طالعتُ في بيان مجلس الوزراء الأخير بأنه قد تم تجريد رئيس مركز إداري من مهامه، وبأنه قد تم إنهاء مهام أمينين عامين، وبأنه قد تم تعيين رئيس جديد لسلطة تنظيم النقل الطرقي، وهو ما يفهم منه إقالة رئيسها السابق، وقد تكون هذه مناسبة لأن أتساءل من جديد عن الفرق بين التجريد والإعفاء وإنهاء
المهام والإقالة؟ وهل هناك آثار قانونية تترتب على التجريد ولا تترتب على الإقالة العادية أم أن الأمر يتعلق فقط بمجرد مصطلحات يتم استخدامها وفقا لتقلبات المزاج السامي لسيادة الرئيس؟
المتتبع لعمليات التجريد من المهام التي تمت في عهد النظام الحالي سيخرج بنتيجة مفادها بأن التجريد من المهام لا تترتب عليه أي آثار قانونية، ولا يؤثر سلبا على سمعة الموظف ولا على مساره الوظيفي، حاله في ذلك كحال الاختلاس وسرقة المال العام، فكشف اختلاس الموظف لم تعد تترتب عليه أي آثار قانونية، ولا أي تبعات، إلا في حالات نادرة ومحدودة جدا يمكن اعتبارها بأنها تشكل الاستثناء الذي يؤكد صحة القاعدة. نفس الشيء يمكن أن نقوله أيضا عن الأوسمة التي يتم منحها في المناسبات الوطنية، والتي لم تعد لها هي أيضا أية قيمة ولا أية دلالة.
ولمن أراد منكم بأن يتأكد بنفسه من أن التجريد من المهام، وكشف السرقات، ومنح الأوسمة، بأن كل هذه الأمور لم تعد لها أي دلالة ولا أي معنى في العهد الحالي، فما عليه إلا أن يتأمل في الحالات التالية:
(1)
في يوم الخميس الموافق 26 أغسطس 2010 تم إنهاء مهام السيد محمد الأمين ولد داده، مفوض حقوق الإنسان و العمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، وذلك بموجب مرسوم صادر عن الرئاسة، وفي يوم الأحد 10 يونيو من العام 2012 تم الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع غرامة قدرها 76 مليون أوقية، وفي يوم الأربعاء 26 دجمبر 2012 تم الإفراج عنه بحرية مؤقتة، وذلك من قبل أن يكمل سنواته الثلاثة، وفي يوم 15 أغسطس من العام 2016 تم تعيينه مكلفا بمهمة في الرئاسة.
(2)
في العام 2006 تمت إقالة با يحيى بوكار من وظيفته بالبنك المركزي، وفي العام 2009 تم تجريده من رئاسة اللجنة المركزية للصفقات بسبب تهم تتعلق بالفساد حسب ما تداولته الصحف والمواقع في ذلك الوقت. وفي يوم 14 فبراير من العام 2013 تم تعيين هذا الموظف المجرد من مهامه وزيرا للإسكان والعمران والاستصلاح الترابي.
(3)
في البيان الصادر عن مجلس الوزراء المنعقد يوم الخميس 24 مارس 2011
تم إعفاء السيد عبد الدايم ولد المصطفى من مهامه كحاكم لمقاطعة انبيكت لحواش هذا الحاكم الذي تم إعفاؤه من مهامه في ذلك التاريخ يشغل الآن منصب الحاكم المركزي لمقاطعة ألاك.
(4)
في يوم الخميس الموافق 26 أغسطس 2010 تم إنهاء مهام الدكتور محمد ولد عيه الذي كان حينها يشغل وظيفة مدير عام للمستشفى الوطني. هذا المدير الذي تم إنهاء مهامه رشحه الحزب الحاكم في انتخابات 2013، وهو يشغل الآن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالجمعية الوطنية.
(5)
في يوم الخميس الموافق 19 نوفمبر 2009 تم تجريد مدير الميزانية السيد زيني ولد أحمد الهادي من مهامه، هذا الموظف المجرد من مهامه تم تعيينه من بعد التجريد مديرا لقطاع الدراسات والبرمجة في منطقة نواذيبو الحرة، وذلك من قبل أن يتم ترشيحه في انتخابات 23 نوفمبر من طرف الحزب الحاكم ليصبح من بعد ذلك نائبا ورئيسا للجنة المالية بالجمعية الوطنية.
(6)
في يوم الخميس الموافق 15 أكتوبر2009تم تجريد مدير العمران السيد جكانا إساقا من وظائفه، وهذا الموظف الذي جرد من وظائفه ذات مجلس وزراء تمت ترقيته ذات مجلس آخر، وهو يشغل الآن منصب الأمين العام لنفس الوزارة.
