سيسارع العديد من أصحاب العاطفة الجياشة لنفي السيناريو المؤلم "هروب موريتانيا نحو الأهلية" بدون تفكير متذرعين أن لموريتانيا خصوصية تمنع شعبها من الانجراف إلى أتون الحرب الأهلية وكأننا دون خلق الله أجمعين لا نخضع لسننه الكونية ولا لقواعد التجربة الإنسانية ، متناسين أن الشعوب والأمم
ذات المكونات المتنوعة تنبئنا أنه إذا لم نحتكم لنداء السلم الأهلي وننحاز لمبادئ الكرامة الإنسانية فإننا مهددين بالسقوط في الحرب الأهلية ، فمهما حاولنا أن نظهر أننا محصنين ومتذرعين بأن التاريخ الموريتاني لم يشهد حروبا عرقية ، فعلا تلك حقائق تاريخية صائبة توضح أن الوحدة والتماسك أبرز سمات مجتمعنا على مدار التاريخ ، ولكن ذلك لم يعد ضمانة كافية لطرد شبح الحرب الأهلية خاصة وسط أجواء الشحن الاجتماعي الراهنة ، فالطبيعية السيكولوجية المتسامحة للمجتمع الموريتاني لن تظل على حالها لأن تغير السيكولوجية النفسية لأي شعب أمر خاضع للأحداث المختلفة والظروف الحاضنة ، فشحن المكونات ضد بعضها البعض مع توفر بيئة مشجعة على التعصب يسقط في أتون الحرب الأهلية التي هي حرب بلا معنى وبلا جدوى وبلا خلاف حقيقي وهدف ، فلقد اكتوت شعوب قبلنا بنيران الحرب الأهلية وتأكد لها أن التنازع والشقاق خيار خاطئ ، لكن يبدوا أننا لا نريد أن نتعلم من أخطاء الآخرين وندفع باتجاه نتاج ذات الحماقات التي وقعت في فخها شعوب أخرى ، وانطلاقا من يقيننا الكبير أن حل مشكل موريتانيا ينطلق من وجود تيار للسلم الأهلي يتبنى العيش معا والنهوض بالوطن جميعا يدا واحدة وفريقا واحدا دون إقصاء أو تمييز عرق دون الآخر ، تأتي هذه المساهمة كإعلان دعوة لتأسيس "تيار السلم الأهلي بموريتانيا "لأجل :
1 ــ وقف أي هروب نحو الحرب الأهلية و الفتنة .
2 ــ تحطيم أركان معادلة الحرب الأهلية المتجذرة في العقول ( العداء + الاستدعاء + الاستعلاء + الشعور بالدونية لدى الأرقاء السابقين + الشعور بالظلم لدى الزنوج ) .
3 ــ صيحة تحذير بأن وفاقنا الأهلي مهددا ، وبتنا على شفى السقوط في مستنقع الحرب الأهلية البغيضة ما لم نتدارك الموقف ونتجه نحو تكريس السلم الأهلي ، لمحاولة تحجير ومحاصرة قنوات الفتنة الغاشمة التي تتهدد مجتمعنا قبل أن تنتشر فيروساتها القاتلة في خلايا شرائح المجتمع الموريتاني المتداخلة اجتماعيا .
فنحن اليوم في موريتانيا بحاجة ماسة لتشكيل تيار للسلم الأهلي بمثابة فرقة إطفاء تتكون من العقلاء ووجهاء المجتمع وكل الفاعلين في شتى الميادين ومن له تأثير على العقل المجتمعي العام تحاصر تمدد بواعث نيران تهديد السلم الأهلي .
لماذا تيار السلم الأهلي ؟؟؟
1 ــ لتشكيل جبهة وطنية جامعة تجسد التطلع المشترك والسعي للعدالة والمساواة والحرية للجميع في ظل الحفاظ على السلم الأهلي .
2 ـــ التأسيس لرؤية وطنية هدفها الأسمى الهروب من أتون الحرب الأهلية القاتلة .
3 ـــ حسم واقع التمييز وتجاوز آلام ماضي العبودية وعذابات الإرث الإنساني بما يضمن القضاء على التهميش القائم في حق الحراطين ومعالجة جروح الماضي التي لحقت بالجميع والإبحار نحو فضاء التنمية والاستقرار والازدهار .
4ــ مناهضة الخطاب الخشن المهدد للسلم الأهلي .
