يمكننا أن نقول بكلّ فخر واعتزاز أنّ موريتانيا اليوم تشهد ميلاد جمهورية جديدة، قادرة على مواجهة مختلف التحدّيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الوطنية في ظلّ شبه إجماع وطني بين مختلف الفرقاء الوطنيين.
لقد خرجت التوصيات النهائية للحوار الوطني بقضايا كان المواطنون الموريتانيون حريصون على مناقشتها وطرحها في الحوار الشامل؛ وهي قضايا جدُّ مهمّة وبالغة الحساسية، من أجل المساهمة في بناء موريتانيا الغد، القادرة على النهوض من جديد ومواصلة مسيرة البناء في ظلّ قيادة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، الذي استطاع تبني هذا الحوار، وتهيئة الأجواء والظروف لجلوس مختلف المواطنين الموريتانيين على طاولة واحدة، والجلوس جنباً إلى جنب من أجل صناعة حاضر الوطن ومستقبله.
وكانت نتائج مخرجات الحوار الوطني هادفة ومرضية للجميع بما فيهم بعض المعترضين على المشاركة في الحوار الشامل؛ والذي كان بدون قيود أو رتوش .. ذلك أنّه خرج بالحكامة القانونية في ظلّ دولة العدل والمساواة، وهي قضية لا يمكن أن تنهض الدول دون القيام عليها كركيزة قادرة على ردم الهوّة بين المواطنين، وخلق فرص التكافؤ والعيش الكريم دون غبن أو ظلم، على أساس الخبرة والكفاءة. كما أنّ قضية فصل السلطات والاختصاصات التي خرج بها الحوار، من بين القضايا الهامّة التي تساعد الحكومة على أداء وظائفها دون تداخل يقلّص من أداء واجبها على الوجه الأكمل والمرغوب.
وفي جانب العدالة خرجت التوصيات بضرورة بناء مرفق القضاء وذلك عبر التكوين المهني، وتعزيز صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء؛ وهي أمور لا يختلف على جدوائيتها أحدٌ، كما أنّها السبيل الضامن لحماية حقوق الأجيال من التلاعب، وقد تمّ تأكيد هذا بما نصّ عليه الحوار الشامل في البيان الختامي.
كما خرجت التوصيات النهائية بالوقوف قُدما وبحزم في وجه الدعوات المغرضة، التي تهدّد الوحدة الوطنية، وفي سبيل تعزيزها طالب المتحاورون بفتح وسائل الإعلام الرسمية أمام جميع المواطنين لمعالجة مخلّفات الاسترقاق والعنصرية، وبث روح التنوُّع الثقافي بين المواطنين، والسعي في الإصلاح العقاري؛ وهي قضية طالما تاجر المتاجرون بها كرمز من رموز الماضي الاسترقاقي.
وفي سبيل تعزيز الوحدة الوطنية طالب المتحاورون بضرورة بناء المؤسّسات التربوية، وتعزيز مكانة اللغة العربية؛ كلغة رسمية، وانضاف إلى هذا الاعتناء باللغات الوطنية، وهي قضية أثيرت حولها الكثير من النقاشات في الحكومات السابقة، وتعزيز هذه القضية يجعل المتربّصين بالوحدة الوطنية يفقدون عاملا طالما رقصوا على أنغامه.
كما أنّ المطالبة بتأهيل المؤسّسة العسكرية وبناء مختلف أسلاكها الوطنية يجعل الجمهورية الثالثة تشهد نهضة جديد، قادرة على مواجهة مختلف التحدّيات؛ بحكم أنّنا نعيش في عالم يواجه أكثر القضايا الأمنية شراسة وهي قضية الجريمة العابرة للحدود، سواء كانت في قضايا الإرهاب العالمي، أو المتاجرة بالمخدّرات، وبتعزيزنا لجيشنا الوطني نكون قد أخذنا حذرنا ووقفنا على حماية حدودنا من أيادي الغدر وصناعة الموت.
