ظاهرة ترامب / د.حسين الشيخ العلوي

توضيح
اليوم بعيد صلاة الجمعة وجدت رسالة علي الخاص في صفحتي علي الفيسبوك من صديقي"وحيد عرابي" وزميل الدراسة(طبيب مصري مقيم بالكويت) يسألني عن ترامب ويريد رأئي حوله بعد مشاهدته فيديو لباسم يوسف بالخصوص,فكتبت ردي عليه علي صدر صفحتي, إلا إنني فوجئت بحجم التفاعل مع ما كتبت بل نصحني الكثير الاصدقاء الأكادميين

 بضرورة نشر الرد علي هيئة مقال دون تعديل,وبعد إعادة القراءة إقتنعت برأيكم وهاأنذا أنشره كما كتبته دون تعديل, فمعذرة.
*************************************
اسعد الله صباحك اخي وحيد,وجمعة مباركة،،،
لفهم ظاهرة ترامب المثيرة للجدل. ينبغي الاطلاع وفهم آلية إتخاذ القرار في امريكا التي ترسخت وتجذرت بالتجربة منذ ما يزيد علي قرن ونصف القرن وتتجدد وفق معايير مسيطر عليها! من قبل من وكيف؟( هنا السؤال المفصلي).
ما هو قدس الاقداس في عقلية الانسان الامريكي وما هي محددات العقل الجماعي في بلاد العم سام؟
ماهية قاطرة التوجيه......
الثابت من الهواجس والمتجدد منها......
سيسيولوجيا الاندماج الطوعي والقسري.........
كوامن المنعة وعوامل التفتت..........
أخي وحيد لا يفي ولن يكون مجديا أن نكتفي بالصورة النمطية التي إعتادت الميديا أن تسوقها عن بلاد العم سام, ففي ذلك قدر من السذاجة وسوء التقدير هي المسؤولة عن سوء فهمنا للسياسات الخارجية الامريكية التي تديرها مؤسسات وتحركها مصالح لوجيستية واستراتيجية هي صلب عقيدة تعاطي اليانكي مع الخصوم الحقيقيين او المتخيليين! وبين السياسة الداخلية الامريكية التي يحددها المزاج العام وتحسمها صناديق الاقتراح غير المتحكم بها.
ظاهرة ترامب ظاهرة معروفة في السياسة الغربية وممارسة في اوروبا منذ خمسة عقود مع إختلاف الدوافع بين القارة العجوز و بلاد العم سام, فإن كانت دوافعها في اوروبا عرقية واثنية بالمقام الاول إلا أن محركها سياسي واقتصادي لتحريك شرائح مهمة من المجتمع الاوروبي المحافظ الذي بدي ومنذ منتصف سبعينيات العقد المنصرم غير مهتم بالسياسات الداخلية والخارجية,مما إنعكس علي تدني نسبة الاقبال علي صناديق الاقتراع, فتم إجتراح مثل هذه التكوينات السياسية المتطرفة التي تخاطب أساسا,شريحة اليمين المتطرف في تلك البلاد لمعادلة كفة اليسار المتطرف الذي بدي وكأنه يسيطر تدريجيا علي صناديق الاقتراع(البوابة الشرعية للسلطة, لكنها بالمقابل لا تضمن النفوذ او السيطرة), من هنا نشأ حزب الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية (بالفرنسية: Front national pour l'unité française). بقيادة اليميني المتطرف, جان ماري لوبان الذي حكم الحزب لاربعة عقود قبل ان تطيح به ابنته مارين لوبان في العام 2011 والتي حلت الثالثة في الانتخابات الرئاسية 2012 بعد نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند.
مرتكزات وبرنامج حزب الجبهة الوطنية كانت تتمحور حول نقاط اربعة رئيسية هي:
1. إيقاف المزيد من الهجرة من البلدان غير الأوروبية وتعسير إجراءات الحصول على الجنسية الفرنسية.
2. العودة إلى القيم التقليدية: معارضة الإجهاض وتأييد العائلات كثيرة الأولاد والمحافظة على الثقافة الفرنسية.
3. سياسة حماية المنتجين المحليين ودعم المنتجين الصغار.
4. معارضة عمليات التكامل الأوروبي،السعي إلى زيادة استقلال فرنسا عن الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية.
حاليا في فرنسا تشكل الجبهة الوطنية ثاني تيار سياسي في البلاد ويتوقع لها ان تكون ندا وخصما شرساً في الانتخابات الرئاسية القادمة!
