لا يوجد أقوى من الخوف كسلاح أول لأي ديكتاتور فهو الطاقة الوحيدة القادرة على إخضاع الفرد وجعله يصدق كل شيء ، ف" للخوف سلطان عظيم على النفس والبدن، يجعلهما في وضع شلل كلي أو جزئي، ويغطي العقل بحجاب غليظ من الوهم والضياع والوهن ويمنع كل فعل خلاق"ـ كما
أوضح الدكتور حماه الله السالم (1)في مقاله ضد "الخوف الكبير " ــ لعلها الحقيقة الإنسانية السائدة في نفوس جماهير شعب موريتانيا فهم يصدقون كل شيء ، فكل جموع الشعب تسكنهم درجة من درجات الخوف ، الخوف من المجهول.. الخوف من الفشل.. الخوف من سلطة استبداد النظام القائم .. الخوف من البطش والإقصاء والملاحقة ، وبزيادة الخوف تتناقص صفات كالجرأة والإقدام والحرية والشفافية والمصداقية والثقة فيغدو الفرد إثر ذلك فاقدًا للكرامة والشخصية ، فلا يشعر إلا بالخواء والخيبة والظلام ، ويتحول الحاكم إلى أسير لإرادة التسلط والاستبداد نتيجة ضعفه ، ومنذ بداية المأمورية الثانية للنظام العزيزي غدت إستراتيجية نشر الخوف في صفوف الجماهير أحد أهم الاستراتيجيات التي ينتهجها لترسيخ دعائم حكمه التسلطي.
وتتعرى تجليات معالم إدارة موريتانيا من خلال إستراتيجية نشر الخوف في ظل النظام العزيزي بازدياد قمعه لمعارضيه وتفننه المتشدد في تضخيم حجم دور الأجهزة الأمنية والإستخباراتية ، فكلما ازدادت شراسة نظام حكم في القمع زاد الاعتماد على إستراتيجية الخوف واتسع مداها .
وتعتمد أذرع النظام الموريتاني العزيزي اعتمادا كليا على إستراتيجية نشر الخوف في صفوف الجماهير لتثبيت حكمه المنهار متجاوزا عصر معلمه الديكتاتور معاوية ولد سيد أحمد الطايع في الاستبداد وهدر الحريات ، فالشعب الموريتاني جميعه يكاد يجزم أن عزيز سيء للغاية ، ولكن الخوف المبثوث في نفوسه من عدم الاستقرار بعد انقضاء مأمورياته المحددة دستوريا يفرض عليه القبول بهيمنته على الحكم رغم انزلاق البلد في أسوء فترة على مر تاريخه السياسي منذ نشأة الدولة الوطنية .
ويحترف النظام العزيزي ككل الأنظمة الديكتاتورية العسكرية بالاعتماد على مفردات صناعة الخوف كما عددتها ناعومي وولف طبقا لقاعدة ميكيافيللي "من الأفضل أن يهابك الناس على أن يحبونك" (2) وذلك من خلال انتهاج الاستراتيجيات العشر لنشر الخوف في صفوف الجماهير(*):
1 ــ الإستراتيجية الأولى / استدعاء أعداء خارجيين داخليين : لا يمكن للطغاة نشر الخوف في صفوف الجماهير دون تجسيده في صورة أعداء وهميين داخليين وخارجيين، فعندما يخاف الناس يكونون أكثر استعدادًا لقبول إجراءات تنتقص من حرياتهم الشخصية، بل حتى من مقومات حياتهم الأساسية، ، فعزيز يصور لعامة الشعب أن كل العالم من أمريكا إلى إسرائيل مرورا بفرنسا يتآمرون على حكمه "لرفضه سياساتهم" التي لا تتوافق مع مصلحة البلد "الحريص عليها" ، ويسعى الأعداء الخارجيين المتوهمين من خلال دعم عملائهم في الداخل لجرنا إلى الانقسام والتقاتل فيما بين الموريتانيين لتتحول موريتانيا إلى ليبا أو سوريا ، كما يبث عزيز في نفوس الشعب الخوف من بعبع القاعدة كعدو خارجي وأننا معرضون في أي وقت لاحتمالية تفجير دوي بالعاصمة يحصد الأرواح والمباني ، و يخيفنا بالبعبع الداخلي "فالسُّلط المستبدة تحرص على تعزيز الشعور العام بالخوف من كل شيء، من المجتمع نفسه، ما يكرس خوف كل طائفة وقبيلة وجهة من كل طائفة وقبيلة وجهة أخرى، ثم يتحول الخوف إلى كراهية عميقة، تجعل الجسم الاجتماعي قابلا للكسر والتركيع، وقبول كل الخيارات، خشية طغيان الطرف الآخر وانتقامه، يسود الجميع خوف أصم ليس فيه حس ولا معنى، فتموت روح المجتمع ويصبح مجموعة سكانية يشار إليها بالأرقام، تماما كالشوارع والساعات، ونزلاء السجن، ما يلغى هويتها الإنسانية" (3)، فالنظام العزيزي يعمل بكل أدواته لنشر هذه الفزاعات التخويفية بين الشعب لكي يظل يستحكم في رقاب الجماهير ، فقلما يتحدث أحد أبواق النظام إلا وهدد الشعب بخطورة مآلاتنا نحو مستقبل سوريا أو اليمن ، فالأمور بالبلد حسب توهمهم لا يمكن أن تسير على ما يرام إلا إذا قبلنا القبول باستمرار النظام العزيزي رغم ما يحمله من بؤس للبلد والمواطن .