ثمّ إنّ مطالبة الحوار الوطني الشامل بضرورة مراجعة القانون المنظّم للأحزاب السياسية، يجعلنا نحدُّ من ظاهرة التسيُّب السياسي؛ والتي هي من مخلّفات الحكومات السابقة، التي فهمت اللعبة الديمقراطية على غير أساس، وجعلت كلّ من هبّ ودبّ يفتح دكاناً سياسياً يقتات من خلاله؛ وبحكم العجز عن إيجاد مشروع سياسي يعالج مختلف القضايا الوطنية بروحية أكاديمية، أصبحنا نمارس الفوضى السياسية، وبمراجعة القوانين المنظّمة لسير عملها نكون قد تجاوزنا الكثير من الأزمات.
كما أنّ قضية مجلس الشيوخ التي أصدر الحوار الوطني الشامل قراره بإلغائه كهيئة دستورية وخلق مجالس جهوية قادرة على معالجة مختلف القضايا التي تهمُّ المواطنين في هذه الأماكن من الأهمّية بمكان، فمن غير المعقول أن يظلّ البعض يعيش من عرق المواطنين في الغرفة المظلمة والمغلقة، ويبقى المواطن البسيط يعالج حظّه التعيس والمتعثّر بمفرده، وبخلقنا لهذه المجالس نكون قد قدّمنا مصلحة المواطن الذي هو أساس العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومصدر السلطات العسكرية والأمنية، ومحلّ اهتماماتها في المقام الأوّل.
كما أنّ دمج المجلس الإسلامي الأعلى مع هيئة الفتوى والمظالم والسعي في تعزيز السلطة الدينية يجعل هذه المؤسّسات من الناحية القانونية ذات مصداقية دستورية، وتوسيع مهامّها بحيث تشرف على جميع الاتفاقيات والنظم الدولية؛ يجعل جمهوريتنا الإسلامية قادرة على إبداء الموافقة أو التحفُّظ حسب ما تمليه الشريعة الإسلامية، وهي قضية غاية في الأهمّية؛ فمن غير المعقول مثلا أن توقّع دولة مسلمة على ما يُسمى بالزواج المثلي، أو التلاعب بالأجنّة، أو فتح البارات ودور الدعارة وشرب الخمر في مجتمع مسلم، وصيانتها لضبط الفتوى، والسهر على حماية عقيدة هذا الشعب المسلم من الدخلاء؛ سواء في اليمين أو في اليسار يجعلنا قادرين على مواجهة تحدّيات العولمة.
ثمّ إنّ حسم رئيس الجمهورية لقضية تعديل المادّة 26، 28، من الدستور الموريتاني، جعل الكثيرين ممن كانوا يدعون إلى ترشُّحه بحسن نية يعدلون عن موقفهم – وإن كنا من المطالبين بإعادة الثقة له من جديد، لمواصلة الإصلاح والتنمية وما زلنا على ذلك – وهي قضية طالب بها بعض المشاركين في الحوار الوطني الشامل، والأهمُّ من هذا أنّها قطعت الشك باليقين أمام بعض المعارضين الرافضين لأيّ إصلاح وطني ما لم تلبى لهم مصالحهم الضيقة والشخصية في أغلب الأحوال.
إنّ الرئيس محمد ولد عبد العزيز – حفظه الله – بإشرافه المباشر على الحوار الوطني الشامل يكون قد قفز بموريتانيا نحو الأمام، وجعلها في مأمن من أكثر الأزمات الدولية، وما كان ليحصل هذا لولا عناية الله بهذا الوطن ثمّ حكمة محمد ولد عبد العزيز الرشيدة في التعاطي مع هموم المواطنين، وسعيه في تقديم مصلحة البلد والمواطن على أيّ مصلحة كانت، وإنّنا لنثمّن هذا الجهد، وندعو كافّة المواطنين الموريتانيين إلى المشاركة في بناء وطنهم، والسعي في تقديم موريتانيا كوجه حضاري قادر على تجاوز مختلف الأزمات.