تعطلت سيارتي في إحدى المرات (في ملح)، وكانت المشكلة من البطارية فلزم البحث عمن يساعدني في دفعها من أجل إدارة محركها..
كان الجو ساخنا حانقا بدوره، ولم يكن يتحرك في الطريق الضيق إلا قلة من الأشخاص، فلجأت إلى حرطاني كان جالسا في أحد الدكاكين وطلبت منه المساعدة، فقال: "ابحث عمن يكملنا وسأساعدك"..
أمضيت 10 دقائق انتظر مرور أحد المارة أستغيث به دون جدوى، وبحثت عن سائق تاكسي يعيرني بطارية سيارته مقابل 500 أوقية، لأدير بها المحرك وأعيدها إليه في اللحظة، ولم أجد غير بيظاني واحد، أجابني بتأفف: "لا يمكنني فبطاريتي غير قادرة على ذلك" ثم انطلق دون مزيد من تضييع الوقت معي..
ناداني الحرطاني الجالس، فأقبلت عليه، فأخذ على عاتقه مهمة مساعدتي، وأخذ يبحث بنفسه – معي طبعا – عمن يساعدنا في دفع السيارة، وأخيرا شاهد حرطانيين قادميين من بعيد، فاستبشر فرحا، والتفت إلي صائحا: "جاء الفرج فهذين الفحلين صديقين لي وسيساعدانا قطعا".. وليته ما قالها فقد سمعاه..
فرحت بدوري بالفحلين، ولكن غيوم الحقد والكراهية هلت بسوادها الكثيف وأبرقت ثم أرعدت..
صاح فيه أحدهما وهو مقبل عليهما بإبتسامة بريئة واسعة: "ابتعد.. لن نساعده لأنك أنت من طلب المساعدة بدلا منه".. استغرب المسكين من قوله، وزاده الثاني دهشة واستغرابا عندما هتف: "كان عليه هو أن يطلب المساعدة لا أنت"..
تخيلت للحظة أنني إقطاعي كبير، وأن المسكين عبدي المرسل إليهما من قِبلي !
حاول المسكين تحويل الأمر من الجد إلى الهزل، فأخذ يمازحهما ممسكا بيديهما، فما كان منهما إلا أن انتفضا منه كثورين هائجين، وتخلصا بعبوس وهما يصيحان فيه هادرين: "ابتعد أيها العبد" (الكلمة الأخير من عندي للمزيد من الأكشن حفظنا الله منه)..
أدرك المسكين مثلي أن الأمر ليس هزلا، فتقدمت منهما قائلا: "تريدان أن أطلب المساعدة بنفسي، ها أنا ذا أفعل، فما الفرق؟"..
طأطأ الإثنان رأسيهما، ومرا بجواري على عجل، ومد احدهما ذراعه – كمن شل الحقد يده – لمصافحة يدي الممدودة للسلام عليه كمن في يده لقمة كريهة بغيضة سامة، وواصلا سيرهما وهما يدخلان في مناوشة لفظية مع صاحبي الحرطاني الطيب ! الذي هتف: "لحراطين ما يشغبو"..
صحت فيهما وهما يبتعدان: "لعلمكما إن ما فعله هو فعل المسلمين".. أقصد مساعدته لي وطلبه ذلك منهما بنفسه، وفي إشارة واضحة إلى أن ما فعلاه هما هو فعل اليهود والمجرمين !
وقلت له ما أعتقده بصراحة: "بل قلة من جميع الأجناس تقوم بمثل هذه التصرفات، ولكنها في المتأثرين بحركة إيرا أكبر"..
كانت هنالك نسوة من البيظان يتفرجن، ولا أعرف هل يتفرجن بإستغراب أم هن معتادات على مثل تلك التصرفات التي بدأت تطفو على السطح ممن نحسبهم إخوة لنا في الدين على الأقل !!
وفي ركن قصي جلست حرطانية لا أعرف هل هي مؤيدة لهما أم لنا، لكني أكاد أجزم من نظراتها المتعاطفة أنها مؤيدة لنا (يعني للبيظاني والحرطاني المتعاونين)، والله أعلم بحالها، لأنها شاهدت منذ البداية تعبنا في البحث عن مساعدة..
