ضل بنو إسرائيل بعجل "السامري" بعد ذهاب موسى لميقات ربه. أخرج لهم السامري عجلا جسدا له خوار. تداعى بنو إسرائيل لعبادة العجل وضلوا به ضلال بعيدا. تمر حقب وتتلوها أخرى ولا يزال التضليل الوسيلة المثلى للاحتواء على الشعوب واللعب على عقول الناس، فما حدث لبني إسرائيل مع خوار عجل السامري
يحدث اليوم مع حوار ولد عبد العزيز الذي كل ما صاح به تداعى له كثير ممن يحسبون السراب ماء!
لا يرفض احد مبدأ الحوار، بل الحوار مطلب جميع الأحزاب السياسية سواء كانت معارضة أو أحزاب أغلبية؛ و سواء كانت منظمات حكومية أو غير حكومية، ولكن المشكلة في ما يدعو إليه محمد ولد عبد العزيز تكمن في مدى جديته وصدق نواياه. اشتهر زمنه بالمشاورات والحوارات، وعقد منها في وقت قياسي ما لم يعتده أي بلد. تقوم الشعوب بالحوار عادة، عندما تصل لمرحلة الجد في حل مشاكلها ويتضح لها أنه لا سبيل للتغلب على المشاكل إلا بالجلوس جنبا لجنب وتدارس الخلافات بصدق ومسؤولية للتوصل لأحسن الحلول والمخارج. هكذا كان الحوار في جنوب إفريقيا للتغلب على تركة نظام الأبرتيد العنصري، وهكذا كان الحوار في المغرب لتجاوز المشاكل التي خلفتها حقبة الملك الحسن الثاني، وهكذا الحوارات الجادة التي قامت بها الحكومات المسؤولة في كل أنحاء العالم، وهكذا أيضا جاء الحوار في السنغال وهكذا جلس الرئيس "ألفا كوندي" جنب لجنب مع زعيم المعارضة "سلودالين جالو" في غينيا "كوناكري" في جو من الود الاحترام المتبادل.
لم يستطع النظام أن يقنع معارضيه بالحوار كخيار لحل الخلافات والدفع بعجلة النمو والتقدم ذلك أنه خاض عدة حوارات لا يقل عددها عن أربعة والحصيلة هي نفسها: يخفف ولد عبد العزيز عنه حدة المشاكل التي أدخل فيها البلد ثم يتنكر بعد ذلك لما لا يخدمه مما تم الاتفاق عليه. حدث ذلك بعد كل الحوارات مما جعل الأزمة تراوح مكانها إن لم تتفاقم ويشتد وقعها. تكررت الحالة مرات ومرات إلى أن انعدمت الثقة لدى الأطراف وأصبح جلوسهم اليوم على تلك المائدة يتطلب موثقا قويا حتى لا يُّخدع "أيوب" في أخا "يوسف" كما خدع في يوسف من قبل.
يمر البلد اليوم بأوقات غاية في الدقة، إذ تنعدم الثقة بين أطراف الصراع مما سيعرضه لعواصف وكوارث سياسية قد تندلع كالنار في الهشيم إذا ما تواصل الاحتقان السياسي الذي يكاد يكون بلغ ذروته، فتحرق ناره المتمالئين ولا ينجو منها نظام ولا معارضة وتخرج اللعبة من أيدي الساسة ويتلقفها " سانغو" أو "داديس كامارا" وترجع الأمور لنقطة الصفر مع "علج" جديد، لا ندري إذا ما كان سيكون له "خوار" هو الآخر فيلهونا به ردحا من الزمن أو يكون جسدا أصم. هذا ما سيحدث لا محالة إذا ما واصل محمد ولد عبد العزيز مراوغاته وخدعه التي لم تعد تنطلي على احد بما في ذلك الذين عبروا عن استعدادهم للمشاركة معه في حواه أو خُوَّارِه على الأصح. إن على القوى الحية والشعب والشاب خاصة، أن يقفوا بالمرصاد للمؤامرة التي تحاك ضد البلد وأن ينزلوا للشارع لإفشالها والتنكيل بالمتآمرين ضد الوطن وسماسرة الأحزاب الذين يبيعون الوطن بدريهمات تافهة.