5 ــ العمل لبناء قيم المواطنة والمساواة بوجود مناهج تتجاوز جراحات الماضي المزعج.
6 ــ التفكير الجماعي في نظام دفاعي اجتماعي قادر على دك حصون الفتنة وأوكارها حيثما وأنى وجدت ، للحيلولة دون تمدد أزمة الاشتعال من نقاط معينة إلى باقي أجزاء موريتانيا .
7 ــ مواجهة انتشار الفكر الإقصائي التعصبي المهيمن على أفكار البعض.
مظاهر هروب موريتانيا نحو الحرب الأهلية
لا يمكن تجفيف منابع الحرب الأهلية والإبحار نحو السلم الأهلي ما لم نتعرف على مظاهرها ، فكما تظهر علامات المرض على الجسد العليل تظهر علامات الحرب الأهلية على قسمات المجتمع قبل حدوثها ، والمتأمل في المشهد الموريتاني يرى مظاهر الحرب الأهلية بارزة ومطلة برأسها متجلية تلك المظاهر في :
1 ـــ في حالة الهروب الحاد نحو الحرب الأهلية بين مكونات المجتمع الواحد ، "يصبح كل مكون اجتماعي في نظر الآخر المخالف له هو شيطان رجيم ليس فيه ذرة من خير وبقية من إنسانية ويجب التخلص منه لأنه أصبح شر مُطلق، وينتج عن هذه الحالة من العداء أن ينغلق كل مكون على نفسه فلا يقبل التوجيه والنقد إلا من داخله فقط ويُصاب بحالة انغلاق الذات ويبدأ كل طرف ينسج قصصه الخاصة به ويصبح لكل مكون مصادره الخاصة في الأحداث التاريخية والتصورات ، ويسود بين الجميع منطق الثأر والانتقام وتنتشر في المجتمع حالة من الخوف والقلق على الحاضر و المستقبل " .
2 ـــ هيمنة مصطلحات التخوين للمخالفين.
3 ـــ وصول خطاب التفرقة إلى أشده وتزايد النزعات العرقية والفئوية والعنصرية من جهات متعددة سياسية ثقافية نضالية شبابية و نسائية .... الخ
4 ـــ وصول مناخ عدم الثقة بين الفاعلين إلى حد الخروج على الضوابط المتعارف عليها.
5 ــ اعتقاد مكون مجتمعي ما أنه أفضل من الكل والآخرون دون المستوى وتنتفخ ذاته بذلك ويبني قناعاته على هذا الاعتقاد ، ثم يستدعي نصوصا مقدسة ويفهمها فهما يخدم نواياه أو يفسر حادثة تاريخية مبتورة عن سياقها كما يهوى ، فتتولد مشاعر العداء للآخر المخالف ، و تبدأ بذلك نيران لهيب الحرب الأهلية في الانتشار .
6 ـــ استغلال أي مشكلة تقع هنا وهناك لإشعال الأمور والدفع بها باتجاه النيل من الآخر وتشويه صورته ومحاولة القضاء عليه ، عندها يبدأ لهيب الحرب الأهلية التي تعرف على أنها "تهديد للسِّلْم الأهلي حتى يصبح الجميع أعداءً فيفقد الإنسان زمام ذاته ويصبح معها في حالة غير طبيعية ولا يدري ما يفعله ، وينخرط في عنف جماعي أعمى ، في حالة من الهرج والمرج والعنف الجماعي بين مكونات المجتمع الواحد "
كل ذلك يدعونا جميعا وفي المقدمة القوى الفاعلة في المجتمع بغض عن تموقعها العمل لترسيخ قيم السلم الأهلي من خلال الانخراط معا في تيار ـ تيار السلم الأهلي ــ يدفع نحو بناء مجتمع متماسك قادر على أن يتصدر موقعه السليم ، فلن يتسنى لنا تكريس السلم الأهلي ما لم نتغلب وسويا على انقسامات ماضينا وإجحافاته ، ونعالج توتراتنا المجتمعية معا وفق قيم المساواة والإنصاف والكرامة بعيدا عن خيار القهر ، وإلا فإننا سنظل نسير جميعا إلى سيناريو فخ الحرب الأهلية التي سيحتكم فيها الجميع لمنطق الغباء ولفلسفة المعارك الصفرية ولاستخدام العنف وبذلك تكون النتائج كارثية ووخيمة على البلد ولن تؤدي إلا إلى خسارة الجميع و بحر من الدماء والأشلاء والدموع ، مما يتطلب منا العمل على تكريس سلم واستقرار المجتمع الموريتاني المتنوع عرقيا وإبعاده عن خطر الانقسام فلا نريد أن يغتال تاريخنا مستقبل الأجيال القادمة في حقها أن تعيش في سلم اجتماعي دائم .