2 ـ الإستراتيجية الثانية / إنشاء شبكة خاصة للقمع : ولعل شهادات التعذيب الممارس ضد معتقلي إيرا لانتزاع المعلومات ، ومنع الشيخ باي من طبيب لمعاينة الآلام بظهره وتوفير الدواء له وظروف السجن الصعبة التي يعيشها الرفاق مصطفى وحامد وجمال بالسجن المدني كلها نماذج حية على القمع خارج دائرة الرقابة مما يفضح حقيقة النظام العزيزي القائمة على بث الرعب والخوف في صفوف الجماهير .
3 ـــ الإستراتيجية الثالثة /استخدام شبكات للمسلحين : فلم تكتفي أجهزة النظام الموريتاني بنشر الخوف من خلال أجهزته القمعية بل أطلق العنان لحاملي السلاح ـ غزوة مندرين أنموذجا ــ يسرحون ويمرحون بدون أي وجه شرعي لبث الرعب في صفوف الجماهير .
4 ـــ الإستراتيجية الرابعة / مراقبة الجميع : فينبغي أن يشعر الجميع أنهم مراقبون "النظام العزيزي يراقبك "، فالأجهزة السرية المشكلة للنظام عرفت امتدادا لم تعرفه من ذي قبل في أي نظام حكم عرفته موريتانيا ، ولعل فضائح التنصت والرقابة التي تورط فيها مستشار الرئيس بحق كل المناهضين للنظام بل وحتى الوزراء خارج حلفه تنبؤنا بأن الجميع بات يشعر أنه مراقب في كل حين ، فقلما تتصل على البعض إلا وأخبرك أن هاتفه الشخصي أو هاتفك مراقب ، فمستشار التنصت أثار رعبا في نفوس جموع الشعب فغدى كل واحد يرى أجهزة الرقابة مسلطة عليه .
5 ــ الإستراتيجية الخامسة /السيطرة على المنظمات و الأحزاب و الجماعات : قد تكون في وقت ما في حاجة لمن يدعو الناس إلى السلام باعتباره فضيلة كبرى، وفي وقت آخر قد تكون الحرب هي الفضيلة، فلا أحد بإمكانه أن ينشر الخوف في نفوس الجماهير كرجال الدين ، وفي جمهوريات الخوف، ربما تجد أغلب الجماعات والأحزاب مخترقة من قبل السلطة..... فمهما كانت مساحة الحرية، يجب أن يشعر الجميع أن الأمور تحت السيطرة. (4)
6 ــ الإستراتيجية السادسة / لعبة الاعتقال و الإفراج : أو كما يطلق عليها لعبة القط والفأر ، فالكثير من الأفراد تم اعتقالهم بدون أن تتم إدانتهم اعتقلوا لمدة أيام بدون أن تتم إدانتهم ، وتتسع لعبة القط والفأر يوما بعد يوم ، اعتقله ثم أفرج عنه لكي يعلم أنه معرض للاعتقال في أي لحظة ، ونالت الحركات الشبابية والحقوقية المناهضة للنظام حظها المستوفى من لعبة الاعتقال والإفراج .
7 ــ الإستراتيجية السابعة / استهداف الرموز : غالبًا ما تحيط الجماهير الرموز بهالة من التقدير والقداسة، فاستهداف الرموز يجعل الناس يشعرون أن الجميع مهددين، وأنه لا سقف للسلطة في الحفاظ على مصالحها ، فكل رمز أو قائد معرض للانقضاض عليه بالهجوم وتضخيم أخطائه وتشويهه وشيطنته ، فموسيليني قام باستبعاد كل الأكاديميين وعمداء المعاهد الحكومية الذين رفضوا التجاوب مع خطته الفاشية، الأمر ذاته فعله هتلر في ألمانيا وبينوشيه في تشيلي، والحزب الشيوعي في الصين، فامتد القمع ليطال المتعاطفين من هؤلاء الأكاديميين مع زملائهم وطلابهم (5) ، الأمر ذاته ما يقوم به وزير التعليم العالي الدكتور ولد سالم بإعادة هيكلة المؤسسات الجامعية بإصدار قوانين تتوافق مع توجهات السلطة، ليشعر الأكاديميين أنهم يدينون للسلطة أكثر من أي شيء آخر، لأنها تملك إبقاءهم في مناصبهم أو ترقيتهم أو استبعادهم بشكل كامل، أو حتى إيداعهم في السجون.