وفي الأخير أعطيته أل 500 لأنه يستحقها، وأخذها بطيب خاطر وهو يشير بيديه مودعا بحرارة، ولعل أحد قراء عيرا (من أنثى الحمارة) عندما يقرأ هذا المقال يقول: "هنا مربط الحمار، أقصد الفرس، أرأيتم إن البيظان يمنون علينا بأموالهم"، وهذا القول جوابه: "بين البائع والشاري يفتح الله"، من أراد ربح المال فليبحث له عن صاحب مال يعمل لديه، أما من أراد الموت جوعا فليمت به، وفي الوقت الحالي، ولأن البيظان - المقملين بالمناسبة - هم الأخبر في التجارة ومجال الأعمال والمسيطرين عليهما بعيدا عن الدولة والسياسة، فلا مناص من تجنبهم، لكن ما رأيكم إن كانت لديهم نفس نزعتكم العنصرية وشرطوا عدم التعامل مع غير الأبيض حتى لا تتهموهم بأنهم يستعبدون السود ؟! ألن تكون كارثة ؟..
أما عطائي له فهبة أو مكافأة له على فعله الذي سيجد الأجر عليه قطعا، وعلى كل حال كنت سأعطي ذلك المبلغ لسائق التاكسي البيظاني، والحرطاني أحق به منه..
إن هذه الحادثة وكثير من أمثالها نذير شؤم، والفتنة إذا اشتعلت - لأن من بين المثقفين من سيقرأ هذا المقال وهو مثقف بغيض شرير - سيحترق الجميع، ولن تنفع أحد حرطانيته ولا بيظانيته ولا كوريته البضة، إذا احترق الجميع، والسبب أفكار غبية عنصرية يبثها أشخاص كالغربان يركبون موجة الديمقراطية والحقوق، وينادون بما ليسوا أهلا للنداء به أصلا، ولك أن تتبين ذلك في اتهامهم للدولة باستعباد الناس والمساعدة على إستعبادهم ! وإذا كانت الدولة - يا أخي - هي المتهمة فلن يكون القاضي إلا الشيطان، وهذا ما لا يجب السماح به.
على الدولة منع مثل هذه الدعوات المفرقة للجماعة، والضرب على أيدي أصحابها بيد من حديد قبل اشتعال النار في البلد، فالأحقاد تتزايد لأن هذه الجماعات تتعاون في وضح النهار على إيقاد نارها وتنفخ فيها، قاتلها الله جميعا القديم منها والجديد..
على الدولة أن تكون صارمة مع هؤلاء الكلاب فهم بلا أي حقوق في الإجرام ببث الفتنة وتعليم العنصرية للناس، وليس كل الناس عقلاء حتى يعرضوا عن دعوات هؤلاء السفهاء، وما دامت الدولة تخشى الغرب المنافق الذي لا يريد الخير للمسلمين بدليل دعمه لكل مفلس مرتزق لا يريد إلا العاجلة لا أشبعه الله، فلن تقوم لها - ولا لغيرها - قائمة، فيجب إيقاف هذا المد العنصري البغيض الذي أصبح يؤثر على العوام..
إن الحرطاني الذي ساعدني يمثل الشريحة الكبرى من لحراطين والحمد لله، وهذا ما يمنع تغول هذه الجماعات المارقة، كما أن المجرم البيظاني - أو الحرطاني والكوري - المختلس الذي يأكل الجميع سواء منهم الأبيض والأسود، هو من قلة لا ذنب لغيرها من ابناء جنسهم فيما تقوم به من أعمال مخجلة ليس فيها بأي حال من الأحوال استعباد الناس ولا الدعوة إلى استعبادهم لأن الإستعباد لم يعد موجودا إلا في خيال أولئك المرضى الكارهين للعافية، وهي خير لهم، الذين يتأكلون عن طريقه، فهولاء - وهم من كل الأجناس - لا يريدون إلا إشباع بطونهم، وهم سبب فشل الدولة.. لا أنا وأمثالي من المواطنين الذين يعجزون عن إصلاح سياراتهم المتعطلة في الشوارع !
