للأسف كان كل ما حدث في ورشات الحوار من التجاذب ومن الضجيج والشد والجذب في الكلام الغير لائق متوقعا كله ، لما لم يتمتع به الحوار الجاري من شروط النجاح ، فالحوا حوار أحادي تم التحضير له وراء الكواليس وتم دفع أشخاص مذبذبين بين الموالاة والمعارضة أحرقوا إرثهم النضالي ولم يعد يشغلهم غير تحقيق المصالح الشخصية...
ويمكن بناء على ذلك وسعيا في التحقق من الفرض او الحكم الذي أشبعنا به بداية هذه الأسطر أن نتحقق من مصداقية كل ذلك انطلاقا من نقاط عدة:
أهم المواضيع التي طرحت للنقاش في ما في وصف مؤخرا بأنه - الحوار الشامل – مسألة المؤموريات الثلاثة التي ينتاب كل الموريتانيين منها هاجس خاص ومسألة رفع سن الترشح لكي يتسنى لزعيم حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بالخير بالذات الترشح في الانتخابات القادمة – حلم السيادة الذي كان يراود "مسعود" ودفعه إلى سن طريق شائك في ما يسميه نضاله الحقوقي القديم- ، ومسألة إنشاء منصب نائب رئيس الجمهورية من جهة
ومن جهة أخرى هناك نوافذ أخرى قد تمس القضايا الجوهرية المتعلقة بالمقدسات الوطنية التي على أساسها بنيت الدولة وانبعثت حسب ما ورد من معلومات من هنالك ، مثل العلم والنشيد ، إضافة إلى نقاش مسائل تتعلق أمور تعد ثانوية بالقياس مع ذكرناه سابقا مثل تغير الدوائر الانتخابية والقضايا المتعلقة بالإرث الإنساني والحقوق والشؤون الاجتماعية والاقتصادية...
وكل هذه أستطيع أن أجزم أنها مجرد عناوين فضفاضة لن تحظى بالاهتمام الذي تصاغ عليه إعلاميا ، والمراد من كل هذا هو القضايا الجوهرية والتي يجب أن تغير بحسب أهل البلاط ، يعرفها النظام جيدا ولذلك جمع عليها من جمع من عصبته ومواليه دون المعارضة كي يكتسح ويفعل ما يشاء ويجد العذر الكافي لتبرير أفعاله تلك ، بغياب المعارضة عن الحوار ، تماما كما فعل في انتخابات 2013 ، حيث استغل النظام فرصة مقاطعة المعارضة للانتخابات وأجرى انتخابات اكتسح فيها بقوة الهيئات التشريعية وصارت تبعا لذلك جميع قوانين السلطة تمرر على البرلمان ويصادق عليها دون تريث ...
والملام هنا على المعارضة التي سمحت بكل هذا دون أن تحرك أي ساكن يرتعش له النظام ويخضع لها ولو لحظة ، المشكلة يا سادة أن النظام لا يشعر بوجود معارضة له حقيقية وهذا أمر أكدته أكثر من مرة الظروف التي يخرج فيها النظام بالقرارات الكبرى دون مبالاة ، على المعارضة تبعا لذلك أن تعرف كيف تتعامل مع نظامها الذي هزمها أكثر من مرة ، فإذا كانت المهرجانات والمسيرات الحاشدة أكبر دليل لإثبات أن للمعارضة أنصار وأنصار بحجم أنصار النظام أو اقوى ، فإنه اتضح جليا أن النظام لا يعنيه ولا يهمه أمر المسيرات في شيء وهو ما يتطلب حسب المنطق السياسي تغيير كل الإجراءات المتبعة سابقا والبت في أخرى سلمية بديلة قد تربك النظام وتضغط عليه بشكل أو بآخر...
قبل أن نعد إلى القضايا المطروحة للنقاش في ورشات الحوار ، لا بد من التنبيه أنه لو لم يكن هناك شعور قوى لدى كافة النخبة السياسية والإعلامية الموريتانية بضرورة تنظيم حوار شامل ، لما كان تعاطي الجميع معه هكذا ، بل إن النقطة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع في موريتانيا هو ضرورة تنظيم حوار وطني شامل، وهو ما يجب أن يقام في جو وطني يناقش مختلف الأمور التي حولها خلاف وليس هناك مانع من نقاش أي شيء آخر ما دام المتحاورون أهم أبناء هذا الوطن ونخبته .
