمكن تجاوزه؛
يبدو من خلال التوصيات بان الجانب الموريتاني لم يتقبل بعد بأنها محمية تخضع للقوانين الدولية  ،والتي تسمو علي القوانين المحلية ، فبرتوكول معاهدة اليونسكو و معاهدة رمسار يحددان آليات استغلالها والضوابط والتدابير اللازم احترامها،فكل نشاط من شأنه أن يؤثر عليها ولو كان خارج حدودها يحتاج إلي موافقة أمناء المعاهدتين   ؛
شملت الملاحظات خروقات داخل المحمية وخارجها مثل:
 إنشاء طريق انوامغار  دون إجراء دراسة تقيم اثر بيئي ودون موافقة المحمية ودون إخطار لجنة ارث اليونسكو ،بالرغم من أن الفقرة 172 من البروتوكول تنص علي ذلك بوضوح ،كما أن بناء محطات لتحلية المياه في المحمية تم بدون احترام المسطرة المذكورة آنفا، يمما يعكس ضعف أداء المحمية وتخبط القائمين علي الشأن البيئي؛
 تعمير مدينة الشامي علي حدود المحمية  من شانه أن يضرها خصوصا بان ذلك تم دون مشورة المحمية ودون إجراء دراسة تقييم اثر بيئي؛
 تعتبر البعثة بان الصيد علي مستوي المحمية لم يعد مقتصرا علي امراكن، بل أصبح نشاطا اقتصاديا ويضر بعض أنواع اسماك القرش ،كما أن الصيد البحري الجائر خارج المحمية بدأ يؤثر علي عليها؛
 تشكل  الأنشطة المتعلقة بالصناعات الاستخراجية المعدنية حول المحمية تحد إضافي ،خصوصا ما يتعلق بتازيازت كتدبير السيانيد ومشروع جلب مياه المحيط لمصنع تازيازت ،كما أن أنشطة التنقيب عن البترول وبناء ميناء اسنيم لتصدير الحديد تعتبر كلها أنشطة قد تضر المحمية بشكل كبير.
 يسبب النقل البحري مخاطر جمة للمحمية مما يتطلب إدراجها لدي اللجنة الدولية للحماية البحرية OMI كمنطقة هشة PSSA؛
 تشير التوصيات إلي ضعف تدبير المحمية فالرعي الجائر والقنص يسببان تدهور الأنظمة البيئية الأرضية؛

التقرير الوطني المتضمن إجراءات تطبيق التوصيات والمقدم لاجتماع الدورة 40 في اسطنبول تركيا 10-20 يوليو \2016

تضمن التقرير الموريتاني 9 فقرات مذيلة بجدول يحدد الإجراءات المتخذة، وتلك قيد الانجاز، كما يحدد الخطوات التي ستنجز لاحقا، وبالرغم من أن التقرير اعترف بوجاهة توصيات لجنة اليونسكو ،إلا انه مع ذلك ركزّ علي الترسانة القانونية الوطنية والدولية المصادق عليها ،و علي التدابير الإجرائية المنصوص عليها عند تنفيذ المشاريع في بلادنا، والتي تتواءم نظريا مع المعايير الدولية، ليتناسى أن المشكلة تكمن أساسا في عدم احترام النصوص،مما قلل من أهمية الرد الوطني فجاء كمحاولة مبطنة لتفنيد ملاحظات اقر بوجهاتها وأهميتها.

قرار لجنة الإرث العالمي التابعة لليونسكو والمنعقدة في اسطنبول 10-20 يوليو \2016

ثمنت اللجنة التقدم المنجز في إطار تطبيق التوصيات، وخصوصا تقديم الحكومة الموريتانية لطلب تصنيف تخوم منطقة آركين كمنطقة بحرية هشة لهيئة الملاحة البحرية الدولية ،كما حثت السلطات العمومية علي الاستمرار في  إشراك الساكنة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالحظيرة، إلا أن اللجنة طالبت الجهات المعنية باحترام بنود المعاهدة، مما يعني أن أي نشاط داخل الحظيرة أو خارجها من شانه أن يؤثر عليها ،يجب أن يتم بالتوافق مع اليونسكو ،كما يجب أن يكون بعد إجراءات تقييم اثر بيئي ،وهذا يعني أنشطة تازيازت وتعمير مدينة الشامي وعمليات استكشاف واستغلال البترول والغاز وطريق نوامغار وعمليات الصيد خارج المحمية!،كما طلبت اللجنة تطبيق كامل التوصيات_ مما يعني عدم الاقتناع بالخطوات المنجزة والتي حملها التقرير _ وتقديم تقرير بذلك قبل فاتح دجمبر 2017 ليتسنى تقديمه للجنة في دورتها  سنة 2018.
جوهر المشكلة
لقد ظلت حظيرة آركين بعيدة عن الأنشطة التنموية ،وقد وجد فيها الساسة مصدرا للتمويلات الأجنبية ووسيلة دعاية للاهتمام بالبيئة ، دون أن يترتب علي ذلك ثمن يذكر، إلا أنها اليوم أصبحت في أعينهم عبئا ثقيلا وجب التخلص منه، ويبقي السؤال كيف سيتم ذلك ، دون تأليب الرأي العام البيئي العالمي وفي ظل معاهدات دولية الخروج منها أصعب من الدخول !؟ . 
يصعب فهم عدم احترام السلطات العمومية لتعهداتها، فالتجاوزات كبيرة جدا ،خصوصا أنها أكدت حرصها علي استمرارية الحظيرة، فهل هي عائدة إلي ضعف القطاع الوصي وعدم قدرته علي تنبيه الساسة الحالمين بطبعهم، أم أنها سياسة الأمر الواقع للتمهيد للخروج من المعاهدات وإلغاء المحمية أو الاكتفاء بالبعد الوطني لها، خصوصا أن محميتي جاولنغ وشات بول تقعان في منطقة غنية بالموارد وقد يتكرر الأمر معهما .

 

22. أغسطس 2016 - 7:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا