حينما علمت قبل ثلاثة أيام أن حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية قرر تنظيم مهرجان "الرد الصادق" بعد مهزلة نواذيبو شعرت بأن حملا ثقيلا قد حملته قيادة الحزب ، وأن التيار الإسلامى قرر عن سابق إصرار وترصد وضع حزبه وقيادته أمام اختبار صعب ، ومناضليه أمام لحظة فارقة فى التاريخ السياسي للحركة الطامحة للتغيير.ليس سهلا أن تستنفر أنصارك بعد مسيرة ناجحة
لمجمل قوي المعارضة فى أقل من أسبوع ، وليسا بسيطا أن تطرح نفسك
أمام الامتحان من جديد فى بلد تشعبت دروب سالكيه ، وباتت سياسة التجويع ترهق حركة ساكنيه،محكوم من قبل نظام أدمن المكر والخديعة والتلاعب بأموال الشعب وشراء الضمائر،وشق صفوف مناوئيه. لكن حينما رأيت زحف الجماهير نحو الساحة دون باصات نقل أو سيارات أجرة أو مجموعات ضغط أو وجهاء قبلية أو يافطات جهوية أو فئوية ،أدركت أننا بالفعل أمام لحظة تاريخية ووعد صادق صدق مطلقيه.
ورغم الرسائل السياسية التى أطلقها قادة الحزب ، والدعوة الجادة لمجمل القوى السياسية فى البلد من أجل تحالف ينهي مسار المستبد واستبداده ، والنصح الصادق للمترددين من الأخوة فى الوطن ، اشفاقا على أبناء البلد الواحد وأصحاب الضمائر الطيبة من الانجرار نحو التأييد المطلق لنظام يحتضر ، والتعلق بأسباب نجاة مفقودة لنظام كتب عليه الرحيل ، إلا أن بعض الرسائل الأخري استوقفتنى فاخترت أن أقف معها سريعا ، وربما يكون لنا مع غيرها مواقف أخري فى وقت آخر ، فحركة التغيير بدأت ، ومسار الدعوة لرحيل النظام انطلق، وصافرة البداية ليست منا ببعيد.
وهذه أهم الملاحظات :
1- أن تكون أمام حشد بهذا الحجم من الناس ، لا تري فيه رجلا أو امرأة أو شابا إلا وتعرفه وتعرف صدق نيته وقوة عزيمته وعراقته فى النضال ونبل أخلاقه وسرعته للتضحية والبذل ،يشعرك ولله الحمد بأنك أمام جمهور مقتنع بالتغيير متحفز للثورة ،قادر على صنع المستحيل دون تردد أو خوف أو وجل.
2- أن التنوع الحاصل في المهرجان يكشف لمن له قلب أو بصيرة بأن الحركة الإسلامية غيرت مجري التاريخ فى موريتانيا ، وأن دعوات التفرقة والعنصرية والفئوية والجهوية انهارت أمام حراك الإسلاميين خلال السنوات الماضية، وأن موريتانيا الآن مجتمعة فى حزب تواصل بكل أطيافها وجهاتها ، من أجل الإصلاح وأخلقة الشأن العام بعيدا عن أى شكل من اشكال التعلق بالمناصب الزائفة أو المكاسب المؤقتة أو الحوائج الدنيوية التى تستقطب بعض ضعاف النفوس.
3- أن كل الحاضرين للمهرجان من قادة الحزب أو مناضليه لم يتورطوا فى جرائم اختلاس أو تعذيب أو قتل أو حماية نظام فاسد أو التحريض على ابادة عرقية أو السكوت عليها وهم بعون الله قادرون على قيادة المرحلة القادمة وسيفعلون.
4- أن الحضور النسوي الذى غصت به الساحات ليس للاستعراض أو الحشد رغم أهمية وذلك وشرعيته، بل هو عنوان الفاعلية فى التحرك ، والقدرة على الإنجاز ، والدفع نحو المواجهة ، والأمان للخائف ، وعنوان مرحلة تحتاج إلى الصبر والمراهنة على من لا يخذل فى البيت أو الحزب أو الساحة، ولايلوم المتحفزين للمواجهة ، ولا يثقل كاهل منتفض نحو التغيير ورفع الظلم عن المستضعفين.
إنهن عنوان شرف ووقود ثورة تحتاج إلى جهود مشتركة ، ومع ذلك هن كما شاهدتم فى المعهد وغيره قائدات مقاتلات عنيدات ، عفيفات ، صانعات مجد ومحافظات عليه.
5- أن غياب ولد منصور بسبب الحمي - شفاه الله - لم يتسرب ولم يلحظ ولم يؤثر لا في سير التحضير أو الحشد أو المهرجان .. الأمور فى تواصل تحسم بالشوري ، وتنفذ جماعيا ، والمسلمون أمة يسعى بذمتهم أدناهم ، وفى كل قائد من قادة الإسلاميين كفاية ..
إنها الرسالة التى تقول للصديق قبل العدو إن ولد منصور وغيره من أبناء الحركة الإسلامية المباركة جزء مهم من النضال والقافلة ، ولكن ليسوا كل شيء . لو اعتقلوه أو نفوه أو قتلوه ستمضى قافلة التغيير دون تردد أو وجل ، ومع ذلك بعون الله سيكون من يقود جموع الغاضبين من تواصل وغيره نحو التغيير ، ومن يبحر بهم في سفينة استعصم أهلها بالله ، وقرروا منازلة ديكتاتور صغير التفكير محدود التجربة ، ضعيف الشخصية ، قليل التأثير.
6- أن الكلمات التى أطلقها علماء البلد بالأمس أمثال الغيث حفظه الله كانت أكثر فتكا من ألف خطيب " السياسة جهاد اللحظة وعنوان التضحية ، ورمز القوة، رغم أهمية الدعوة وفعل الخير والعبادة ، الساسة هم قادة الأمة وخيرة الشعب وصلحاء البلد ، رغم أهمية العلماء والحاجة إلى دورهم فى الترشيد والتوجيه والتعبئة ، المظاهرات والاعتصام والتضحية جهاد وضحاياها شهداء.
وفي الأخير ، يظل الاعتصام بالله عز وجل ، والإخلاص له ، والتضحية من أجل الشعب وحقوقه المسلوبة ، والصدح بقول الحق أبرز محرك للإسلاميين من أجل الثورة والتغيير، وأبرز ضامن للوحدة والتماسك ، وأفضل معين فى درب شائك ومعقد .
" وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"