لقد سبق للرئيس الموريتاني أن صرح في مدينة النعمة بأنه سيقدم استفتاءا للشعب من أجل المصادقة عليه ومما ذكر من ذلك الاستفتاء هو حل مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس جهوية، وفي افتتاح هذا ورشات هذا الحوار قال في كلمته أن الحوار سيختم باستفتاء مقدم للشعب ، وطالب المتدخلون بإلتحاق المعارضة بهم من أجل رسم مستقبل موريتانيا ، وهو شيء قد يدل على أنه قد تكون هناك مراسلات سرية بين الطرفين من أجل الالتحاق بجلسات الحوار وتقديم ما يرونه مناسبا من اقتراحات ، والله أعلم ، المهم أنه من حيث المبدأ – لا يجوز للسلطة أن تقدم استفتاء للشعب وأبرز القادة المعارضين غائبين ومغيبين عن الحوار-
هناك حسب ما هو واضح ثلاث اتجاهات في أو اتجاهين إن صح التعبير في الحوار ، على العلم منة أن مسألة منصب نائب الرئيس قد استبعدت وليس لها كذلك داعم كبير لا في الموالاة ولا في المعارضة ، اتجاه يمثله مسعود القومي الذي ضيع أمجاد إرثه التاريخي بيده مهرولا وراء أحلام وطموحات لا تتناسب مع حجمه الكبير في نفوس الموريتانيين ، وليس لدى هذا الاتجاه شيء أغلى من تمديد سن الترشح من أجل أن يحظى مسعود بفرصة ثانية في الترشح للرئاسيات الموريتانية المقبلة ، وهو ما تصدت له الأغلبية بالمثل ، بما يعبر عن مكبوتات دفينة لدى الرئيس الموريتاني وبما يشكل أهم حلم له يحاول جاهدا الوصول إلى منفذ إليه ، ألا وهو السماح للرئيس بالترشح لمدة ثالثة ، فاشترطت ذلك بهذا ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الوطن غائب عن المتحاورين الآن في قصر المؤتمرات ، ومن تكلم أو اقترح حتى الآن لم يقترح لموريتانيا وإنما لنفسه اقترح ولها سعى ...
ليس من الوطنية في شيء أيها السادة ان تناقشوا مسائل ترتبط بمصالحكم أنتم أكثر ، ولا تتعلق من قريب ولا من بعيد بمصالح الوطن ، ماذا ستربح موريتانيا إذا ترشح ولد عبد العزيز لفترة رئاسية ثالثة ؟ وما ستربح أيضا إذا ترشح مسعود المتقاعد الذي انتهت صلاحيات عمره السياسي إلى انتخابات جديدة ؟
كل هذا لا يفيد في شي ولن يجني على الوطن شيء ، صحيح أن أكبر معضلة فكرية لا زالت تستعصي على التفكير خصوصا عند من يفكر في مستقبل موريتانيا القريب ، هو ما سيحدث بعد 2019 ؟ هل سيستمر ولد عبد العزيز في الحكم ؟ أم أن الظروف التي أتت به سوف تأتي بواحد مماثل في ظروف مشابه أو غير مشابه ويزداد الطين بلة ؟ أم أن الرجل سيقف عند وعده وقسمه ويتنازل عن الحكم طواعية ؟ وفي حال حدثت الأخيرة من هو البديل الذي سيتفق عليه الموريتانيون ويحارب من أجل موريتانيا الجديدة ؟ على العلم أن حرب المدني القادم ستكون أقوى حرب يشهدها رئيس في تاريخ موريتانيا ...
كنتُ أحب ان يركز المتحاورون على قضية النشيد الذي غيبت كلماته كل مقاوم وقف ضد الاستعمار الفرنسي والذي تعبرُ كلماته عن ظروف بعينها عاشها المجتمع الصحراوي الموريتاني تتمثل في تحالف جمع معين مع الإدارة الاستعمارية الفرنسية عندما دعا الشيخ صاحب كلمات النشيد "باب ولد شيخ سيديا" فرنسا في رسالة له من أجل بسط سيطرتها على هذه الأرض وفتى في وجوب التعامل معهم .
الأرض الآن غير تلك الأرض والمجتمع تغير كثيرا عقليا وإن كانت جميع العوائد تتحكم فيه ، وصار للدولة ذكرى تعبر عن النشوء والولادة ، مثمنة في نفس المناسبة تضحيات مجاهدين قاوموا من أجل الأرض والتخلص من الاستعمار ، ويجب أن تغير كلمات النشيد هده حتى تذكرنا بأيام أؤلائك البواسل وتوقظ فينا شعورا وطنيا من نوع خاص وبإصدار محلي.
كما أن العلم ، علم الجمهورية الإسلامية الموريتانية يحتاج إلى وقفة من أجل فك أسراره ودلالات رموزه فقد بين الكثير من المؤرخين أن هذا العلم بلونه هذا كان "كرو" الذي قاد الحملة الفرنسية على إمارة آدرارد يعلقة في مكتبه ، كما أنه من قرأ ما كتبه المختار ولد داداه بشأنه يحس بضعف كبير وهاجس مريب فيه ...
وكل هذا لا يجب أن يتم إلا بإشراك الجميع إن كان الجميع مدعوا حقا وإن كان الجميع معنيا حقا بالوطن ...
نعم يجب نعيد تأسيس موريتانيا ونبني ثوابتها من جديد وهذا أوان ذلك كله ، ويجب أن نحضر لذلك من خلال تشاورات واجتماعات مكثفة وطويلة تدرس البدائل وتعرضها للشعب ، ولا يمكن أن يتم ذلك في لقاءات يفتتحها ولد عبد العزيز محاطا بكبار معاونية ومن هو وهم على نفس الموجه ويشتركان في هذا الدولة ، ولا يمكن أن يقصى من ذلك طيف سياسي معين ويهمل لأي سبب كان .