لا يختلف إثنان -يتمتعان بفطرةٍ وطنية سليمة- على ما يجري التحضير له في بلادنا من ردة ونكوص على "المنهجية الديموقراطية"، وانحراف واضح عن سكة الإصلاحات السياسية التي اكتسبناها قبل فترة قصيرة، وكأننا بصدد التحضير لمجزرة تذبح فيها الحريات السياسية، ويُنحر فيها الدستور، ويقتل فيها بصيص أمل التداول السلمي على السلطة.
من يتابع الحوار الوطني "الشامل" الذي تم تمديده لثلاثة أيام، يفهم جيدا دلالة الأيام الثلاثة، ويدرك حجم الأمور التي يتم التحضير لها بلبوسٍ ظاهره تعديلات دستورية، وباطنه المأمورية الثالثة، ويعلم علم اليقين أن البلاد مقبلة على مرحلة رديئة من الإنتكاسة الديموقراطية قد تودي بها إلى الحضيض السياسي، وتُرجعها إلى مرحلة بدائية جدا في الممارسة السياسة، بل قد تجرُّها إلى اعتلاء أصحاب البنادق والأحذية الخشنة السلطة مجددا، وعدة البيان رقم ١.
ومع خشية الجميع من حدوث ذلك المشهد -السيء- نجد بعض "فقهاء الدستور" يجتهدون في البحث عن فجوات في نصوص القوانين، وبالخصوص تلك المتعلقة بتحديد مأموريات رئيس الجمهورية، من أجل قياسها على مقاسه حتى تتحق مطامعه في مأمورية ثالثة ورابعة... إلخ، وتشاطرهم في ذلك "نخبة سياسية" يسيل لعابها مع كل حراكٍ سياسي -وعند البطون تذهبُ العقول- من أجل تحيق مآربها ومطامعها الشخصية، فهي نخبة "أتّيفِي" بمصلحة الوطن والأمة لصالح جيوبها المهترئة، غير آبهة بمعانات الشعب ولا بمشاكله.
خطى واثقة على درب الديمقراطية قطعها هذا البلد المحمّل بندوب الإنقلابات والخروج عن النظام الدستوري، وتجلت واضحة حين تم التداول على سدة الحكم بطريقة ديموقراطية، كان للشعب حق الإختيار في من يحكمه لنصف عقد، ثمّ أعيدت الكرَّة فجدّد ثقته في إختياره الأول، ليعتلي السلطة -وإن شابت ذلك شوائب- لفترتين رئاسيّتين، ويقسم بالله العلي العظيم أن لا يترشّح لثالثة؛ هل تصدّقون فعلاً أنه سيلتزمُ بقسمه ليسلّم السلطة لخلفه بكلّ سلالة وأريحية ؟
أم أنه سيتمسّك بالسلطة -ولو من وراء ستار- ؟
لعلّ الأيام الماضية وماشهدته من حراكٍ سياسي وضبابية في المواقف تنحوا منحى سلبي للإلتفاف على الدستور، حيث يدعم ذلك المنحى مطبّلون زادوا في حدّهم إلى للمطالبة بـ"الملكية الدستورية"، وتنصيب الرئيس الحالي ملكا، بالإضافة إلى تغيير النشيد والعلم لموائمته مع تمجيد ملكهم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن التمّسك بالسطلة يبدوا خيارا وتوجها من هرم السلطة وخدمِها، مع اختلافهم في كيفيّته، إما بمأمورية ثالثة أو بحُكمٍ من وراء ستار.
إن التحديات الجسيمة التي تتطلبّها المرحلة الرّاهنة، والمتمثلة في التلاعب برموزنا (النشيد والعلم) ونسفِ ما حقّقناه من مكتسبات ديموقراطية (التداول السلمي على السلطة) قد تساعدنا في إقامة تنمية شاملة، تتطلّب منا الوقوف في وجه كل المترّبصين والمطبّلين والناعقين الذين لا يردون للبلد علوا ويسعون فيه فسادا، ومواجهتهم بكل قوة وعزم، والتصدي لمشروعهم الساعين من خلاله لترشيح الرئيس لمأمورية ثالثة، ونقول لهم ولرئيسهم بصوت واحد :
إنه "طمع إبليس".