رسائل الإسلاميين لأوباما.. دبلوماسية وعظ أم سخرية؟ / محمد الحافظ ولد الغابد

محمد الحافظ ولد الغابدوجدت التيارات الإسلامية من أقصى اليمين لأقصى اليسار في فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما ما يغريها بمخاطبته وتوجيه رسائل إليه احتفى أكثرها، خصوصا أصحاب اليمين (التيار المعتدل)، بالدلالة الإنسانية والحضارية لفوز أميركي أسود بالرئاسة في النظام السياسي الأميركي المركب والقائم على تعددية سياسية 

عميقة التأسيس جددت بريقها بدون شك الانتخابات الأخيرة التي قادت إلى انتخاب رجل ينتمي من جهة الأب للشريحة الإفريقية التي ظلت مضطهدة وتعاني من عنصرية متأصلة للبيض الأميركيين، وإن جاء هو في تكوينه الأسري «خلاسيا هجينا» ينتمي قلبا وقالبا على ما يظهر للحضارة الأميركية في بعدها الأوروبي «المسيحي المتصهين» وهو انتماء ستحدد درجته السياسات والقرارات التي سيتخذها الرجل في أعلى درجات الهرم السلطوي الأميركي في الأشهر والسنوات الأولى من حكمه لأقوى دولة في العالم تواجه لأول مرة في تاريخها أزمات متعددة الأبعاد، إذا لم تتطاير عليه شظايا الانفجار العنصري الكامن في أي لحظة توتر أميركي قادمة لتنهي تحولا سياسيا يتلمس فيه العديد من المحللين والمراقبين دلالاته الحضارية والإنسانية بوصفه حدثا ذا دلالة عميقة في التاريخ الأميركي برأي البعض وإن رأى آخرون في ذلك نوعا من التضخيم غير المستحق.

ذاكرة الإسلاميين والنكهة الأوبامية يجد الإسلاميون في الذاكرة الرسالية للأمة المسلمة تلك الصورة الناصعة لمخاطبة الرسول الكريم لملوك الأرض قاطبة بالعزة الرسالية والندية غير المعهودة، حيث لم يتعود أولئك الملوك أن يأتي خطاب الرسالة الإسلامية: «أسلم تسلم» منبثقا عن رسالة تستند في منطلقها لأمة العرب التي كانت حتى البعثة النبوية أمة وضيعة القدر والمكانة لا منزلة لها بين الأمم الكبيرة في ذلك العصر وإن كان حضورها في المشهد من خلال مناوشاتها لبعضها البعض ولأطراف الإمبراطوريات المهيمنة في ذلك التاريخ معروفا عنها. شجون الذاكرة التاريخية والرسالية دفعت بالعديد من الإسلاميين لمخاطبة الملك «الأسود» المنتخب ليس من خلال دعوته للإسلام لأن خطاب الندية يفقد المبررات ولا يتجرأ عليه عادة إلا من يوصفون بالإرهابيين لأنهم وحدهم –إسلاميا- احتكروا لأنفسهم رفس السقوف الواطئة التي تنزلت عليها القطاعات العريضة من الإسلاميين الموصوفين بالاعتدال، الأولى تعتمد التثوير والسخرية والثانية تتوسل بالدبلوماسية والاستعطاف.

