لا يخفى على أي كان مهتم بالشأن العام أو متتبع للحراك السياسي ولا حتى على المراقب البسيط للأحداث حجم وعمق ومدى التحولات التي عرفها البلد منذ مطلع القرن الواحد والعشرين وحتى اليوم، خصوصا في المجالات المتعلقة بالحريات العامة والحكامة الرشيدة وتكريس الممارسة الديمقراطية
ولعل من الضرورة
بمكان أن نتأمل معا ليس فقط في طبيعة وحجم هذه التحولات بل أيضا في السياق العام والجو الذي حدثت فيه والذي اتسم في الغالب بالانفتاح على الشعب والتعاطي البناء بين مكونات الطيف السياسي وتجلى ذلك في ندوات كبرى أسست كل منها لمرحلة محورية في تطور البلد
فكانت البداية في الأيام التشاورية 2005 بمشاركة جميع القوى الحية في البلد فوضعت بذلك اللبنة الأولى لمرحلة جديدة في تاريخ بلد خرج لتوه من نادي الأنظمة الشمولية شعارها الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية وساهمت عبر النقاش الجاد والصريح في التخفيف من حدة الاحتقان السائد آن ذاك في البلد وبناء جو جديد تطبعه الثقة بين مكونات الشعب الموريتاني والأمل في مستقبل واعد للبلد.
ثم جاءت المنتديات العامة للديمقراطية والوحدة في ظل مقاطعة بعض الطيف السياسي على خلفية الأزمة السياسية التي عرفتها التجربة الوليدة فأسست هي الأخرى لرحلة جديدة في التعاطي مع المواطن البسيط شعارها الصراحة فساهمت في كسر الهوة بين النخب السياسية والقواعد فبعثت بذلك الأمل وولدت لدى المواطن رغبة جديدة بالمشاركة في العملية السياسية واهتماما غير مسبوق بالشأن العام في البلد
وسبيلا إلى وضع حد للخلاف بين النخب السياسية جاء حوار داكار للمساهمة في توطيد الممارسة الديمقراطية وتمخض عنه تنظيم انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة بإشراف لجنة انتخابية مستقلة في ظل حكومة وحدة وطنية أشرفت على تسيير تلك المرحلة باتفاق جميع المتحاورين.
وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الإرهاب وفوضى ما بات يعرف بالربيع العربي جاء حوار 2011 ليفتح الباب واسعا أمام المتحاورين لرسم خارطة طريق جديدة تدفع البلد إلى الأمام وترفع عنه تحديات المرحلة فتم تطوير المنظومة القانونية عبر تجريم الانقلابات ودسترة تجريم العبودية وغيرها من الخطوات الهادفة إلى ترسيخ الديمقراطية وتقوية اللحمة المجتمعية ثم جاء الحوار الفاصل (2016) ليس فقط لأنه كان جريئا من حيث المواضيع التي تطرق لها المتحاورون ولا من حيث المخرجات التي ستؤسس حتما لمرحلة مفصلية من تاريخ البلد بل لأنه كان تلبية لنداء الوطن
فعلى عكس الندوات السابقة هذا الحوار لم يأتي لحل إشكال خاص ولا حتى للتعاطي مع مرحلة استثنائية معينة بل جاء رغبة في المساهمة العملية والإيجابية في صنع غد أفضل للبلد وسعيا لمصالحة حاضره مع ماضيه سبيلا إلى تصور رؤية شاملة وشمولية لمستقبله.
إن إنشاء مجالس جهوية وإجراء تحسينات على العلم الوطني وتغيير النشيد الوطني هي أمور من بين أخرى ستؤسس لا محالة لموريتانيا جديدة متصالحة مع ذاتها في ظل نهج تنموي يكرس المشاركة الفعالة لكل فرد في التنمية ويسعى إلى تقريب الخدمة من المواطن
إن خطاب رئيس الجمهورية التاريخي بمناسبة اختتام الحوار لا يقل أهمية عن المخرجات لما عبر عنه من نفاذ للبصيرة ووضوح في الرؤية واهتمام صادق بالشأن العام يجعل منه مصدر إلهام لأجيال الحاضر والمستقبل إن شاء الله وباعث أمل في النخب الشابة لكي تساهم بدورها في تحقيق النهضة الشاملة للبلد.
وهنا لإخوتي الشباب أقول هي فرصتكم فلا تضيعوها وشاركوا في صنع موريتانيا الغد من خلال تبني مخرجات الحوار وشرحها على نطاق واسع والدفاع عنها كمكتسبات تخدم المصلحة العامة للبلد وتؤسس لمستقبل واعد له بإذن الله.
ولكم مني سيدي الرئيس تحية إعجاب وتقدير واحترام لأنكم كنتم دائما ودوما في الموعد ولأنكم باختصار كنتم دون منازع بطل المرحلة بامتياز كما أحيي كل الطيف السياسي معارضة وموالاة على الاهتمام بالوطن، بثوابت الوطن وعلى رأسها الدين الإسلامي وبمستقبل الوطن والعمل الدؤوب على تكريس الديمقراطية والقيم الإنسانية في البلد وأهيب بالجميع التحلي بروح الانفتاح والحوار والرفع من مستوى الخطاب السياسي سبيلا إلى الرقي بالبلد والحفاظ على وحدة وتماسك الشعب.