قراءة في الخطاب الرآسي :(بعد حوار النظام وقبل مسيرة المعارضة) / الجاح ولد المصطفي

لم أكن من المتابعين لجلسات "الحوار" لسبب بسيط هو أن الحوار الحقيقي –في نظري- كان يجب أن يجمع إلي جانب النظام، المعارضة الجادة و"التاريخية" أما "معارضة المعارضة" (كما سماها رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في كلمته خلال اختتام "الحوار"- وبالطبع لم يقصد ذلك قطعا -، 

لكن (ما في القلب يفضحه اللسان) فقد كانت زلة لسان أو تعثر في الكلام جاء في محله تماما) ..بعد مغادرة الرئيس مسعود ولد بولخير  لقصر المؤتمرات وتعليق حزبه المشاركة أصبح المشهد أكثر وضوحا ،هناك أوزان صغيرة مُعارضة ليس من الوارد هنا أخذها في الاعتبار: كحزب ولد أمين الذي انشق عن التكتل، ومباردة  السفير السابق وبعض الوجوه القليلة الأخرى  رغم أن أصحابها يحملون وعيا مٌعارضا لا نجادل فيه ،لكنهم لاعبون صغار يدخلون معركة لاتتوفر لهم الشروط الكافية  للتأثير فيها .
مضت أيام طويلة (ثلاثة أسابيع) لم نستطع خلالها أن نتبين شيئا مما يدور وسمعنا أثناء ذلك الكثير، الكثير من الآراء والأطروحات المتباينة حول نوايا النظام  ومصير الديمقراطية والنظام السياسي وحتي الجمهورية القائمة ومقومات الدولة الموريتانية ووحدتها الوطنية خاصة بعد الترخيص أثناء ما سمي بالحوار لمجموعتين مشاركتين عُرف عنهما سعيهما للتأسيس لدعوات طائفية وعنصرية..
وجاءت المفاجأة الكبيرة التي فجرها الرئيس لتضع النتائج في مقابل المقدمات ..فقد تعلمنا في المنطق أن النتائج تأتي منسجمة مع مقدماتها  وأن القياس التالي غير صحيح :
الحكومة تعبر عن رأي الرئيس وكذلك حزب الاتحاد
حزب الاتحاد والناطق باسم الحكومة يدعوان لمأمورية ثالثة
الرئيس يعلن عدم تغيير مواد المأمورية في الدستور
وفق قواعد المنطق هذا القياس غير صحيح البته لكن خطاب رئيس الجمهورية( المُتهم من المعارضة بتنظيم حوار مع أطراف موالية وأخري ضعيفة لتمرير المأمورية الثالثة ) جاء مُخالفا لتوقعات المعارضة الجادة  مما يستوجب علي المحلل السياسي البحث في المقدمتين السابقتين:
- المقدمة الأولي :صحيحة ولايمكن إلا أن تكون صحيحة تماما لأن حزب الاتحاد هو حزب الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي أنشأه ورتب أوراقه بعد مُغادرته في 2009م وظل يشرف عليه مباشرة ولا أحد يدعي خلاف ذلك بل إنه هو مبرر قيامه وبقائه في الساحة السياسية  وكذلك الوزراء لايمكن أن نشكك في ولائهم وطاعتهم لولي أمرهم وصاحب الفضل عليهم  لذلك فهذه المقدمة لاتقبل الشك فيها .
- المقدمة الثانية: صحيحة كذلك لأنها موثقة في وسائل الإعلام المختلفة وكانت صريحة وواضحة  ولايمكن أن يكون الرئيس غير موافق عليها أو غير ارغب فيها ..
إذا ماذا نستنتج من ذلك؟
هناك سناريوهات كثيرة ومتداولة بعضها يقدم تفسيرات منطقية لهذا التناقض الواضح ..
السناريو الأول : هو أن الرئيس غير راغب في مأمورية ثالثة وهو صادق في ما ذهب إليه ولكنه يخشي تفرق شعبيته في السنتين ونيف  الأخيرتين من مأموريته التي تنتهي في 2019م  لذلك يستخدم أساليب المراوغة مع شعيبية  التي يفهم جيدا أهدافها وتملقها للحكام .
