عندما نصاب بفقدان الذاكرة، نلتفت إلى الخلف، نبحث عن شئ ما، لا ندركه لكن موجود في الذهن، ربما هو الحنين إلى الماضي، أو ذكريات لصقت بثقوب الذاكرة..
فنعود إلى البداية من جديد، نلملم التفاصيل التي كتبتها أيادي الطفولة، نستنشق عبقها، نلتحف بها، من أجل كل هذا و ذاك نحتضن مدننا، نهرول إليها، كلما شعرنا بالضياع و التيه..
لكن هذه المدينة مازالت تتمنع أمام ذراعاي، تأبى علي، و أنا مازلت أنتظر.
أيحتاج عناق المدن إلى كل هذا الانتظار؟
مازلت في زاوية منكِ، أتكور على نفسي، أنتظر ... أنتظركِ، عانقيني احتوي تعاستي و خيباتي، دعي الغيوم تركض على اصابعي كي لا أموت.. كي لا أموت دون رائحة الطين المبلل بالمطر، فالاحصنة التي لا تركض تموت، ، ذلك الموت الإنهزامي، اللعين، الذي يأتي في لحظة ما، فيأخذنا بين أجنحته بعيدا إلى حيث البرد و الوحشة.
و الآن دعيني أن أرقص على كعب حذائ طويلاً، أداعب الهواء داخل الأزقة و الشوارع الخلفية فالنساء اللاتي لا يرقصن يهرمن، هن كمن لم يجرب نار الشق، فالعشق كمياه المحيط كلما شرب منه عاشق زاد عشقه، إني امرأة عاشقة، هذا لا أنكره! عشقت كل هذا البؤس، كل هذه الفوضى، كل هذا الاهمال، و ألفت حكايا الانكسار فيكِ، فمدينتي المنسية في ممرات و تحت خيام الحملات الانتخابية، تتجرع كأس الجهل والتخلف و انتشار الاوساخ على عتبات المنازل و أمام ساحات المدارس، كل شيء هنا يطفح بالإحتقار، احتقار كل ماهو إنساني و ابداعي و جميل، فهنا فقرة من الجمال مفقوده... إنه الفن. الإشباع الروحي للإنسان. الادب و الموسيقى و الشعر و الغناء و الرقص و الكتابة بذرة الحضارة.. لا عروض مسرحية تعالج هموم الانسان، لا مسابقات أدبية، و لا موسيقية، الموسيقى ذلك النداء الداخلي لكل ماهو روحي، و لما كان الشعر هو نبراس هذه الارض كان من الضروري الاهتمام به و تطويره ليتماشى مع حياة المدينة المزدحمة بكل ماهو جديد و رافد من الثقافات الأجنبية.
مدينتي الكِيفية تبقى رزما للمتناقضات، فرغم كمية البؤس والفقر و الإهمال من قبل الجهات المعنية سوى السلطات المحلية أو مؤسسات الدولة، فإنها رائعة و فاتنة و معطائة، هي تشبه المرأة في العطاء من دون الأخذ، في الوفاء في الصدق في الحب و في الحيرة، و هذا هو سر جمالها، فكل ما هو أنثوي جميل..