بدا البيان الأخير لمنتدى المعارضة حول الحوار الوطني الشامل ومخرجاته، من حيث محاولته " التوحيد الظاهري " لمواقف سبق لأصحابها التعبير عنها في بيانات وتصريحات منفردة، أشبه ما يكون بشظايا البلورة الزجاجية المتشظية، التي حاول صاحبها جاهدا إعادتها كما كانت قبل أن يتذكر
أن الزجاجة كسرها لا يُشعب.. ليعمد إلى محاولة إلصاق شظاياها بعضها ببعض ولو باستخدام " الريق " ليعتقد من ينظر إليها من بعيد أنها عادت على صيغتها الأولى!
هذا البيان جاء بعد ثلاثة أيام من اختتام الحوار وعرض مخرجاته الواردة في بضع صفات باللغتين العربية والفرنسية، وبفقرات واضحة مرتبة لم تأخذ من قارئيها في حفل اختتام الحوار سوى عشر دقائق، وكان ينتظر أن يصدر رد المنتدى المعارض عليها صبيحة اليوم الموالي، فاندهش المراقبون لتأخر الرد الجماعي للمنتدى كل هذه المدة التي أستبق خلالها أعضاء في المنتدى منتداهم في إصدار مواقفهم من الحوار ومخرجاته ومن خطاب الرئيس كالآتي:
عضو المنتدى رئيس شورى حزب " تواصل " : خطاب الرئيس واضح وصريح، ومخرجات الحوار مقبولة..
عضو المنتدى المصطفى ولد اعبيد الرحمن: انطلاقا من إيماننا بموريتانيا ديمقراطية وموحدة فإننا نثمن قرار رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز البارحة والذي أكد فيه عدم الترشح للرئاسيات القادمة وعدم المساس بالمأموريات، ونعتبر أنها خطوة مهمة على الطريق السليم لترسيخ الديمقراطية والتناوب.
عضو المنتدى زعيم المعارضة: لقد اقترب الحوار من الانطلاقة بصورة أفضل، لكن الرئيس أعطى تعليماته لأصحابه المكلفين بالحوار من أجل التسريع بالانطلاقة دون انتظار المنتدى، أسمعتم! فما كان حاصلا عندنا مما ردده المنتدى كثيرا هو أن الرئيس عمل كل ما بوسعه لجر المنتدى للحوار لأنه يشعر بالمأزق وضيق الخناق، والمنتدى يمانع ولا يريد أن يمنحه طوق النجاة بالدخول معه في حوار، ومع ذلك كان المنتدى على جاهزية للدخول في الحوار لكن الرئيس أعطى تعليماته بتسريع انطلاق الحوار دون انتظار المنتدى، إسعفونا أي الأحجيتين نصدق؟!
عضو المنتدى رئيس حزب " حاتم " : المأمورية الثالثة كانت مجرد لعبة إعلامية وقد أسقطناها، لكننا لم نناضل من أجل إسقاط المأمورية الثالثة، بل من أجل إصلاح النظام ووضع آخر محله، أسمعتم أيضا! النضال كان من أجل إسقاط المأمورية الثالثة، رغم أنها كانت مجرد لعبة إعلامية، ومع ذلك عندما " أُسقطت " بان أن " إسقاطها " لا يكفي ولم يكن هو الهدف بل الهدف هو إسقاط النظام الذي استغرقت محاولة إسقاطه بثورة ثلاث سنوات كان الحماس لها يتراجع بعد كل مسيرة ومهرجان إلى أن كل ووقف حماره بين دار الشباب وبن عباس، والهدف الآن هو إسقاط النظام بواسطة حوار جدي!! هل سمعتم بنظام في العالم يحاور على أساس إسقاطه، وماذا تقولون في جدية طرف يسعى لهكذا حوار؟!
من جديد يتأكد لنا أن الحوار الجدي الذي لا تريد ولا ترضى المعارضة المرتبكة أو بعضها ببديل عنه هو الحوار على أساس التخلص من النظام، ماذا تريدون أكثر من ثلاثة أدلة على ذلك، وثلاث رهانات وحسابات كلها كانت خاسرة؟!
1 ـ رهان " الثورات " الذي دخل فجأة على خط الاستعدادات للدخول في حوار 2011، وكانت كل مكونات المعارضة على أهبة الدخول فيه لتنفض أحزاب يدها منه وتتخذ مسار الثورة كطريق بدا لها أقصر وأسرع لتحقيق الأهداف، لكن أحزابا أخرى رفضت ذلك الطريق ومضت في الحوار فهما منها لطبيعة النظام والبلد والشعب والتحديات، وقال لهم النائب عن حزب التحالف الشعبي وقتها " محمد سالم ولد بداهيه " إن النظام القائم يمتلك مقومات وميكانيزما البقاء، ومن يمتلك مقومات البقاء حاوره ولا تضيع وقتك في مجابهته فكان ما كان، ونكتفي بتقييم قادة الثورة لمآلاتها.
