إن غياب الأمانة العلمية واللجوء إلى الجهد الأدنى مرضان ، تعاني منهما مؤسسات التعليم العالي في بلادنا ،سواء على مستوى الأساتذة أو الطلبة ،ومن المستحيل على أمة هذا واقعها أن تسير في ركب الأمم المتقدمة، أحرى أن تكون في مقدمتها، وبأية صفة ؟! وأساتذة مؤسسات التعليم العالي في بلادنا يتسللون داخل أنفاق الإنترنت؛ ليسطوا على بحوث قد أعدت سلفا من طرف آخرين ،
ويظن هؤلاء المغفلون أن أمرهم غمة ،ولا يدري المساكين أنهم يتسترون وراء ستار الزمن الشفاف ، وأن الطريق الذي سلكوه طريق لَهجَم عاج ، وبكل سذاجة ، أو بكل تبجح يسجل الواحد منهم المسروق باسمه، ليشهد على نفسه ،وتارة يشفعه بدال لا حظ له منه إلا السبة والعار ،ولسان حال المسروق يقول له مشيرا إلى لقبه:
لا تحسبن دراهم سرَّقتها ...تمحوا مخازيك التي بعمان
ولم يدفعه إلى ذلك إلا أنه يعجز عن الغوص في لجج الكتب، فهي عميقة وأمواجها متلاطمة ، و المسكين لا يحسن السباحة ولا الغوص، و لأن الكتب في أعماقها الدر الذي لا يليق به و لا يحسن استخدامه، فيبقى متسكعا على شواطئها مكتفيا بما تقذفه أمواجها من جيف ،أو مراقبا غفلات غواصيها المحترفين لاختلاس ما اصطادوه منها.
أما عن الطلاب فحدث ولا حرج ، فمن الطبيعي أن تصادفك رسالة مؤلفة من عشرات الأوراق لا جديد فيها ، فهي مجرد اقتطاعات من تأليفات سابقة تفتقد لأبسط خيط منطقي ينتظمها ،فهم الطالب ليس البحث العلمي ،ولا بناء شخصية علمية ،كما لا يكترث لترميم الإرث الثقافي، أو إثرائه ، وإنما هو باحث عن شهادة ذهب بريق آلها ببصره ، وغير مخاطب بتلك القاعدة التي تقول "الغاية لا تبيح الوسيلة" فهو يثق بكفاءة ذلك الستار الذي تستر به أستاذه من قبل ولا يطمح إلى أي منزلة فوق منزلته ،كما يسعى إلى تحقيق حلم وأمنية كاذبين ،سرعان ما ينقشعان عند أول اختبار ،ويدرك أن الشهادة مجرد آل سعى إليه بكامل قواه لكن لم يدرك حقيقته إلا متأخرا بعد أن أنهك قواه في الغش والاختلاس ، أدرك الحقيقة حين لا ينفع الندم ولا العض على اليدين ، فالأيام انصرم حبلها ولا عود يرجى لها، وأقبلت أيام أخرى لها سلطتها التي لا تسمح لمن بلغها بالنكوص ،ولم تبقى إلا الهموم متمطية بصلبها ، على امتداد خيط تفكيره وعلى جنبات ذلك الخيط أعجاز من الهواجس التي لا منجى منها ؛ إذ إن الحكم قد ألقى صافرته مؤذنا ببداية منعطف جديد في الحياة له مشاغله واهتماماته المتباينة مع الدراسة والبحث العلمي.
إن هذه المشكلة التي ألقت بظلالها على البحث العلمي في بلادنا منذ وقت طويل ولا زالت حتى اليوم ، يعود جانب كبير من ها إلى الإدارات المعنية ، وذلك لما وفرت من جو لمثل هذه الممارسات ، فالساحة تشهد غياب رؤية لبناء سرح معرفي متين ،كما يساهم غياب تفعيل قوانين الملكية الفكرية ،أو الوقوف عندها، وعدم وجود مجلس تأديبي للذين يقومون بمثل هذه الممارسات ،بالإضافة إلى عدم تشجيع البحوث الجادة ،إلى غير ذلك من مظاهر الإهمال في هذا المجال .
لكن وإذا ما أرجعنا النظر ،بأي منطق يمكن أن نعتبر البحث العلمي استثناء من بقية المجالات الأخرى التي تئن تحت وطأة الفساد؟