رسائل القاعدة والانتقادات اللاذعة وقد جاءت تصريحات الناطق الرسمي باسم المعسكر الأول الدكتور أيمن الظواهري الذي فضل استخدام براعة الاستهلال من خلال خطاب أوباما من داخل مفردات المناخ الثقافي للأقلية الأميركية السوداء التي تعرف انقساما منذ زمن بعيد جعل بعضها يرتمي في حضن «العنصرية الأميركية» البيضاء كما جعل بعضها يتحمل تبعات النضال والكفاح من أجل الحرية. وخاطب الظواهري أوباما قائلا «صدق فيك وفي كولن باول وكونداليزا رايس وأمثالكم قول مالك الشهباز (مالكولم اكس) رحمه الله عن «عبيد البيت»، في إشارة لما كان سائدا قبل عقود حيث كان زنجي البيت يقوم بالاعتناء بسيد البيت فإذا حاد زنوج الحقل عن الخط كان زنجي البيت يعيدهم إليه لأن هذا العمل كان يؤمّن له معيشة أفضل من زنوج الحقل. وتناولت رسالة القائد القاعدي نقاطا لم تنل حظها من الاهتمام في الإعلام العربي خلال الأسابيع الأولى الاحتفالية بفوز أوباما وما تخللها من قراءة لمستقبل تعامله مع ما يسمى غربيا «منطقة الشرق الأوسط»، وانطوت الرسالة على انتقادات لاذعة وسخرية كبيرة من التدين المغشوش لباراك أوباما في قوله: «أنت تمثل النقيض للأميركيين السود الشرفاء من أمثال مالك الشهباز أو مالكوم إكس، فأنت ولدت لأب مسلم لكنك اخترت أن تقف في صف أعداء المسلمين وتصلي صلاة اليهود رغم أنك تزعم المسيحية!». سادت في رسالة القاعدة ثنائية الاتكاء على مفردات خطاب المظلومية الثقافية لدى الأفارقة الزنوج الأميركيين والهجوم الحاد الذي يحاول جسر الهوة ومطاولا الندية مع الخصم والخطاب الانتقادي اللاذع والساخر أحيانا أصيل في خط الفكر الإسلامي الهجومي الذي ينتمي للمدرسة المثالية والإطلاقية التي تألقت مع سيد قطب وأبي الأعلى المودودي وتشكل مرتكزا للرؤية الفكرية والسياسية للقاعدة.

رسائل المعتدلين: الدبلوماسية.. الوعظية.. المطلبية وجهت العديد من التيارات الإسلامية المعتدلة رسائل للرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما بعضها كان يذكر بالإرث السيئ للتركة التي خلفتها إدارة بوش ويحذر من الاستمرار في النهج الذي اختطه وبعضها كان يذكر ويعظ وأحيانا يستدرك هوة السياق.. ويسجل موقفه كأنه يترقب أن الزمن الآتي سيصدق تسجيلاته مواعظه ونصائحه للرئيس الجديد الذي يجد في شخصه والسياق المحيط ما يستحق العطف والتوجيه. أبرز النماذج على هذا النوع من الرسائل تلك التي وجهها رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني محمد جميل منصور الذي يسجل وعيه بالهوة السحيقة ما بينه والرئيس الأميركي قائلا: «لست في وارد تقديم الدروس لكم والراجح أنكم لستم في وارد الاستماع إليّ أو القراءة لي»، ويسجل موعظته للرئيس الأميركي مضيفا: «ولكني مع ذلك أؤكد لكم أن القوة بدون العدل وبال على صاحبها، وأن السيادة بواسطة العنف مؤقتة وسلبية النتائج.. ولكي تكون الديمقراطية الداخلية فعالة وصلبة يلزم أن تكون ديمقراطيا مع الآخرين، ولكي تكون العدالة الداخلية ذات مصداقية وأثر ينبغي أن تكون عادلا مع الآخرين». ويخاطب رئيس الحزب الإسلامي الموريتاني الرئيس الأميركي الجديد مؤكدا أنه يدرك أن التباين في النخبة الأميركية حول قضايا أمتنا –الإسلامية- محدود ودائرته ليست بالاتساع الذي يظنه البعض، ولكني أدرك أيضا أن الظلم ظلم، سواء على من وقع أو ممن وقع.. وبلادكم ظلمت كثيرا، ورفع الظلم عن الأميركيين وتحقيق حلمهم في مساواة ومواطنة حقيقية يستلزم أن ترفع الولايات المتحدة الأميركية ظلمها عن الآخرين: ترفع ظلمها عن العراق، ترفع ظلمها عن أفغانستان، ترفع ظلمها عن فلسطين التي تدعم فيها احتلالا عنصريا لا يكتفي بحرمان أهل الأرض من الحقوق بل يعمل لمحوهم من الوجود، ترفع ظلمها عمن تظلمه وليس بالقليل». وبالجملة فالتيارات الإسلامية بتباين رؤاها وخلفياتها الفكرية رأت في فوز الرئيس الأميركي باراك أوباما ما يستحق التعليق وتسجيل المواقف ولكنها لم تحمل أملا كبيرا يعلق على الوافد الجديد للبيت الأبيض ولم تنطو على تلميحات تكتيكية ودية أو تهديدات واعتمدت بالأساس على الخطاب التعبوي ومفرداته الحدية ربما لأنها في الأساس موجهة للجمهور وليس للنخبة من جهة ولأن أرضية الخطاب من ذلك النمط تفتقد السياق والمبررات.

12. أبريل 2008 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا