انتهى الحوار الوطني الشامل رغم معارضة كل معارضة ورغم ما شاكل أيامه من تنديدات المعارضين المقاطعين وغير المطمأنين لحاله وحال موريتانيا كدولة من بعده ، انتهى والمعارضة لا زالت تُحضر لمسيرتها المليونية التي تعبأ لها منذ أيام والتي ستنظمها حسب ما قررت في 29 من الشهر الجاري ،
لكن لكنْ بعيدين قليلا عن هذا وعن ذلك من اجل فحص الواقع السياسي وتدقيقه قبل لحظة الصفر ، دون انتقاد النظام ودون أن نمس المعارضة في شيء.
هناك ثلاثة أطراف يمكن أن يتخللها هذا التفسير من أجل رسم مراحل الأيام أو المرحلة السياسية المقبلة ، وهذه الأطراف لها طرفين رئيسين وطرف آخر ثانوي .
أما الأطراف الرئيسية فهي النظام برأسه ولد عبد العزيز والمعارضة بقطبها الممانع المنتدى ، ثم نناقش أثر سلوك حزب التحالف الشعبي الأخير على الوضع بشكل عام.
لقد استطاع النظام الموريتاني أن يجري حوارا وطنيا -على الرغم من كل التحفظات التي صاحبت طبيعة تلك الحوار ومسائله- رغم معارضة المعارضة ورغم موقفها الصريح منه ، واستطاع كذلك في نفس الفترة أن يشغلها بالشائعات التي تفيد بأن قضية المأمورية باتت مطلبا وطنيا وأنه سيقدم للشعب في استفتاء إن لم يمرر في الحوار ، وجرت أيام الحوار التي مُددت لتشمل ثلاث أسابيع على ما كان مقررا لها سلفا على ما يهوى النظام وأهله ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن المعارضة بقت مكتوفة الأيدي كل تلك الفترة تنتظر ما سيثمر الحوار لتتخذه شعارا وتنتظر بالإضافة إلى ذلك الهفوات والأخطاء لتضيفها إلى تلك الشعارات التي لا يمكنها أن تجيش الشارع من دونها.
أما المنتدى فيبدو أنه لا زال مصمما على مسيرته التي أعلن أنه سينظمها يوم 29 من الشهر الجاري والتي توقف مع التحضير لها أياما من أجل معرفة طبيعة الشعارات الني سيستخدم فيها نتيجة لما توالى من أحداث أيام الحوار وشملت ختامه بخطاب ولد عبد العزيز الذي قال فيه بالحرف الواحد أنه لا ينوي الترشح لمأمورية ثالثة ، وأنه لا مجال للمصالح الشخصية في الدستور الجديد ، وهو ما أربك المنتدى وأوقفه مع نفسه لحظات ، ففي الوقت الذي كان قادة المعارضة يتجهزون لتصعيد من نوع خطير من أجل الدفاع عن الدستور وبالتحديد من تحصين المادة 28 من الدستور والتي تتعلق بتحديد المأموريات ، تنازل الرجل عنها في لحظة .
هل كان ولد عبد العزيز يعي ما يقول ؟ وهل كان مجبورا على ذلك ؟ أم هي القناعة والإيمان بالوطن هما اللذان أجبراه على قول ما قال؟
وما هي الوسيلة الذي ينبغي أن تتخذها المعارضة من أجل الدخول في المرحلة الجديدة من تاريخ موريتانيا السياسي ؟ وهل يجب أن تتعاطى تعاطيا سلبيا أم آخر إيجابي مع خطاب الرئيس الموريتاني الأخير؟.
قبل الشروع في مناقشة كل ذلك لا بد من الإشارة إلى أن حزب التحالف الشعبي الذي يقوده مسعود هو الخاسر الأكبر من الحوار وما وقع فيه كان بالفعل وضع حرج للغاية ، فبعيدا عن كل شيء لقد حاور الحزب وشرّع الحوار لولد عبد العزيز وهدف قائده مسعود ولد بلخير كما أعلن في مناسبات عدة هو تغيير المادة 26 التي تتعلق بسقف العمر المسموح به للترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة وعندما قابل فاعلي الأغلبية طلب حزبه ذلك بالمأمورية ظن الرجل أنه سيجد ما يبرر خروجه مؤقتا بعد أن استيأس منهم في شأن طلبه ، فخروجه مؤقتا قبل ختام الحوار يعطي زخما إعلاميا لفشل الحوار وهو ما رحبت به المعارضة المقاطعة واعتبرته دليلا على فشل الحوار حيث أنه لم يبقى من الشخصيات المعارضة الوازنة غير بيجل ولد هميد ، وكان يظن مسعود أن ولد عبد العزيز سيستدعيه ويسترضيه خوفا من فشل الحوار ، ولما تبين له أن الرجل على موقف مسبق من أمر انسحابه أعلن انسحابه الكلي ، ليطل علينا ولد عبد العزيز ويقول بالحرف الواحد أن المادة 26 المتعلقة برفع سقف سن الترشح لن تغير ، كذلك هي والمادة 28 ويقول لأن كل منهما ترتبط بمصلحة شخص لا دولة .
