من يحاور من؟ / أحمدو ولد أحمد لبَّاتْ

و قد بدأ الحوار الثاني في العهد الحالي   بمن حضر تفرض بعض الأسئلة و الملاحظات نفسها لعل أكثرها إلحاحا: لماذا الحوار؟ و هو سؤال يمكن أن يصاغ أيضا بطريقة: ما فائدة الحوار. و هناك سؤال آخر لا يقل أهمية: ما هي طبيعة المتحاورين؟ أي: من يحاور من؟ 
بديهي، بالنسبة للسؤال الأول، أن الحوار في السياق السياسي يأتي كضرورة لحلحلة وضعية مستعصية في المشهد  العام ناتجة

 عن تباين شديد في وجهات النظر و الرؤى يصعب معه أو يستحيل إيجاد أرضية  مشتركة لتصريف الشأن السياسي في البلد المعني و لممارسة اللعبة السياسية بمعايير مقبولة من الجميع. و في حالة بلادنا فإن الوضعية مستعصية مند زمن،  و صيحات عدم الرضا ما تفتأ  ترتفع هنا و هناك خاصة في  المعارضة الراديكالية  التي يظل السبب الجوهري في تظلمها وشكواها هو عدم توفر الشروط الموضوعية لممارسة سياسية شفافة تضمن إمكانية إحداث تداول فعلي على السلطة.  فخلال عمر التجربة الديمقراطية،  أو ما نسميه بهذا الاسم،  في هذه البلاد ظلت المعارضة محكوما عليها مسبقا بالفشل في أي محاولة لاستلام السلطة حتى و إن بدا أنها في بعض الأحيان،  كما في  انتخابات 2007،  كانت  قاب قوسين من ذلك! و في الحقيقة للمعارضة الحق في أن تعترض على ممارسة سياسية لا يمكنها أبدا أن تفضي إلى تداول على السلطة،  فأحدى الثمرات الأساسية لنظام ديقراطي هي التبادل السلمي على السلطة، في حين أنه في كل تاريخ البلد منذ الاستقلال لم يحدث تبادل سلمي مكتمل  على السلطة  و المرة الوحيدة التي حدث فيها مع انتخاب الرئيس سيد محمد ول الشيخ عبد الله لم يكن تبادلا تاما فالعسكريون هم الذين كانوا ينفخون دراعة ول الشيخ عبد الله حتى لا نقول إنهم أخرجوه من جيوبهم ثم هم من رماه حتى قبل أن يكمل مأموريته في خروج على النص خلَّف الكثير من المرارة حتى عند بعض رفاق السلاح و أبرز ممثلي الخشبة!
من حق المعارضة إذن أن ترفض دخول الحوار طالما أن النظام لم يبرهن على نية حقيقية في السماح بتداول السلطة و طالما أن كل مساعيه تنحصر في مكيجة المشهد بطريقة فجة ليأخذ صورة ديمقراطية لا تعكس أي واقع فعلي.
بلادنا بحاجة إلى حوار و لكن ليس من نوع الحوار الذي انطلق هذه الأيام  لأنه لا يضم الطرفين الحديين في الخلاف السياسي بل يضم طرفا واحدا هو النظام  مع تشكيلة مما يمكن ان نسميه أحزاب الوسط التي يصعب أحيانا تمييزها مع الحزب الحاكم، فالحوار إدن لن يكون حوارا  بالمعنى الأصيل للكلمة  و لن يكون لن له أثر على الانسداد السياسي في البلاد و بالتالي لن تكون له فائدة على الأقل من هذا المنظور.
لكن هناك مفارقة  قد لا  يعيها كثيرون  هي أن المعارضة السياسية الحقيقية في هذا البلد  لم تعد قادرة على المشاركة في حوار مهما كانت وعوده  مثيرة للشهية و باعثة على الثقة  في ما يتعلق بتحسين شروط الإنتخابات و جعلها أكثر شفافية لأن هذه المعارضة لم يعد لها وجود فعلي يذكر على الشارع بفعل سياسة كسر العظام و تقطيع الأوصال  التي اتبعها النظام الحالي الذي تعامل معها كعدو كامل ( و خطاب النعمة و اللهجة التي استخدمها السيد الرئيس للحديث عنها  شاهد صادق على ذلك) و استطاع فعلا تقزيمها من خلال سياسة شعبوية تتبنى أساسا دغدغة المشاعر الدينية بالإضافة إلى الوسائل القبلية التقدليدية و هو ما أفرز الوضع السياسي الحالي الذي يحتكر فيه النظام الذي أصبح شبه إسلامي الشارع مع معارضته الإسلامية القابلة لأن تلعب أيا من الدورين( المعارضة و الموالاة) عند الحاجة إلى أن  يقضي الله أمر كان مفعولا!
من الطبيعي جدا أن لا تشارك المعارضة السياسية الفعلية في البلد في الحوار لأنها تحس أنها لن تكون ندا في اي معركة على الشعبية يفضي إليها الحوار و من الطبيعي أن تفرض شروطا تعجيزية أو شبه تعجيزية لأنها تعرف أن النظام لا يريد لها أن تكون ندا  له، لا حالا و لا في المستقبل! فلماذا تدخل الحوار ما دام في النهاية سيفضي إلى استحقاقات يحرز فيها النظام نصيب الأسد و يترك لمعارضته المتعاونة ما بقي؟!
نحن نعرف أن نظامنا السياسي بعيد من الكمال و نعرف أنه سيظل كذلك ، على الأرجح، زمنا طويلا ، لكننا نعرف أيضا أن بعض الشر أهون من بعض و أن بعض  المسرحيات أفضل أخراجا و أدعى إلى  الاحترام من البعض الآخر، فعلى سيادة الرئيس إدا كان لا يريد لتمثيليته الديمقراطية أن تكون من النوع الرديئ جدا ، و نحن نحس ؛حيانا أنه فعلا يرغب في تحسين الأداء على هذه الخشبة، عليه أن يسمح للمعارضة الحقيقية أن تتنفس و أن تحيا  و أن تسترد بعضا من رمقها، فمع أنها بالتأكيد تطمح إلى الوصول الكامل إلى الحكم إلا أنها  ستقبل و لو مؤقتا   بمشاركة جزئية فيه تعيد الثقة إلى بعض جمهورها و تجعله يحتفظ على الأقل ببعض الامل و أعني هنا مثلا  السماح لها بأن تتوفر على حظوظ في الحصول على تمثيل محترم في البرلمان و بقية المجالس المنتخبة و عدم انتهاج سياسة تميزية ا  ضد موظفيها...
أي حوار يراد له النجاح لا بد أن يُمهَّد  له بخطوات لكسب ثقة المعارضة و الانفتاح عليها و الاستماع لها ، خطوات عملية  تسمح بتنقية المناخ السياسي و جعله أقل مغشوشية و أكثر قابلية لاحتضان منافسة سياسية شريفة أو تتوفر على الحد الأدني من الشفافية و تكافؤ الفرص للجميع.
قد لا نماري في بعض انجازات السيد الرئيس و في فاعليته في بعض الملفات، لكنه بالتأكيد فشل في خلق أو الاحتفاط  بمعارضة  حقيقية حية كانت ستضفي على نظامه مصداقية و بريقا أكثر. و ليتذكر السيد الرئيس، و هو المحارب بطبعه أن انتصاراته كانت   ستكون أحلى و أثمن   لو كانت   على أنداد جديرين  بالمناجزة،  إذ كيف يمكن للمحارب أن يبني مجدا إذا كان مٌصِرا على أن يظل خصومه أقزاما؟!

3. أكتوبر 2016 - 14:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا