العلامة ابن بيه مدرسة رحمة و إحسان و أنس بالله تعالى ، أنعم الله بها على هذه الأمة في هذا الزمان الموحش ، فوالله لو أن القوم نهلوا منها و انتفعوا بها و اتبعوا ما تدعوهم إليه لنجوا جميعا .
يقول ابن بيه : يا أيها الشباب الذين تحملون السلاح في وجه بعضكم البعض لا تقتلوا أنفسكم و المسلمين معكم ، ما هذه بطريق الجنة ، ارموا السلاح و أحِلُّوا محله الرحمة
و المحبة و السلام ، اتركوا التدمير ، و اقصدوا التعمير ، انهزموا لوجه الله ، فاحقنوا دماءكم و دماء المسلمين معكم , لا تسوقوا أمتكم للانتحار , لا تخرقوا سفيتها في عرض بحر الفتن ..
طاقاتكم أيها الشباب لا يجوز أن تذهب في قنوات العدم التي لا تنتج إلا عدما ، لا تنازعوا البقاء ، فتنازع البقاء يؤدي إلى الفناء !
المسلم الجيد هو المواطن الجيد ، و دور العلماء و العقلاء هو إطفاء الحريق الذي شب في النفوس ، و إطفاء حرائق النفوس يحتاج عقلا و حكمة ، يحتاج رحمة و بصيرة ، لذلك وجب على العلماء توحيد الخطاب و تكاتف الجهود من أجل إطفاء الحريق و إنقاذ الغريق ، العلماء لا يملكون كتائب و لكن يملكون كتبا ، لا يملكون عصائب و لا عصابات ، لكن ينبغي أن يكونوا عصبة عقلاء .
بضاعتنا يقول ابن بيه هي هذه ، نقدمها للناس كافة ، لجميع الأطراف ؛ أن هذا دينكم ، دين إفشاء السلام ، و بذله للعالم ؛ كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه ، و أن العبث ليس بدين و لا شريعة !
تنازلوا جميعا من أجل أنفسكم و دمائكم و أوطانكم و أهليكم ، تحاوروا ، تحاججوا ، لكن لا تظالموا و لا تقاتلوا و لا تخاصموا و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم .
لقد جربتم السلاح و كبح الجماح و كسر القداح و نكأ الجراح ، فماذا حققتم ؟ لا شيء طبعا سوى البكاء و النحيب و الهدم و التخريب ، قست القلوب و تشعبت الدروب و سادت الويلات و الكروب ، و ما عاد لكم احتكام لشرع و لا عقل و لا منطق , تصافحوا , تصالحوا , فلا أحد سينقذكم غير عقولكم و الرجوع لرحمة دينكم .
هذا هو ابن بيه و ذاك خطابه و سلوكه منذ البداية و تلك دعوته التي لا عداوة فيها لأحد و لا تجريم لطرف دون طرف و لا تسفيه لمخالف و لا تعنيف لكاره و لا شحناء مع مجادل ، بل ظل وارف لشجرة سلم و رحمة تسع الجميع .
في الوقت الذي تحمس جمهور المتحمسين لحمل السلاح و تجييش المشاعر و شحذ الهمم للقتال و سفك الدماء ، كان ابن بيه ينظر من زاوية أوسع ، إنها زاوية العواقب و المآلات ، فمشى وحيدا في طريقه كما هو حال الأنبياء باذلا , مشفقا ، صبر على الأذى و سكت عن المسيء و دعا و عفا واثقا ثقة أصحاب الحق ، فنَمَتْ دعوته و ملأت قراب الأرض و عانقت عنان السماء .
شيخنا عبد الله بن بيه ؛ ليس عالم نصوص فقط و لا مفكر عصر و لا محقق أصول و حسب ، ابن بيه فيلسوف و أديب و رجل حضارة و سياسة أيضا ، خبرته في السياسة و صناعة القرار و علم الاجتماع جعلته يقيس الأمور بمقاييسها كلها و يمزج الشأن بالشأن و النازلة بالخبرة , و العلة بالعدل و الرحمة و المصلحة و الحكمة , فيستل الحكم الأنيق منها كما تستل الشعرة من العجين ، كل ذلك في هدوء و سكينة و ورع ، لا إفراط و لا تفريط .
ابن بيه اليوم ، هو عالم العصر المجدد في حقول الشريعة بما يلائم أحوال الناس و متغيرات حياتهم فهمََا و سبرََا و إحاطةََ , و رجل المرحلة المحدد لمعالم استرجاع الضوابط الأخلاقية و الإنسانية التي جمحت بها الأهواء و طوحت بها الفتن ، حفظه الله تعالى و أصلح به الأمة و كشف به الغمة و جعله منهلا و حجة .