نظرتنا لمواجهة الهروب نحو الحرب الأهلية.
1 ــ تأسيس تيار للسلم الأهلي يضم جميع الموريتانيين الراغبين في الحفاظ على السلم الأهلي ، والمناهضين للخطاب الخشن ، والرافضين لكل عوامل الفتنة.
2 ـــ الدخول في حوار اجتماعي مفتوح دون الاستثناء لأحد لضمان توطين السلم والاستقرار الأهلي وتوافق مجتمعي يحفظ مصالح الجميع بدون استثناء .
3 ـــ ضرورة أن ينعم كل أفراد المجتمع وخاصة الحراطين بقيم الحرية والمساواة والعدالة .
4 ــ لا يمكن وجود السلم الأهلي بالمجتمع الذي لا تتحقق به العدالة والمتفرق والمتعادي فيما بين بعضه البعض .
5 ــ ضرورة تطبيق مشاريع تنموية تدعم المواطنة والتعايش وسبل تنميتهما.
6ــ رفض أي لغة أو خطاب يسعى لنشر التحريض والكراهية في مفاصل المجتمع وعقله فعندما ينجح التحريض يتهدد السلم الأهلي تتصاعد نيران الحرب الأهلية .
7 ـــ تحرير المجتمع من كل المنزلقات التي من شأنها الدفع نحو المخاطر .
8 ــ ضرورة وجود برنامج عملي قادر على مواجهة أزمات إعاقة قيام الدولة والمحافظة على النسيج الاجتماعي .
9 ــ بناء مسار لبناء جسور تواصل صلبة بين مكونات المجتمع بدل بناء حقول الألغام من خلال الخطاب العنيف .
10 ـــ ضرورة مساعدة أنفسنا وتجاوز آلام الماضي والانحياز للمستقبل بمشاركة كل المكونات دون الالتفاف لعذابات ومعارك الماضي فأجيال الغد من حقها العيش في سقف يتمتع الكل في كنفه بالمساواة وينعم فيه بالسلم الأهلي .
11 ـــ قطع الطريق أمام كل الغلاة الرامين لإدخال المجتمع في أتون العنف الأهلي وضرورة مشاركة الجميع في مسيرة الحلول.
12 ـــ محاربة منابع الأفكار الانقسامية في شتى مناحي الحياة ، فالمجال الذي تعمل فيه قوى الكراهية والغضب والعنف دون رقيب أو حسيب أو رادع مهدد للسلم الأهلي .
13 ـــ تحرير المجتمع من قبضة المتعصبين والمهيمنين الراغبين في الاستحواذ على خيراته وطاقته.
14 ـــ مقاومة التحريض والشحن السياسي بين مختلف مكوناتنا ، لإيقاف النزيف المتصاعد في الشعب والذي يهدد تأمين حلم الأجيال خاصة في ظل وضع غير متكافئ بين مكوناتنا.
15 ــ الدفع نحو إقامة نظام قائم على التسامح ويجسد العيش المشترك ، حتى نبعد البلد عن أتون عنف مجتمعي أهلي حاد.
16 ـــ التفكير في الدفع نحو التعقل والاستماع لصوت الحكمة وتقديم مصلحة موريتانيا فوق كل الاعتبارات والأهداف الحزبية والمكاسب السياسية العاجلة والضيقة .
ختاما نؤكد أن فلسفة تيار السلم الأهلي هي رؤية قائمة على بناء جسور بين كل مكوناتنا الوطنية بالنضال المشترك حتى نقلع نحو فضاء المساواة والحرية والعدالة ونتجاوز عواصف التحديات التي لا تريد لحلم بناء المجتمع الموريتاني المتحد أن يكون ، فلنتشارك معا في تيار السلم الأهلي لضمان الحفاظ على تماسك مجتمعنا وللتصدي معا لخطاب الكراهية الذي تسعى جهات بثه في صفوف مجتمعنا المتداخل اجتماعيا.