2 ـ الرهان على عجز الرئيس أو رحيله على إثر إصابته بالطلق الناري أكتوبر 2012، فبعد يومين من الموقف " الإنساني " الذي قالت المعارضة المنسقية إنها اتخذته " تضامنا " مع أسرته لا معه، بدأ قادتها يتقاطرون ويصطفون أمام أبواب الحزب الحاكم وأحزاب الأغلبية يطرقونها طلبا للحوار وبمبادرة منهم وحماس غير مألوف، لكن الحوار حول ماذا يسألهم الحزب الحاكم وحلفاؤه في الأغلبية؟ فيقولون الحوار حول مرحلة ما بعد الرئيس، فتقول لهم تلك الأحزاب إن الرئيس يتعالج ويتماثل للشفاء وسيعود لممارسة مهامه، وباب الحوار حول شغور منصبه مغلق بتاتا لكنه مفتوح لأي شأن آخر يريدون الحوار أو التشاور حوله، ليعودوا من حيث أتوا مرورا طبعا ببريد الجيش الذي أودعوه الرسائل بضرورة التحرك وتحمل المسؤولية!
3 ـ الرهان على فشل الحوار الحالي وانسحاب من شاركوا فيه من المعارضة خصوصا القادمين منهم من صفوف " التكتل " والمنتدى من سياسيين ومستقلين، أو اختتامه دون أن يتميز بحدث هام كالذي أعلن عنه الرئيس بعدم مساسه بفقرة تحديد عدد المأموريات، وهي نقطة زخمتها المعارضة وجعلت منها ورقة بيد الرئيس للتفاوض كتنازل من حقه الاحتفاظ به واختيار الوقت الذي يقدمه فيه والشركاء الذين يقدمه لهم، كأي محاور يرتب أوراقه على أساس ما سيتمسك به وما سيتنازل عنه.. مع أنه كان بإمكانه الإبقاء على موضوع المأموريات غامضا لمراوغة خصومه كما يراوغونه.. بل و كان بإمكانه المضي في مأمورية ثالثة بغض النظر عن تبعات ذلك، ودعونا من " رعبه وارتعاد فرائصه " من ضغوط ووعيد المعارضة، فلا علم لنا بقرار أو مشروع تراجع عنه الرئيس بفعل تلك الضغوط أو المسيرات والمهرجانات، و " الانتصار " الذي يتكلمون عنه اليوم مفهوم، فالانتظار الطويل لتحقيق الانتصار يجعل اليائس يصطنع ذلك الانتصار.. وهو نفسه الهزيمة بطعم النصر الذي يهدئ به قائد فريق كرة القدم لاعبيه ومشجعيه بعد هزيمة نكراء، لكنه طعم لا يمكث في الحلق كثيرا لأن الطعم الحقيقي هو طعم الهزيمة..
جرى حوار 2011 بنقاشه الهادئ لشؤون البلاد بطرق بديلة لتلك التي أرادها لها آخرون، وبنتائجه المعروفة التي أغرت بعض أطراف المعارضة المقاطعة له بالمشاركة في النيابيات المنظمة على أساس نتائجه، و طمأنت تلك النتائج وأرضت شرائح واسعة من فئات المجتمع، واعترف سياسيون مقاطعون بعد ذلك بأهميتها. وعاد رئيس الجمهورية من رحلته العلاجية واستقبله مليون شخص بكل عفوية واندفاع وبدأ ممارسة مهامه بعد أن تحمست المعارضة للحوار، بلا شروط ولا ممهدات ولا ضمانات، على مرحلة ما بعده في غيابه ، والتأم حوار 2016 بمشاركة من رسم سبيل الحوار منهجا له، وليس صحيحا أن هذا الحوار تجاهل أي جانب من جوانب الحياة في البلد، فهناك 56 نقطة متفرعة عن البنود الشاملة الأربعة تم نقاشها والاتفاق عليها، وكلها تمس كل الجوانب الجوهرية في مسار البلد بما في ذلك ظروف المواطنين ومعيشتهم وتعليمهم وصحتهم وأمنهم.. لكن صحيح أن الحوار لم يتطرق، ولم يقر الشطب على الرئيس وأركان نظامه وأغلبيته من على خريطة الحياة السياسية المستقبلية للبلاد، لأن لا أحد من المشاركين ولا المقاطعين يحق له ذلك.
إن الغالبية العظمى من الشعب الموريتاني التي أبت الانسياق خلف محاولات إفناء نفسها وبلدها عبر التثوير و " الفوضى الخلاقة "، والتي ازدادت اليوم ثباتا على ذلك الموقف بعدما ما رأته من وبال وويل وثبور ما كانت تُساق إليه، ومئات الآلاف التي استقبلت رئيس الجمهورية عشية عودته من رحلة العلاج، هي نفسها مئات الآلاف التي ستتحلق بعد أيام في مناسبات التعبئة للاستفتاء على الدستور وتصطف في طوابير لإقراره، وليست بضعة الآلاف التي ستتجمهر غدا في ساحة بن عباس لسماع خطب " موحدة اللغة " حول تبخيس ورفض نتائج الحوار، لكنها متابينة المواقف الفعلية من تلك النتائج، ومختلفة النوايا المُضمرة للتعامل معها مستقبلا، فمن يمتلك الرصيد الشعبي الذي به يثني الشعب عن تمرير نتائج الحوار ويثبت ذلك ميدانيا،هو من يحق له التكلم باسم الشعب وقواه الحية كما يقول، وهو من بإمكانه إصدار بيانات النصر، أما من لا يمتلك، إلى أن يُثبت العكس، فقد آن له وقفة مع نفسه لمراجعة نهجه وربح الطاقة المهدورة في سنوات من التجديف ضد تيار الواقع وتوجهات الشعب..!