أصبحت موريتانيا اليوم في حالة إفلاس حقيقي، وأوصد الأفق علينا، فلا أحد منا باستطاعته التنبؤ بما يخفيه الغد ولا احد يطمئن لسكون الحاضر ولا سبب لذلك غير سياسات النظام الكارثية التي أحكمت عليه الخناق وأفشلت كل خططه الرامية للبقاء في السلطة. إن الرئيس لمغرور للغاية عند ما يتوهم أنه أذكى من الناس وأن بإمكانه تأمين نفسه ومستقبل أسرته بتدابيره وخططه وينسى أن كل ما يقوم به في سبيل ذلك لا يصل لكعب ما كان يقوم به الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع لحماية نظامه الذي كان هو (ولد عبد العزيز) ودماغه حلقة صغيرة من تلك القلعة الأمنية التي أحاط بها ولد الطائع نظامه. فأين هو ولد الطايع اليوم وأين نظامه؟ هل نفعته حيله وتدابيره للبقاء في الحكم ؟ وهل كان يتصور أن ينتهي حكمه على يد الظهير الذي اسند عليه ظهره؟
ستكون نهاية ولد عبد العزيز مماثلة لنهاية الدكتاتور "شوسيسكو" من حيث البغتة والمفاجئة، فيقتحم عليه الشعب القصر ويجره في شوارع نواكشوط ويزج به في السجن. سينتهي حكم محمد ولد عبد العزيز على يد ثوار الشارع وعلى يد من كان يظنهم حماته، خلاف ما يظنه اغلب الناس ممن يَرَوْن أن حكمه سينتهي علي يد معارضيه، فالتاريخ يعلمنا أن الدكتاتوريين يموتون غالبا على أيدي حراسهم الشخصيين فالملك فيليبس مثلا، ملك مقدونيا والد ألكسندر الأكبر قتل من قبل حارسه الشخصي ولوران دزيري كابيلا، ومعاوية ولد سيد أحمد لطايع الذي أنهي حكمه على يد حارسه الشخصي هو الآخر.
الرجل محاط بأبغض الناس له وأكثرهم تعطشا للثأر منه، فهو يهين حاشيته بما لا يمكن تصوره فأمثال محمد لمين ولد الدادَ، يسجن بتهمة الفساد ويمرق في التراب ثم يتم تعيينه كما لم يكن هو من تمت شيطنته بالأمس، فهؤلاء المساكين هم في تقية خاضعين لا حول ولا قوة لهم يتربصون به الدوائر وسينالون منه حتما.
لا يخفى على احد تحريم محمد ولد عبد العزيز نهب المال العام على أغلبيته وتحليله له على نفسه وأسرته، ينهب البلد بلا استحياء ولا هوادة ولا رحمة، ويزج بالآخرين في السجن إذا ما سرقوا خردة تافهة. يتباهى بمحاربة الفساد وهو أكبر المفسدين، يدعي الديمقراطية وهو اكبر الدكتاتوريين. كل الذين في الأغلبية متمردين ولكن بصمت حتى يتمكنوا منه. لا يسعى أحد من قادة الحزب الحاكم ولا الوزير الأول الحالي ولا الوزير الأول السابق ولا رئيس مجلس الشيوخ في بقاء ولد عبد العزيز في السلطة، بل طموحهم هو أن ينتهي حكمه وأن يرثوه عنه. يظهر ذلك من تحركات رئيس الحزب الحاكم المكشوفة والحب الزائف الذي يتظاهر به نحوه وكذلك يسعى كل من الوزيران الأولان السابق والحالي ليكونوا و رثته كما يتمنى رئيس مجلس الشيوخ أن تعصف عاصفة بولد عبد العزيز الذي لا يحول بينه وبين السلطة ولو لمرحلة انتقالية. الكل حول ولد عبد العزيز لا يخدم إلا نفسه في الوقت الذي يتظاهرون بالتفاني في خدمة السيد المنبوذ.
لقد تغنى هؤلاء سابقا بحب الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع ووصل بهم النفاق والتملق أن قدم له احدهم القرآن الكريم على أنه هدية متواضعة كما قال فوضعه الله، تغنى عليه الشعراء والفنانون أفرشت له النمارق حتى كادوا يملكوه رقابنا. حدا ببعضهم أن طلبوه جهارا توريث ابنه "أحمد" السلطة إذا ما ملها هو أو شاخ على تدبير شؤونها. حدث كل ذلك تحت أنظار محمد ولد عبد العزيز حين كان الظهير والحارس الشخصي لمعاوية ولد سيد أحمد الطايع فإن لم يكن مغرورا فهو يعلم جيدا أن المتملقين حوله لا يعبئون به نقيرا وأنه إذا ما أطيح به فلن يجد منهم نصيرا. هم كانوا أكثر تظاهرا بالحب لولد الطايع لأنه كان أكثر سخاءا معهم وكان أكثر احتراما لهم وأكثر لباقة في الخطاب معهم ومع ذلك تنكروا له بعد سقوطه، فما بالك بولد عبد العزيز الذي هو معهم فظاً غليظ القلب وينهب المال العام ويحرمهم منه.
