منذ ما يقارب أسبوعين وجلسات الحوار الوطني الموصوف بالشمولية من الطرف الجهة الرسمية التي هو يمثلها ، متواصلة في قصر المؤتمرات ، وبالتأكيد نحن جميعا لا ننتظر أن يخرج الجميع بنتائج تخالف هوى الأغلبية الساحقة التي يقودها صاحب الفخامة الوطنية " محمد ولد عبد العزيز" لكن قبل الوصول إلى ذلك ،
وحتى في حالة الوصول له ،وبعد تمريره يحق لنا كمهمشين وكأي مواطن فريد بسيط يجلس على مقعد في مقهى يقابله كرسيٌّ شاغر أن نسلط الضوء عليه وأن نحكي "من وجهة نظرنا" عن ما نراه يجري وأن نبدي رأينا فيه حسب ما توضح لنا المعطيات من خلال ذلك ...
لقد انطلقت فعاليات هذا الحوار الجاري في قصر المؤتمرات يوم 28/09/2016 أي منذ ما يزيد على أسبوعين ومدد لمرتين ، والنقاشات التي جرت فيه كانت متناقضة في مضمونها وجرئية قياسا على جميع ما تم التطرق له في السابق ، حيث كانت مطالب تغيير النشيد والعلم والمأمورية الثالثة وإلغاء مجلس الشيوخ واعتماد بدلا من ذلك مجالس جهوية ، بالنسبة لمطالب الأغلبية التي تساند الرئيس والتي هي البياض الأعظم في المشاركين في الحوار ، أما بالنسبة للمعارضة المحاورة والتي يصفها الرئيس نفسه بالمعارضة المسؤولة والمحترمة طعنا منه في الطيف المعارض الآخر والممانع "المنتدى" فأهم نقطة طرحتها هي قضية رفع سقف سن الترشح ، وهي مسألة يبدو أنها كانت أمل مسعود ولد بالخير الوحيد في الحوار ورجاءه الذي يسعى إلى تحقيقه ..,
لكن النقطة المحورية أو الموضوع الأهم بالنسبة لي هنا هو قياس ما كان مقررا بما تم إلى حد الساعة في ورشات الحوار لنعرف مدى مطابقة ذلك بهذا ، ولا يمكن فعل ذلك إلى من خلال العودة إلى خطب الرؤساء في افتتاح جلسات الحوار وسرد ما جرى حتى الآن في ورشات الحوار...
لقد قال ولد عبد العزيز في افتتاح جلسات الحوار أن مخرجات هذا الحوار ستحظى بالعناية اللازمة. كما سيتم الرجوع إلى الشعب، عبر استفتاء عام، للبت في المقترحات والتوصيات التي يقتضي تبنيها إجراء تعديلات دستورية، مما يعني أن أمر التعديلات الدستورية مسألة مقررة مسبقة وربما كان الحوار من أجلها ، على العلم أن أهم وثيقة قدمت إلى حد الساعة من الأطراف المحاورة هي وثيقة الحزب الحاكم التي تضمنت مقترحات بتغيرات كبرى في الدستور تمس الهيئات التشريعية والشعائر الوطنية ، مع تصريحات ورغبة عارمة لأنصار الرجل في إضافة المأمورية الثالثة في المقترحات وتهرب الرئيس منها تهربا شبه إعلامي لا أكثر على ما يبدو ، وقد تكون الأيام المقبلة كفيلة بحل ذلك اللغز وكشف حقيقة نوايا الرئيس الحالي بشأن المأموريات .
ومع أن مسألة التعديلات الدستورية سبق وأن صرّح بها ولد عبد العزيز في خطاب النعمة من شهر مايو من هذه السنة إلا أن الحديث عنها حاليا أو تضمينها في وثيقة الحزب الحاكم والتركيز في ورشات الحوار على مسألة المأمورية الثالثة والنشيد والعلم لأمر محير وفيه من الغموض ما يحتاج إلى تفسير ومصارحات .
فلو قبلنا جزافا وهذا منطق أقبله شخصيا بعيدا عن أي تموقع سياسي تغير العلم والنشيد الموريتانيين ، فإن مسألة نقاشهم في حوار غابت عنه معظم مكونات المشهد السياسي في موريتانيا لأمر محير، وبالخصوص إذا لمنا أن تغييب ذلك الطيف كان بفعل فاعل...!
