الإرهاب ظاهرة كونية تضرب بأطنابها في جميع أصقاع وبلدان الكرة الأرضية تقريبا فلا يكاد يخلو بلد أو منطقة من آثاره المدمرة، وبصمات الإرهابيين باتت محل تتبع ودراسة من قبل مراكز الدراسات والمحللين والمتابعين والأفراد العاديين بسبب تكرار وقوع العمليات وبشاعتها وتنوعها ولكونها
تصنع الحدث على شاشات التلفاز والصفحات الأول للصحف والجرائد وتشغل الناس وتثير اهتمامهم.
و ليس هناك ماهو أبشع من الإرهاب والتخريب وإثارة الحقد وإشاعة القتل والتدمير بسبب التطرف والغلو والرغبة في القتل والانتقام أو النهب أو السعي إلى فرض أمر سياسي أو غير سياسي بوسائل يرفضها العقل وتأباها القيم الدينية والإنسانية الصحيحة.
إن موريتانيا تعد إحدى أكبر الدول مساحة في إفريقيا خاصة إذا ما نظرنا إلى علاقة عدد السكان باتساع المساحة، وتمتد حدود البلاد على طول 6000 كيلومتر مع دول الجوار، وهو ما يشكل عبئا أمنيا واستراتيجيا كبيرا. كما أن موريتانيا أصبحت منذ مدة هدفا للهجرة غير الشرعية والحركات الإرهابية للعبور إلى أوروبا.
وقد انتشرت التنظيمات الإرهابية وتكاثرت كالفطر بشكل رهيب في العالم، ولم تكن منطقتنا استثناءا على القاعدة فقد نشأت العديد من التنظيمات منذ بداية القرن 21 ونشطت في التهريب والمخدرات وتجارة السلاح على حدود بلدان منطقة الساحل والصحراء. فقد تأسست الجماعة السلفية للدعوة والقتال في المنطقة في العام 1998 وغيرت اسمها لاحقا إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ونشأت منظمات كثيرة أخرى في هذا البلد الجار أو ذلك من أنصار الدين داعش وغيرها.
لقد اكتوت بلادنا بنار الإرهاب منذ عقد من الزمن حيث نفذت على أرضنا عمليات إرهابية في القاعدة العسكرية بلمغيطي في 4 يونيو 2005، والغلاويه في 27 ديسمبر 2007 وتورين في 9 سبتمبر 2008 ونواكشوط في 6 و 7 إبريل 2008 وآلاك في 24 ديسمبر2007، وقتل المواطن الأمريكي في العام 2009 وفجر انتحاري نفسه بمحاذاة السفارة الفرنسية في العاصمة، و وقعت عملية طريق نواكشوط – نواذيب و سجلت حادثة النعمه في 2010. إلا أنه منذ ذلك الوقت والحمد لله وبلادنا في منأى عن العمليات الإرهابية.
زرعت هذه العمليات الغضب والاشمئزاز في نفوسنا جميعا بسبب شناعتها وهمجيتها التي تفوق ما يقوم به اللصوص والأشرار من أعمال هنا أو هناك. واجه جيشنا الوطني بشجاعة وحنكة محاولات الإرهابيين في نواكشوط وعلى الحدود الموريتانية الطويلة مع جارتينا في الجنوب والشرق ودحر محاولات الإرهابيين البائسة إدخال السيارات المفخخة إلى العاصمة نواكشوط ونجح إلى حد بعيد في تحييد خطر الإرهاب.