لا لن يبكوا عليك ولن يتبعوك إذا ما اخرج من السلطة، فوزيرك الناطق الرسمي باسم الحكومة يخدعك عند ما يقول أنهم سيتبعونك حيث ذهبت إذا ما تركت السلطة، إنهم أفاكون، كذابون مخادعون، فاعتبر لما شهدت عليه واستخلص العبر من ولد الطايع الذي لم يسلم من اقرب الناس له وأكثرهم ثقة عنده وهو حارسه الشخصي محمد ولد عبد العزيز. فإن ظننت أن ولد الغزواني أو ولد احريطاني أو غيرهم من العسكر أو من المدن حولك يصدقك الحب والمشاعر فأنت ساذج، فبما كان معاوية ساذج معك فلا تكن ساذجا مع أمثال محمد ولد عبد العزيز الذين من حولك يا ظل ولد الطايع.
أفسدت كل شيء فينا، ضيعت ثروتنا البحرية، تركت شركة "هونك دونك" التي لا تبقي ولا تذر، ترشف أسماكنا دون مقابل ولا انعكاس على اقتصادنا؛ تركت شركة "تازيازت" تواصل نهب ذهبنا بعدما اكتشفنا كذبها على ذقوننا وزيف ما تدعيه من صعوبة استخراج الذهب وما يتطلبه ذلك من مواد كيماوية باهظة الثمن، ثم بعد ذلك يظهر لنا أنا الذهب يوجد نقيا خالي من الشوائب لا يحتاج صقله إلى الماء ليتلألأ؛ تركت شركت "مسي م" تسرق نحاسنا وذهبنا أو بالأحرى شاركتها في جريمتها؛ أفسدت شركة "أسنيم" التي كنا نفتخر بها، سلبتها روحها بعد ما نهبتها. فرقت بيننا، أضعفت النسيج الاجتماعي بيننا، هددت وحدتنا، أنت كارثة وبلاء، نسأل الله العلي القدير أن يحفظنا كيدك وسوء تدبيرك.
ثم يخرج لنا وزيرك الأول الأخير في مسرح رديء يلقي علينا دروسا في الحفاظ على المال العام وأنت الذي أرسلته أكبر ناهب من بين من حكمنا للمال العام. تسجن من تشاء وتفسح المجال لمن تشاء، تسجن بعضهم على أنه سرق المال العام ثم بعد ذلك ترقيه في تعيين أكثر أهمية وعلى ميزانية اكبر حتى لا يذر منها شيء. يسجن رجل الأعمال ولد مكي ويرقى حاكم البنك المركزي الذي هو شريكه في ما اتهمتموه به، يطالب مدير المدرسة الوطنية للتعليم العالي بسداد مبالغ قلتم أنه سرقها وبعد ذلك يعين وهو لم يسدد ما طالبتموه به، تعينونه مديرا على مدرسة أعلى وميزانية أضخم. تسجنون أصحاب الخزينة على أنهم سرقوا وتتحايلون على سرقة "سونيمكس" لأنكم معنيين بها، كفاكم تلاعبا بنا، فأنتم تجهلون الشعب الذي تتعاملون معه فلا تنخدعوا فتكتوون اكتواء الغذائي سيدكم، فاعتبروا قبل فوات الأوان في الشعوب غفلة ولكن بأسهم شديد.
ضلت المعارضة المحاورة بخوار العجل فهرولت نحوه كما لم تسمعه من قبل وكما لم تكن هي من شكا بالأمس القريب من نكوص ولد عبد العزيز على عقبيه لما خدعهم وخدعهم وخدعهم، أفلا يعقل هؤلاء أم أنهم معه متآمرين على هذا الوطن المسكين؟ أرحمونا يرحمكم الله فلا حوار مع محمد ولد عبد العزيز حتى يأتينا بموثق من الله، لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز حتى يتواضع لنا ويتخلى عن غلظة قلبه واحتقاره لنا، لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز ما لم يطلب لقاء قادة الأحزاب في جو يطبعه الاحترام والود، كما كان لقاء "ألفا كوندي" مع "سلودالين جالو"، لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز ما دام يهددنا بعقده دوننا، لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز ما دامت نواياه البقاء في السلطة، لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز ما لم يتعهد بعدم المساس بالمواد الدستورية المحصنة لعدد مأموريات رئيس الجمهورية وبعدم المساس بالمواد الدستورية المحددة لعمر المترشحين للانتخابات الرئاسية، لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز إلا إذا صرح بممتلكاته، لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز إلا إذا تعهد نهارا جهارا بمغادرته للسلطة عند انتهاء مأموريته الحالية. لا حوار مع محمد ولد عبد العزيز حتى يرجع موسى لعله يحرق العجل وينسفه في اليم نسفا!