(7)
في يوم الخميس 31 يوليو 2014 تم إنهاء مهام مدير المدرسة العليا للتعليم السيد عالي ولد اعلاده، وقد جاء التجريد بعد إصدار المفتشية لتقرير تحدث عن اختفاء 30 مليون أوقية من ميزانية المدرسة العليا للتعليم، وفي يوم الخميس 02 إبريل من العام 2015 تم تعيين السيد عالي ولد اعلاده مديرا عاما للمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء.
(8)
في يوم الخميس 5 نوفمبر 2009 تم تجريد مدير الزراعة السيد محمد ولد النمين من مهامه بسبب تقرير للمفتشية، وفي 14 مايو 2015 تم تعيين هذا الموظف المجرد من مهامه في منصب المستشار الفني المكلف باللجنة الدائمة لدول الساحل لمحاربة التصحر.
(9)
في يوم الخميس 5 نوفمبر 2009 تم تجريد المدير العام للإذاعة السيد حمه ولد اسويلم من مهامه، وفي يوم الخميس 30 دجمبر 2010 كان الإجراء الخصوصي الوحيد الذي تم اتخاذه في ذلك المجلس هو إنهاء مهام الأمين العام للوزارة المكلفة بالتشغيل والتكوين المهني السيد محمدن ولد سيدي الملقب بدن. وبعد ذلك التجريد وهذا الإنهاء فقد تم تعيين حم ولد أسوليم ناطقا رسميا باسم اللجنة المستقلة للانتخابات، في حين تم تعيين محمدن ولد سيدي (بدن) مديرا للانتخابات واللوازم بنفس اللجنة.
(10)
في يوم 14 فبراير من العام 2013 تم تعيين السيد محمد ديدي رئيسا لمجلس إدارة ميناء الصداقة، وتم تعيينه من بعد ذلك رئيسا لسلطة تنظيم النقل الطرقي، وقد تزامن ذلك التعيين مع تعيين محفوظ ولد السملالي مفتشا عاما للدولة، والذي كان قد تم تعيينه في يوم 19 فبراير 2013.
ومن اللافت أن الموظفين اللذين تزامن تعيينهما يشتركان أيضا في كونهما قد تم تجريدهما أو إقالتهما في عهد ولد الطايع بتهم تتعلق بالفساد. فأحدهما كان قد تم تجريده بسبب التلاعب بالقطع الأرضية، والثاني بسبب تزوير ونفخ الأرقام والمؤشرات الاقتصادية.
ولكي تتأكدوا بأنه لا فرق بين التجريد والإقالة العادية في قاموس النظام الحالي، فيكفي أن تعرفوا بأن السيد محمد ديدي الذي تم تجريده في عهد ولد الطايع لم يتم تجريده في آخر بيان لمجلس الوزراء في العهد الحالي، وذلك على الرغم من أن مفتشية الدولة تطالبه بإعادة 108 مليون أوقية. وعلى ذكر مفتشية الدولة، فلماذا تمت إقالة المفتش الذي كان يتولى ملف الأسمدة، فهل السبب يعود إلى أنه تجاوز الحدود المسموح بها في عملية التفتيش، أم أن سبب الإقالة يعود إلى تقصيره في مهمته وإلى محاولة إيقاف التفتيش من قبل أن يكتمل؟ وإذا كان السبب يعود إلى تقصير المفتش فلماذا لم نسمع عن إقالات أخرى في الشركة؟
تلكم كانت مجرد أمثلة عن عبثية التعيينات وعن عمليات إعادة الاعتبار للمجردين من مهامهم ولولا الخوف من الإطالة لجئتكم بأمثلة أخرى. أما فيما يخص عبثية التوشيح ومنح الأوسمة فإني سأكتفي هنا بتقديم المثالين التاليين:
(11)
في شهر ديسمبر من العام 2009 تم اعتقال رجل الأعمال محمد ولد أنويكظ بتهمة نهب المليارات من الأوقية فيما عُرف حينها بملف البنك المركزي، وفي يوم 28 نوفمبر من العام 2015 تم توشيح ولد أنويكظ بوسام فارس في نظام الاستحقاق الوطني.
(12)
في يوم 28 نوفمبر 2009 تم توشيح رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو بوسام كوماندوز في نظام الاستحقاق الوطني، وبعد ذلك التوشيح سيتم اتهام ولد بوعماتو من طرف السلطة بالفساد وبالتهرب الضريبي.
حفظ الله موريتانيا..