و رغم أن النجاح في استئصال الإرهاب والعنف مرتبط بمعالجة أسبابه واجتثاث وتجفيف منابعه فإن الكثير من الدول والمجتمعات لم تنجح في معالجته ما يخلفه من جرحى وما يتسبب فيه من خسائر وذلك عائد في جزء كبير منه إلى عدم التفكير في الأسباب والعواقب على المدي المتوسط والبعيد لما يتم اتخاذه من إجراءات يعتقد خطأ أنها رادعة و قاصمة لوأد العنف المسلح، بل إن استراتيجيات مكافحة الظاهرة على المستوى العالمي لم يثبت فقط فشلها بل إنها ساهمت إلى حد بعيد في توسع انتشار الظاهرة وتطور أدواتها ووسائلها بشكل جنوني لا يضاهيه ربما إلا عبثية الطرق والأساليب التي يستخدمها الإرهابيون و منفذوا العمليات الانتحارية. غير أن بلادنا كما ذكرنا آنفا نجحت إلى حد بعيد في تحييد الخطر الإرهابي ولك عائد إلى تبني استراتيجية أو مقاربة أمنية وطنية تقوم على رؤية موضوعة وسيناريوهات محتملة للقضاء على الإرهاب وإبعاد خطره عن موريتانيا.
فكما واجهت موريتانيا الإرهابيين بنجاح بلغة السلاح ورفعت من جاهزية الجيش الوطني وزودته بمختلف المعدات والأسلحة وعملت على تحقيق التكامل والنمو المتوازي في القدرات بالنسبة لقوى الأمن من شرطة ودرك وحرس وقوات مسلحة لعصرنتها، قامت كذلك بإنشاء نقاط حدود تزيد على الخمسين في مختلف نقاط العبور وهي نقاط مجهزة بنظام تقني يستخدم النظام البيومتري المتطور.
كما جاءت الترسانة القانونية الموريتانية متكاملة وشاملة لمعالجة هذه الظاهرة حيث شملت سن التشريعات والقوانين التالية المتعلقة بالجريمة ومكافحة العنف والإرهاب:
القانون رقم 35-2010 الصادر في 21 يوليو 2010 الذي يلغي القانون 47-2005 بتاريخ 20 يوليو 2005 الصادر في 2005 المتعلق بالإرهاب؛
القانون الثاني 48255 المتعلق بمعاقبة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛
القانون الثالث 36-2010 الصادر في 21 يوليو 2010 المكمل لقانون 2007 الإجراءات الجزائية المتعلقة بالأشخاص 36-2007 بتاريخ 17 2007 الإجراءات الجزائية لتسيير الأشخاص المشتبه فيهم؛
والقانون 35-2003 بتاريخ 17/06/2003 معاقبة المتاجرة بالأشخاص؛
وقانون 21-2010 بتاريخ 03/02/2010 مكافحة تهريب المهاجرين غير الشرعيين؛
هناك أيضا المرسوم 260-2011 بتاريخ 24 يونيو 2011 طرق إنشاء فرق مكافحة الإرهاب والقطب القضائي والنيابة المتخصصة في الإرهاب.
إن المقاربة الأمنية الموريتانية تسعى إلى تحقيق أهداف عدة في وقت واحد تبدأ من الوقاية والاستباق والحوار والتعاون الإقليمي والدولي (مسار نواكشوط) و تفعيل دور القضاء والقانون حيث أنشئ في نواكشوط قطب قضائي مختص بكل ما يجري على التراب الوطني ويقدم معلومات عن كل ما يجري والتعاون مع كافة الأطراف للقضاء على الخطر الداهم.
وقد اعتمدت الحكومة الموريتانية منذ العام 2008 نهجاً يقوم على الحوار والمراجعة الفكرية من طرف المدانين في قضايا الإرهاب والعنف وذلك لمواجهة هذه الظاهرة الجديدة متعدّدة الجوانب بغية احتواء انتشار التطرّف العنيف. حيث شجعت السجناء السلفيين على الانخراط في الحوارات والنقاشات الدينية حول العنف والتمرّد في الشريعة الإسلامية بل إنها رعت هذا الحوار من خلال بعض الأئمة والفقهاء حوارا هاما مع هؤلاء في بداية سنة 2010. فقد شهد شهر يناير 2010 الافتتاح الرسمي للحوار مع الجهاديين المحتجزين. وعلى مدى أسابيع، قاد العلماء المعركة الفكرية للتصدّي للعقلية التي تضفي الشرعية على العنف والإرهاب. وفي نهاية هذه الحوارات والمناقشات عاد الكثير من المدانين بأحكام قضائية إلى صوابهم وأقروا بمراجعة أفكارهم والتوبة عن سلوكهم العنيف السابق.