السناريو الثاني: أن أهداف الحوار كانت تعول علي دور مفترض سيلعبه الرئيس مسعود الذي يسعي لمراجعة المادة 26 الخاصة بسن المترشح  بعد أن تم الاتفاق معه علي إدراجها ضمن نقاط الحوار علي أن تتم المطالبة بالربط بين المادتين 28الخاصة بالمأموريات مع المادة 26 باعتبار أنهما من المواد المحصنة دستوريا ، ويكون الزعيم مسعود –تبعا لذلك-مسؤولا عن أي تعديل يطال تلك المواد لأنه هو من تحمس لها وطالب بها و بعد أن يقع في هذا الفخ لن يجد مخرجا سوي قبول الأمر الواقع ..يبدو أن الرئيس مسعود فطن للأمر متأخرا واتخذ قرارا حاسما جعل النظام يقع في التناقض الواضح وقد استشف البعض من عبارات الرئيس ما يدل علي هذا الطرح .
السناريو الثالث : وهو ما أتبناه شخصيا يذهب إلي الجمع بين السناريوهين  باعتبار أن الرئيس ليس راغبا بالفعل في مأمورية ثالثة ولا أدل علي ذلك من أنه (كما قال هو نفسه) أثبت في الماضي قدرته تحدي الدستور وتعطيله تماما عندما أزاح رئيسا منتخبا واستولي علي السلطة بانقلاب عسكري كانت القوي السياسية قبل ذلك قد جرمت القيام به واعتبرت أن العودة له غير ممكنة .وبالتالي فإن الرئيس يملك أكثر من خيار للاستمرار في الحكم إذا كان يريد ذلك بالفعل ،ولايمكن التعويل علي الشعب –في هذه الحالة- أو علي المعارضة حسب التجارب السابقة ..هذا من جهة ومن جهة أخري يمكن أن يكون الرئيس قد قبل مناورة سياسية دفعته إليها القوي الموالية الراغبة في بقائه في السلطة والتي بدون شك تري أن مصالحها مرتبطة  ببقائه في الحكم ولا تدخر جهدا في سبيل إقناعه بالبقاء مهما كان الثمن ،وقد أراد الرئيس من ذلك أن يتخلص من تلك الدعوات  من خلال استغلال اللحظة التي عجزت فيها الموالاة عن إقناع من يتجاور معها بقبول التعديلات ،وقد كان واضحا أن  الرئيس قد فاجأ المؤيدين قبل المعارضين وأنه أبهر الجميع بكلماته الواضحة والدقيقة  والتي لا تترك مجالا للشك لدي هؤلاء أو أولئك ..!
يبقي أن نتساءل حول ما يمكن أن تحمله مسيرة المعارضة المقررة في وقت كانت الأمور تتجه فيه نحو التأكيد علي النتيجة الصحيحة للقياس السابق ؟
لا أعرف ما ترجح المعارضة من السيناريوهات السابقة ولا أتوقع أن كل الأطراف المعارضة ستتفق علي قراءة موحدة لخطاب الرئيس، لكنني أعتقد أن الخطاب سيغير في خطط المعارضين وسيدفعهم :- إما إلي الانزلاق في اتجاه يخدم المحرضين للرئيس علي عدم ترك السلطة -وهو اتجاه قد يسلكه حزب التكتل  - ويعني ذلك أن السعي سيتواصل لوقف تنفيذ الإصلاحات الدستورية المتعلقة بمجلس الشيوخ والمجالس المحلية وغيرها من الإصلاحات المعلن عنها والتي هي في عمومها لاتؤثر علي ثوابت الدولة ومكتسبات الديمقراطية .
- وإما أن المعارضين سيلتقطون الإشارات القوية في الخطاب ويدعمونها في اتجاه يسعي للمشاركة القوية في الاستحقاقات المترتبة عن مقترحات ما سمي بالحوار أو علي الأصح مقترحات النظام ؛ ومرافقة المسار والمساهمة في توجيهه وخوض الانتخابات المحلية والتشريعية ،وقد يدفع ذلك النظام إلي قبول حوار جديد علي قاعدة ما تم التوصل له وتصحيح بعض فقراته  وإعطائه مصداقية أوسع وأشمل ..وقد تكون أحزاب اتحاد القوي الديمقراطية وتواصل وحاتم واللقاء المؤهلة للسير في هذا الاتجاه أكثر من غيرها .....

22. أكتوبر 2016 - 9:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا