ما أجمل السماء في تلك اللحظات المتعلقة بنهاية الليل، وما أحسن وهج نجومها المتألقة، وما ألطف وقع منظرها الذي يحمله نسيم الصباح، على القلوب.. وما أروع صلاة القيام قبل ذلك، وما أجمل قراءة القرآن في تلك اللحظات..
وما أقسى الحياة بمشاغلها وذنوبها الصارفة التي تحرم الضعفاء من الخير.. وما أسعد أهل العزم والقوة في الدين،
وما أحسن ولايتهم لله، لا يبتغون بذلك غير وجهه والفوز بجنان السماء..
وما أحبهم إلى خالقهم الذي أطاعوه وأحبوه فأحبهم بدوره..
أقلب نظري في السماء المدلهم ليلها بحثا عن نجم أراه صغيرا بالمنظار الذي أرى به نفسي أعظم مخلوق !..
إنه كوكب المشتري الضخم الذي يُرى بالعين المجردة في سمائنا التي ترى بدورها بنفس العين المجردة..
إنه ثالث نجم مشع يرى فيها بعد القمر وكوكب الزهرة..
أتأمل هنالك بعيدا، فأرى نجما قد يكون الألمع.. لا شك أنه الزهرة، ثاني كواكب المجموعة الشمسية قربا من شمسنا الدافئة.. سمي بالزهرة لبياضه وحسنه، وتشبهت به قصائد الشعراء ووجوه الغانيات..
كوكب ساطع يعكس كمية كبيرة من ضوء الشمس المصبوب عليه، ويعتبر أسطع نجم في السماء قبل شروق الشمي وبعد غروبها..
على سطحه جبال من المعادن والبراكين الغاضبة، وجو ملبد بغاز الكبريت، وعواصف مرعبة، ودرجات حرارة لا يطيقها البشر..
وتكسوه سحابة من الغازات السامة تخفي سطحه عن الرؤية، وتحتفظ بكميات هائلة من حرارة الشمس الملتهبة تجعله الأسخن في مجموعتنا الشمسية !..
وبجوار ذلك النجم المشع نجم آخر يليه في قوة السطوع..
لا شك انه كوكب المشتري الذي أبحث عنه.. أضخم كواكب المجموعة الشمسية..
حجمه الجبار ضعف كوكب الأرض 120 مرة ! تخيل..
أتمنى في تلك اللحظة التأملية أن يكون عندي منظار فلكي متطور، تتضح به المناظر أكثر وأكثر، ولكن هيهات في مثل هذه الدول المتخلفة أن نحلم بغير منظار العيش الضيق الذي بالكاد يتلمس صاحبه به الطريق !..
كوكب المشتري الضخم هو مجرد نقطة إذا ما قورن بالشمس التي نراها في السماء كالمصباح الصغير..
حلقاته المكونة من الغبار المتكاثف، يختل شكلها في كثير من الأحيان بسبب العواصف التي تثور عليه كل 17 عام، والتي تتطاحن بسرعات قد تصل إلى 170 مترا في الثانية !
أما درجة حرارته فبعكس كوكب الزهرة الذي يعتبر الأسخن على مستوى المجموعة، تبلغ 148 درجة مئوية تحت الصفر..
وغلافه أحمر قان، ويومه يقارب أل 10 ساعات من زمن الأرض، أما سنته فتصل إلى 12 عشر سنة من زمن الأرض..
وتحيط به أربعة أقمار ضخام، أحدها يحمل على ظهره جبالا يبلغ طولها 16 كيلومتر ! فسبحان الله القوي العزيز الجبار..
أبحث عن هذا الكوكب الكبير في تلك اللحظات المتأخرة من الليل، فأراه نجما صغيرا لامعا في السماء، تحول ضآلتي بيني وبين إدراك حقيقته المذهلة..
أذكر لحظتها أن الجنة موجودة في هذه السماء "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ"، وأنني – والحمد لله - لست ملزما برؤيتها ببصري، فقد أغناني الإيمان بها والتدبر في طيباتها عن البحث عنها كبحثي عن كوكب المشتري..
وهي قطعا أعظم وأجل لتولي الرحمان غرس بعض ما فيها بيديه الكريمتين إكراما لأحبته الصالحين، جعلنا الله وإياكم منهم..