إن هذين الفحلين البغيضين يمثلا قلة من الغربان، نراها متظاهرة في عدد لا يتعدى العشرات أمام سجون المتبرمين المنادين بحقوق إبليس في الإفساد.. إنها قلة والحمد لله، ولكنها تنمو كشجرة ملعونة لأن الدولة لا تتعامل معها بالحزم اللازم بسبب نفاقها لشياطين الغرب (دوله الإستعمارية المرتزقة التي تقرصن العالم الثالث حتى اليوم).
والواضح من هذه الحادثة - وغيرها كثير يمكن للكثير من المواطنين أن يحكوه في أسواقهم ومجالس سمرهم - أن مثلها في ازدياد متصاعد، خصوصا وأن أصحابها أصبحوا يكرمون في نيويورك، وتوهب لهم الجوائز العالمية، وتفتح لهم المنابر العالمية والمحلية، ويهدد الرئيس بإطلاق سراحهم وإلا.. ومن من الأباليسة لا يحب الخروج من بؤرة الفقر الكريهة إلى رحابة الملاهي الليلية الراقية في عواصم الفسق والفجور حيث النصرانيات هبات كل من هب ودب، ونقود المخابرات الغربية النجسة ؟!
والحقيقة أيها الحرطاني والبيظاني المتعدل أنه لا يوجد فرق بيننا، لا يوجد فرق بين عربي وأعجمي أو أسود وأبيض إلا بالتقوى، أما الغنى والفقر فقدرين بيد الله وحده، وما أدراكم يا غربان العنصرية أن ذلك الغني الذي تحسدونه، وتلك الوجاهة التي تقتلكم، رزق؟ الرزق أيها الجهلة كلمة عظيمة لا تطلق على المال الحرام المنهوب أو على الربا والغش والإنتهازية التي يستغني صاحبها في الظاهر أمام الناس وهو أفقرهم أمام ربه والعياذ بالله..
وإذا سلمنا لهذه الجماعة المارقة التي تتهم الرئيس والحكومة بأنهما سرقا الحراطين وهمشوهم، فقد سرقوا أيضا نسبة 99 بالمائة من البيظان الفقراءالذين يطلبون المساعدة من لحراطين وكل المسلمين، مثلي شخصيا، فهل نثور في وجه كل ما هو أسود، ونلعنه بحجة أنه أسود مظلم يظلمنا بتهم الإستعباد، نحن الذين لم نر في حياتنا عبدا واحدا على مسرح الحياة !..
فاتقوا الله أيها المثقفون، وأعلموا ان الذي جعلكم كحلا وبيظا قادر على أن يفقركم وأنتم تتناولون أكبر الجوائز الحقوقية العالمية المشؤومة أو ترقصون في أعظم بار، أو حتى وأنتم رؤساء للدولة أو وزراء في حكوماتها الفاشلة المتعاقبة..
إن الفقر والغنى، وحتى الإستعباد أقدار من الله وحده، هو الذي خلقنا آدميين بيضا وسودا ولم يجعلنا حشرات أو كلاب، وهو الذي قدر لنا هذه الإمتحانات الكثرة التي تبدأ بمحاربة النفس والشيطان ثم العقبات والعوائق التي تحول بيننا وبين الجنة في طريق حياتنا، فانتبهوا لمواضع أقدامكم أيها المسلمون..
إن من فطن لتلك الأقدار وآمن بها، نزع من رأسه فكرة أبيض وأسود، وكل الألوان، وعلم أن العالم الذي ينتظره في الجنة فيه البيض والسود والجن والملائكة والحور العين والولدان، وخلق لم يرهم في حياته ولم يسمع بهم..
فلنجعل الإسلام ركيزة لنا، ولنبث تعاليمه في تعليمنا، وليت الحكومة تأخذ بنصيحتي المتواضعة، وهي عبارة عن مقررات تعلم الأطفال كيف يحبون أبيضهم وأسودهم، ويقدمون دينهم على غيره، إلى آخر تلك القيم التي تحصنهم ضد الكثير من أمراض سوء التصرف كالعنصرية والرشوة والجهل بالدين، والتي لا تدرس للأطفال في المدارس، ولا في البيوت.. ولا يرون في الشوارع غير مظاهرات المتبرمين أو تصرفات مشينة كتصرف هذين الفحلين الجاهلين بقيم الدين والإنسانية !