ومن المؤكد كانت تلك التصريحات جمرا على مسعود ولم يكن بيده حيلة إلى التفكير والعودة إلى مساره الأول مرحبا بالحوار وبنتائجه ، فلم يشارك المحاورين الغنية ولم يشارك المنتدى كذلك الصمود والعزيمة..!
فموقف مسعود في النهاية قوى كفة الأغلبية على حساب كفة مسعود الشخصية وعلى حساب مستقبل حزبه السياسي
أما فيما يتعلق بالأغلبية ورئيسهم عزيز ، فبغض النظر عن سيناريوهات المقبل وطبيعة الخليفة المنتظر وما يحوم في تلك الدائرة من جدل واسع ، فنحن نعرف أن ولد عبد العزيز سيغير الدستور على حسب ما قال وما أُعلن عنه في مخرجات الحوار الشامل ، وأنه سيسعى إلى تنفيذه بالحرف الواحد ، ليس لأنه دائما ما يفعل ما يقول ، بل لأن الأمر مرتبط برفض معارضيه ، فهو ذو عزم ولن تثنيه إلى فوضى عارمة أو ما شابه ذلك لا قدر الله ، أوبضغط قوي وصمود أيام في الشوارع والميادين .
ولا أظن أن المعارضة الحالية قادرة على أن تصمد مثل ذلك الصمود وليس ذلك تصغيرا منها ولا من قدرها وإنما حسب ماضي تعاطيها مع نظام ولد عبد العزيز في السنوات الماضية ، فلقد قاطعت معظم أحزاب المعارضة الانتخابات التشريعية والبلدية 2013 وسعت بكل ما أُوتيت بقوة من أجل إفشالها ، وتم اعتماد نتائجها في النهاية وعمل بمقتضى تلك الانتخابات رغم كل ما شابها من أمور غير واضحة ولبست على الطريق ، وقد قاطعت أيضا الانتخابات الرئاسية ولم تستطع أن تؤثر في طبعتها شيئا على الأقل ضمنيا إذا ما تجاوزنا نسبة المشاركة ، ومنذ ذلك الحين والمعارضة تسعى إلى إقامة حوار وطني شامل يعيد بناء الثقة بينها وبين النظام الحالي وهو ما لم يتحقق وما لن يتحقق حسب ما يبدو ، فولد عبد عزيز شخص متملك ذو نزعة فردية ويستحيل أن يتعامل أو يتشارك مع ند سياسي كي لا يكون عقبة في وجه ما يريد.
نعم كان للمعارضة دور مهم في إعلان تخلي عزيز عن المأمورية ، ودليل ذلك أنه عندما شاعت قصة المأمورية أول الأمر في زيارة ولد عبد العزيز الداخلية التي قام بها صيف عام 2015 ، لم يكذب عنها بصورة مطلقة في لقاء صحفي عقده بعد الزيارة وقال أن الكلام عنها لم يحن ، وقال نفس الملام في لقاء صحفي ’خر عقده على هامش الاحتفال بعيد الاستقلال في نواديبو ، فما الذي دفعه إلى قطع الشك في اليقين فيها الآن وإعلانه تخليه عنها غير الخوف والفزع مما سيترتب له عنها؟
ويجوز لنا التساؤل قياسا على كل ذلك عن طبيعة التعاطي الإيجابي الذي يجب أن تتخذه المعارضة في هذه المرحلة؟.
لكن قبل الشروع في نقاش ذلك ، هل سيقبل ولد عبد العزيز إلغاء نتائج الحوار الحالي ، والدخول في حوار جديد مع المعارضة؟
لن يقبل ولن يفعل ذلك مطلقا وهذا شيء تعرفه المعارضة جيدا لكن جل ما أخشاه أن تنفذ مقترحات الحوار الحالي وتطبق بالحرف الواحد وتكون بداية لحرب جهوية وقبلية حول مآرب الدولة ، لتكون نتيجتها في النهاية ، أن لا شعار ولا علم ولا نشي ثابت للدولة ، لأنه ببساطة أي حوار سعى إلى تغير تلك الرموز يجب أن يشمل الجميع وإلا يجب أن يكون حاضرا هناك دائما ما يُخشى ، وهذا ما لم تفكر فيه السلطة للأسف بفعل عزم صاحب الفخامة ونديته الحادة لمعارضيه.
وبعيدا عن هذا وذاك اقترح على المعارضة التفاوض مع النظام لتضمن خروج صاحب الفخامة سالما من القصر ، وتتنازل هي في ذلك التفاوض وتقبل مخرجات الحوار أو ما أمكن منها ، وأطلب من أهل البلاط الترفق بالعباد وبمستقبل هذا الشعب المسكين والسماح لصاحب الفخامة أن يخفض جناحه لمعارضيه ويتنازل ما أمكنه ذلك من أجل إشراكهم خدمة لموريتانيا.