ثم ما علاقة تصريحات الوزير الناطق الرسمي بكل ذلك ؟ فلو افترضنا أن ما قاله محمد ولد عبد العزيز في شأن المأمورية الثالثة لكل من بيجل رئيس حزب الوئام ومسعود في الأسبوع الماضي حقيقا وينمُ عن موقف الرجل الحقيقي ، فما الذي دفع الوزير الناطق باسم الحكومة إلى التصريح بها علنا مرة ، وتأكيدها مرة أخرى بعد أن أثارت المسألة ما أثارت .؟ نحن لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة وعارفين بمعاملة الرجل لرجاله ، فلو لم تكن هناك إشارة بسيطة من الرئيس في المسألة لما صرح ولد الشيخ بما صرح به ولما قال في آخر تصريح له أن المأموريات ليست معيارا للديمقراطية ..
هذا فيما يتعلق بالجانب الأكبر وبالرئاسة وبالأغلبية وما يحوم حولهم ومن تبعهم بإحسان أو غير ذلك إلى أن ينتهي عهد ولد عبد العزيز ، أما فيما يتعلق بالأطراف الأخرى فيمكن أن نعرج قليلا على ما دار في جلسات الحوار في الأسبوع الأول وبالخصوص بعد تعزز موقف "بالاس" بحركة "افلام" التي التحقت بالحوار ونذكر بما جرى من انتقاد سيطرة عنصر واحد على الدولة من طرف المذكورين مطالبين بتقليد الزنوج مناصب حساسة في الدولة في بعض الأحيان ومتذرعين بدعوى العدالة الاجتماعية في أحيان أخرى .
ونتساءل هل يمكن اعتبار حوار يقال فيه كلام من هذا القبيل أن نعتبره حوارا وطنيا؟ أم لعبة اعتبرها البعض فرصة وسعى فيها من اجل تحقيق مآرب شخصية ؟
نعم العدالة الاجتماعية واجب يجب تحقيقه لكن ليس بهذا الشكل ، وليس تبعا لدعوات كهذه أقرب هي للعنصرية من الوطنية.
ثم نتوقف قليلا مع المعارضة وموقفها ، لقد بدأ الكلام في افتتاح جلسات الحوار ، وقال أن الحوار حلم ظل يراوده منذ زمن ، ولم يصرح بشكل علني عن أبرز مطالب حزبه ، فكل ما قاله أن حمد الله واثني عليه على الحوار ، واعتبر أن تلك اللحظات لحظات تاريخية ، لينكشف الغطاء بعد كل ذلك في مقبل الأيام ومن خلال أولى أيام جلسات الحوار عن هدف الحزب الوحيد ، وهو رفع سقف سن الترشح الذي كان أولى مطالب الحزب ، لكن اشتراط أهل الأغلبية تلك المسألة بتمرير المأمورية الثالثة أمر عكر صفو أعل الحزب وأسكتهم ليحتجوا احتجاجا مرتجلا وينسحبوا عن الحوار بشكل مؤقت ، احتجاجا على تبرير الناطق الرسمي باسم الحكومة الديمقراطي ـ على أن جاء بعد يومين من تصريح الوزير ، وليس كليا ، فلو لم تكن لدى مسعود رغبات أخرى يريد أن يسره بها عزيز ، فلماذا احتج بعد كل هذه الأيام؟ ولماذا لم ينسحب مطلقا إذا كان حقا محتجا ؟ ، ثم لماذا لم يكن مسعود من ضمن المدعوين من المتحاورين الذين سيلقاهم الرئيس.؟ ، ولو لم يكن في الأمر إشكال ، لدعيّ مسعود مع القادة المتحاورين إلى الرئاسة ، لكن ...
أما بيجل فلم تكن هناك نقطة بارزة يطرحها ،أو على الأقل مخالفة لمنطق المعتاد فينا ، ولا يمكن أن نذكر هنا إلا تهديده ردا على كلمة "بالاس" التي اعتبر أن الرد عليها سيتم وأنه سيكون ضمن مخرجات هذا الحوار ، ليتحول الحوار الوطني الشامل بذلك من حوار وطني شامل إلى مسرح لضرب ورد الشتائم والترغيب والترهيب ...إلخ.
فماذا يُمكن أن ننتظر من حوار أو شبه جرى فيه كل هذا ، وحدثت فيه من الموبيقات ما حدث ، على العلم أن أطيافا واسعة مقاطعة له ولا تعتبره حوارا ، في الوقت الذي تمدد له الحكومة يوما بعد يوم.