8 ـــ الإستراتيجية الثامنة /السيطرة على الصحافة- التليفزيون : لا يمكن للدولة أن تسيطر على الناس بحق دون أن تحكم السيطرة على ما يلقى في عقولهم، جميع الديكتاتوريات فعلت ذلك بداية من إيطاليا في العشرينات، وألمانيا في الثلاثينات، وألمانيا الشرقية في الخمسينيات، وتشيكوسلوفاكيا وديكتاتوريات الشرق الأوسط العسكرية في الستينيات، وديكتاتوريات أمريكا الجنوبية في السبعينيات، والصين وروسيا، وغيرها الكثير ، فالحقيقة هي العدو الأول ، لا حصانة لأحد فالجميع مستهدف حتى لو كنت صحفيًّا(6)، فلم تبخل الهابا جهدها لسبيل تقييد الإعلام تحت دعاوي واهية حتى تتحكم السلطة فيما يقدم للناس، ف 6 محطات تلفزيونية اليوم من أصل 7 محطات تلفزيونية بموريتانيا كلها قريبة من السلطة مما يعطي تدليلا أن مساحة الرأي المعارض تحت السيطرة.
9 ــ الإستراتيجية التاسعة / توسيع دائرة الخيانة و العمالة : فدائرة تهم الخيانة والتجسس أصبحت فضفاضة إلى أبعد الحدود تلاحق الجميع بدءا بالنشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين إلى المدونين المزعجين للنظام ، فالجماهير عادة لا تتعاطف مع عميل أو خائن ، فستالين كان يلقب معارضيه “أعداء الشعب”،والأمر ذاته نهج النظام العزيزي فكل من يمثل له بعبعا ينال حظه إما من العمالة للخارج أو التخوين أو التخابر ، ولعل ضعف التعاطف مع إيرا بعد الأحكام الجائرة أكبر تدليل أنه كلما وصمنا أحدا ما بتهم كالخيانة و العمالة والتجسس و التخابر فإن الناس لا يمكن أن تتعاطف معه أو يقل تعاطفها معه .
10 ـــ الإستراتيجية العاشرة / القوانين الاستثنائية : فنظام عزيز مرر من القوانين الجائرة ما لا يعد ولعل أسوءها قانون الميمات الثلاثة ، فيمكن للحكومة أن تتحدث عن سيادة القانون كما شاءت، ففي النهاية فهي التي تضع القوانين ، فقد نشهد غدا أو بعد غد حالة طوارئ يعلنها عزيز قد تستمر لشهور بل وسنوات .
هكذا يتجلى بوضوح أن نظام عزيز يعمل بكل جهده لأن لا يعلو أي صوت فوق صوت ضرورة استمراره في الحكم حفاظا على "الاستقرار وإنقاذ موريتانيا" فلا يبخل النظام العزيزي شيئا عبر جميع أذرعه في التواصل الاجتماعي وفي المحطات التلفزيونية و الإذاعات والمواقع في بث الخوف بجموع الشعب لتحفيز مشاعر الخوف مما هو قائم والقلق المستمر من مستقبل ما بعد عزيز ، ولعل كل حماقة وغباء النظام العزيزي أن يرتكز حكمه على الحكم بالخوف واستخدام أدوات البطش ، متناسيا هو ومستشاريه أن هذا النهج هو الأسرع لانهيار أي نظام حكم وسقوطه مهما كانت قوته ، فانتهاج نهج إستراتيجية الخوف لن يجني منه النظام القائم إلا الفوضى والنهاية بدل الاستقرار الذي يتوهم أنه سيعم بعد أن ضيق الخناق على كل الحركات الميدانية كإيرا وحركة 25 فبراير بالسجن بنشطائها في السجون .
على المناهضين للنظام القائم إزاء نهج نشر الخوف المتعمد من طرف النظام أن يجددوا إرادة التمرد على عقدة الخوف فمن غير المستساغ أن تخرج جموع الشباب في الموجة الأولى للحراك الشبابي بموريتانيا 2012 وتكسر جدار الخوف ، و يعمد النظام العزيزي من جديد على بناء جدار عقدة الخوف محاولا عبثا السيطرة على الشعب باستخدام شتى الطرق لإحكام قبضته على مقدرات وطننا .
بجملة خاتمة معركة إنهاء حكم عزيز مسؤولية الجميع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هوامش المقال ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حماه الله السالم : أستاذ بجامعة انواكشوط / دكتوراه في التاريخ ،
(2) فريق عمل ساست بوست / صناعة الخوف : الاستراتيجيات العشرة للحكومات لنشر الخوف في صفوف الجماهير http://www.sasapost.com/fear-industry/
(*) : اعتمدنا بشكل كبير في هذا المقال على الاستراتيجيات العشرة للحكومات لنشر الخوف في صفوف الجماهير كما هي ، مع محاولة إسقاط هذه الاستراتيجيات على الحالة الموريتانية بالتطبيق .
(3)السالم (حماه الله ) : ضد "الخوف الكبير " مقال منشور في موقع أقلام حرة : http://www.aqlame.com/article30270.html
(4 ) فريق عمل ساست بوست : مرجع سبق ذكره
(5) فريق عمل ساست بوست ، مرجع سبق ذكره
(6) فريق عمل ساست بوست ، مرجع سبق ذكره