أما في بلاد العم سام فمنذ وثيقة إعلان الاستقلال في 4 يوليو من عام 1776 وعلي مدار 233 سنة حكم الولايات المتحدة 43 رئيسا من الذين كانوا اغلبية حتى منتصف القرن العشرين, ولأن الدولة العميقة في أمريكا هي المؤسسات المالية ولوبيات الضغط السياسية التي تشكل هي الاخري بارونات مالية,مما يعني أن الاقتصاد هو الصوت العالي في بلاد العم سام,كما أن الواقعية السياسية والتفكير البراغماتي كان ولا يزال علامة امريكية خالصة,فإن مؤشرات السوق او ما يسمي أمريكياً بالمصالح العليا للأمة الامريكية هي التي تحدد الاتجاه العام (public trend) وليست البرامج السياسية, ولإدراك الساسة والاقتصاديون الامريكيون لأهمية القارة السمراء في اقتصاديات العالم خلال العقود القادمة, بدأت الحملة الامريكية المؤسساتية منذ 1984 عبر اجراءات طويلة ومتشعبة يطول شرحها يا وحيد,المهم تم تهيئة الرأي العام الامريكي ولعقدين من الزمن بأن يكون رئيس أمريكا من السود, وخلال هذه الحقبة كانت هوليوود سباقة في تنصيب رئيس أسود واضعة إياه في دائرة الخطر والتحدي لحماية البلاد.. في اطار من التشويق والاثارة..كان أهم من قدم هذه الادوار الممثلون السود مورجان فريمان ودينيس هيسبرت وتومي ليسترز وجيمي فوكس,هذه الافلام التي كرست صورة الرئيس الاسود الرابط الجأش القادر على مواجهة التحديات والصعاب بحكمة واقتدار. لعل اجمل هذه الافلام هو فلم Deep Impact الذي تم إنتاجه عام 1998(اي 11 سنة قبل انتخاب باراك حسين اوباما) هذا الفلم الخالد الذي كرسه كأيقونة براعة الممثل الامريكي مورجان فريمان. ومن 1991 لغاية 2008(سنة قبل انتخاب باراك اوباما!) تم انتاج 23 فلم في هوليوود عن الرئيس الامريكي 8 منها الرئيس اسود! اي بنسبة 35% من مجمل الافلام,وعلم النفس السلوكي كما تعرف يا دكتور, يقول لجعل مشاهد ما يعتاد امر ما ويتقبله مع الوقت يكفي ان تكون 33% منها حول الموضوع المراد تكريسه.
هل تتذكر يا وحيد المسلسل التليفزيوني الشهير 24 الذي أدي فيه دينيس هيسبرت دور الرئيس الامريكي,هذا المسلسل الذي كان يشاهده يوميا 80 مليون امريكي في العام 2003 اي 6 سنوات قبل انتخاب اوباما.
تلك التهيئة الوجدانية والتوطئة العاطفية هي التي اوصلت باراك حسين أوباما ليكون الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية منذ 20 يناير 2009 وأول رئيس من أصول أفريقية يصل للبيت الأبيض.
للعلم يا وحيد لو تلاحظ قليلا وبعين المتتبع أنه خلال السنوات الخمسة الاخيرة انه يتم التهيئة عبر هوليوود والميديا لأن يكون الرئيس القادم إمرأة, لأدركت أن حظوظ هيلاري تكاد تكون الاوفر, وما يشاع من فضائح ومشاكل صحية ما هي إلا بهارات أمريكية لتحسين مذاق الطبخة السياسية القادمة.
اخي وحيد لقد ظلت الاقليات(والتي يقصد بها الامريكيون اللاتنيون والسود واليهود)هي البارومتر والمحدد النهائي للرئيس الامريكي في المراحل الحاسمة.إلا أنه مع مرور الوقت بدأت تفقد شريحة مهمة من البيض ولا سيما اليمين المتطرف ذي الثقل المالي من دائرة التأثير وتدنت نسبة اقبال البيض الي حدود غير مسبوقة فكان لزاما إختلاق ترامب لجلب هذه الشريحة الي صناديق الاقتراع ولو لم يوجد ترامب لصنعوا ترامب آخر لجعل هذه الشريحة تعود للحلبة من جديد.
أما برنامج باسم يوسف فهو موجه للمشاهد في الشرق الاوسط من الناطقين بالانجليزية,لأن منطق ظهور الدكتاتورية في دولة مؤسسات حيث لا تسمح آلية صنع القرار هناك بوجود او ظهور ديكتاتورية,حيث تكبل الآليات سيد البيت الابيض بسلسلة من الاجراءات التي لا يمكنه تجاوزها بأي حال من الاحوال. لذلك فهذا النوع من التهريج نفهمه نحن العرب الذين نحمل ميراث الدكتاتورية والطغيان والاستبداد في جيناتنا.
أخي وحيد أتمني أن أكون قد أوضحت الأمر. جمعة مباركة.

25. سبتمبر 2016 - 15:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا