بلدياتنا ومسيرة التعثر/ محمد ولد الطالب ويس

البلدية هي الجماعة الإقليمية القاعدة للدولة وتتمتع بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة وهي كذلك القاعدة للامركزية، ومكان لممارسة الوطنية، وتشكل إطار مشاركة المواطن في تسيير الشؤون العمومية وذلك لأنها الإطار المؤسساتي لممارسة الديمقراطية على المستوى المحلي والتسيير 

الجواري،  وتعتمد البلدية ماليا على الضرائب والهبات والتوأمات وما تقدمه الدولة من دعم في شكل ميزانيات، وضريبة السكن وغيرها من الضرائب هي ضرائب تفرضها المجالس المحلية (البلديات) على  السكان وذلك مقابل الخدمات البلدية المقدمة لهؤلاء مثل الأمن والتعليم والصحة والنظافة والطرقات وتنظيم الأسواق والفضاءات والمنتزهات، وهذه الضرائب في الأصل حق للدولة تنازلت عنه للبلديات دعما لللامركزية وتقريبا للخدمات من المواطن ولجعل المواطن فاعلا ومشاركا في ترتيب أولوياته وإبراز عبقرياته ومنافسا إيجابيا لخدمة مجتمعه، والأهم من ذلك أن تحيل الدولة  بناء وتعمير المدن والقرى إلى مجالس محلية منها من المفترض أن يجعلها ضمير الانتماء للأرض و للساكنة تتنافس في إبراز عبقرياتها في خدمة مجتمعاتها أكثر من الدولة، ولم تقتصر الدولة في دعمها للمجالس المحلية على التنازل عن حقها في الضرائب بل خصصت لها ميزانيات و فسحت لها مجال الشراكة مع المنظمات والهيئات الدولية والوطنية مما لا يترك لها عذرا في بقاء بلدياتها في وضعيات مزرية لا تليق بما يُدار من قرب ومن بعد، وإن كانت تجربة المجالس المحلية قد آتت أكلها في العالم المتمدن ولمعت أسماء عُمد دوليين من خلال تسييرهم لشؤون بلدياتهم وتحولوا من ساسة محليين إلى ساسة وطنيين ودوليين استحقوا بها بجدارة التربع على عروش أوطانهم وعروش الهيئات الدولية الهامة والأمثلة من ذلك كثيرة، فإن بلدياتنا وعمدنا غاصوا إلى الآذان في وحل الانحطاط وسوء التسيير وغياب الوازع والضمير، والشره والنهم والتنافس في بناء الذات وعدم الاكتراث بالشأن العام، فمنذ 1986 لا نستطيع في آلاف العمد الذين تولوا تسيير شؤون بلديات الوطن وحتى الآن أن نجد عمدة واحدا استطاع أن يحول بلديته إلى قطب تنموي وسياحي، لا نستطيع أن نجد عمدة واحدا استطاع أن يمتلك القدرة على تنظيف بلديته على الأقل، لا نستطيع أن نجد عمدة واحدا استطاع أن يتجاوز مرحلة التهجي المحلي المتعثر، " الناس إبل مائة لا تجد فيها راحلة "، فأي سياسي وطني اليوم اكتسب زخمه وشعبيته من خلال تسييره لبلديته؟ لكننا في المقابل نجد أسراب العمد الذين ابتلى الله بهم العباد والبلاد منذ 86 وحتى اليوم قد تحولوا من حالة الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش، قد تحولوا من نكراتٍ إلى معارف تصول وتجول قد ألهبوا ظهور الناس بالضرائب المجحفة، قد تسولوا لدى المنظمات الدولية والمحلية، قد سمنوا بعد عجف، وانتفخوا بعد انكماش، والطامة الكبرى أنهم لا يشعرون بالخجل قد ماتت لديهم كل المشاعر، يتبدون للناس وكأنهم أبطال لا يستحضرون أن النِّعمَ التي تغطي أجسامهم مسروقة من أقوات الفقراء، مسروقة من الصدقات على الفقراء، لا يستحضرون أن كل قطرة من الدماء التي تجري في عروقهم المروية، وكل شحمة ولحمة من أجسامهم الندية هي مُلْكٌ لغيرهم من فقراء يستعف النمل عن التسكع على أقواتهم!!! " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "، كل هذا والدولة لا تعيد النظر في قطعان المفترسات هذه، كل ما انتهى موسم تم الترخيص للذي يليه.

5. سبتمبر 2016 - 22:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا